logo
هل صحيح أن المثقف يشكل وجهاً من وجوه المشكلة والأزمة في حياة المجتمع؟!

بقلم : هاله شحاده  ... 24.01.2010

ما شهده العالم من انهيار في القيم والنظم، ومن فشل في مشاريع التنمية، ومن نزاعات وحروب وكوارث اجتماعية ووطنية في بعض مناطقه ودوله يفضح مقولة الإنسان العقلاني التقدمي، فقد أصبح من السذاجة أن يدافع أحدنا عن مقولة التقدم، فيما العنف يزداد عما قبل.
كل ذلك يبقي الأسئلة مشتعلة حول مهمة المثقف الذي عنى به الكاتب هو من تشغله قضية الحقوق والحريات، وتهمه سياسة الحقيقة، ومن يهتم بتوجيه الرأي العام دفاعاً عن حرية الأمة ومستقبل البشرية. اهتزت صورة المثقف، سواء في نظر نفسه أو في نظر غيره، وفقد فاعليته وبدا أعجز من أن يغير ما أراد تغييره لأن ما جرى كان بخلاف ما يقوله أو يدافع عنه: كان يأمل تقدماً على صعيد
الحرية، والعدالة، وتكافؤ الفرص، وحقوق الإنسان،فإذا النتيجة تراجع مساحة الحريات، والمزيد من الانتهاك لحقوق الإنسان، وتعاظم التفاوت في توزيع الثروات.
إن المثقف بتعامله مع نفسه كمسؤول عن الحريات والقيم يدَعي القيام بتنوير الناس وتحريرهم، فيما العلاقات بين المثقفين ليست تنويرية ولا تحررية. فهي لا تخلو من بربرية الغاب وفاشية العصبيات، فضلاً عن النرجسية التي يتمتع بها المثقفون لاعتقادهم بأفضلية العمل الفكري على العمل اليدوي.
المثقف يدعوك إلى التحرر من سلطة المال، في حين هو يراكم رأسماله ويثبَت سلطته. ويقول لك أن الارتهان لغير الله مذلة، فيما هو يجعلك أسير كلامه ورهن إرادته. وهذا ما يفسر لنا كيف أن معظم مشاريع التحرير، آلت إلى نشوء أنظمة ذات طابع استبدادي، أو عنصري اصطفائي.
المثقف يدعوك إلى مقاومة الغزو الثقافي، ولكنه عاجز عن التجديد والابتكار لأن إرادة العقيدة تتغلب عنده على إرادة المعرفة، ولأن هاجسه المدافعة والمحافظة لا غير، وبصفته كذلك أي مروجاً لا منتجاً للأفكار فإنه يزيد الغزو الثقافي غزواً، بخطاباته التبجيلية التي تخلو من الفرادة والأصالة.
لقد حدد الكاتب جملة من عوائق أساسية تعطل دور المثقف في سعيه لتغيير الواقع والمساهمة في صنع الحدث، وهذه العوائق تتجسد في عدد من الأوهام:
• وهم النخبة: فالمثقف الطليعي المنتمي إلى النخبة أو إلى الصفوة يصدر في فكره وسلوكه عن عقلية نبوية رسولية اصطفائية تجعله يتعامل مع نفسه بوصفه الأوعى والأعلم والأحق، أي أنه أوعى من الجماهير بمصالحها. ولا يحتاج المرء إلى بيانات لكي يقول بأن هذه المهمة الرسولية قد تُرجمت على الأرض فشلاً ذريعاً. فالمثقفين الذين ناضلوا من أجل الحرية، فإذا بالحريات تتراجع، والذين آمنوا بالعلمنة، فإذا بالحركات الأصولية تكتسح ساحة الفكر والعمل.
• وهم المطابقة: لا مبالغة في القول أن المثقفين دعاة الحرية والثورة والوحدة والاشتراكية والعلمانية كانوا قليلي الجدوى في مجريات الأحداث والأفكار.فتاريخ تعاملهم مع قضاياهم ومع الواقع يشهد فشلهم وهامشيتهم. إنهم لا يحسنون سوى نقض الواقع لكي تصح مقولاتهم، ومن هنا سعيهم الدائم لمطابقة الوقائع مع مقولاتهم المتحجرة. بهذا المعنى مارس المثقفون ديكتاتوريتهم الفكرية، أو عنفهم الرمزي باسم الحقيقة والحرية. فهم بدلاً من أن يشتغلوا على أفكارهم لفهم ما يحدث كانوا بمثابة شرطة للأفكار.
• وهم الهوية: قصد به اعتقاد المرء أن بإمكانه أن يبقى هوهو بالتطابق مع أصوله والمحافظة على تراثه، وهذا الوهم جعل المثقف يُقيم في قوقعته ويتصرَف كحارس لهويته وأفكاره.
• وهم الحرية:اعتقاد المثقف أن بإمكانه تحرير المجتمعات من أشكال التبعية والهيمنة والتخلف، وهذا الوهم شكَل عائقاً أعاق المثقف عن الإنتاج الفكري بقدر ما منعه من المعرفة بالإنسان والمجتمع والسياسة. لقد تعامل أهل الفكر مع أنفسهم كدعاة ومبشرين أو كمناضلين يهمهم بالدرجة الأولى قلب الأوضاع وتحرير الشعوب. ولكن هذه الأدوار مورست على حساب الإنتاج المعرفي. وإذا النتيجة أولاً،هي الجهل أوضاع المجتمعات المراد تغييرها، والنتيجة ثانياً،أنَ العالم يتغير على نحو يفاجىء المثقفين الغرقى بأوهامهم عن الحرية والنهضة والتقدم.
• وهم الحداثة: إن أصحاب الشعارات الحديثة تعاملوا مع علمانيتهم بصورة لاهوتية، وتعاطوا مع عصر التنوير بصورة تقليدية أصولية. فنجد أنه يستوي في ذلك التراثيون والحداثيون، فالكل يفكر بطريقة أصولية. فالتراثيون على اختلافهم يفكرون باستعادة العهد النبوي، أو الراشدي، أو العباسي. والحداثيون يفكرون باستعادة عصر النهضة، أو عصر الأنوار.والأصولي أكان ماركسياً أم قومياً أم رشديأ أم ديكارتياً، قلَما ينتج فكراً أصيلاً. فالأصولية هي تقويض للفرادة والأصالة، والحداثة لا تكون بالاحتذاء والتقليد، بل تصنع بالخلق والإنتاج.
وأخيراً ليس المثقف قائداً للأمة والمجتمع، هو وسيط للحد من الاستبداد والطغيان، بقدر ما ينجح في خلق وسط فكري. وإذا كان العالم يتعولم اليوم من جراء ثورة الاتصالات، فالاتصال يحتاج إلى وسط، وأهم ما يتوسط بين المرء ونظيره هو الفكرة والكلمة. ومن هنا فالمثقف بوصفه يشتغل بالفكر إنما يشكل وسيطاً بامتياز، ولا يسعه أن يمارس دوره هذا بصورة فعالة إلا إذا كان منتجاً وخلاقاً في مجاله.
*اسم الكتاب: أوهام الهوية أو نقد المثقف
*تأليف: علي حرب
*الطبعة الأولى،1996
*الناشر: المركز الثقافي العربي.

المصدر: موقع نساء سوريه

www.deyaralnagab.com