الحرب الثانية على غزة!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 09.01.2010
تحضر إسرائيل لشن ثلاث حروب ضد إيران وحزب الله وحماس، وهي لا تتوقف عن التدريب وإجراء المناورات وتحديث ترسانتها من الأسلحة التي تتغلب على نقاط ضعفها السابقة والتي برزت في الحربين على حزب الله وقطاع غزة. وعلى الرغم من الارتياب الذي يخيم على الدوائر العسكرية الإسرائيلية والذي يظهر تماما في كثرة التصريحات الحربية والتردد في شن الحرب، إلا أن إسرائيل لا تملك خيارا إلا الحرب. إنها تدرك أن ميزان القوى قد اختل لغير صالحها، وأن زمن الانتصارات السريعة قد ولى، وأن عليها أن تحارب خصوما أشداء لا يديرون ظهورهم للرصاص، وأنها أمام خيارين: إما أن تغامر الآن بشن حروب دون أن تكون واثقة من النصر، أو أن تتردد فيكتسب أعداؤها مزيدا من القوة فتكون المغامرة في المسقبل أشد وطأة.
لكل حرب محاذيرها ومفاجآتها، لكن غزة تبقى هي الحلقة الأضعف والتي يمكن أن ترجح كفة شن الحرب عليها. لكنها يمكن أن تكون قاصمة الظهر بالنسبة لإسرائيل إذا فشلت في تحقيق أهدافها، ويمكن أن يتحول جيشها إلى أضحوكة إذا لم يفلح إلا في قتل المدنيين وتهديم البيوت على رؤوس أصحابها. أي أن ضعف الهدف لا يعني النصر، والفشل يعني خسارة لها ولأنظمة الاعوجاج العربية والدول الغربية التي تدعمها.
يبدو أن أنظمة العرب تتحسس دقة الموقف من خلال الذعر الذي يدب في صفوفها هذه الأيام. قادة أنظمة الاعوجاج ينشطون في اللقاءت المتبادلة والمكثفة، وفي الحجيج إلى واشنطون عسى الراعي الأمريكي أن يقدم أفكارا تحافظ على بعض وجه ماء العرب في حال دعمهم لحرب إسرائيل على غزة. وربما تؤشر هذه النشاطات إلى التغطية على أمر أعتقد أنه صحيح وهو أن العرب يحثون إسرائيل على تغيير الأوضاع السياسية في غزة مقابل تقديم مزيد من التنازلات بخصوص قضايا حيوية مثل القدس والمستوطنات واللاجئين. أي أن إسرائيل تريد ثمنا من العرب لقاء إنهاء تمرد غزة، وإعادتها إلى الحظيرة العربية الخائبة.
**مشهد الحرب إسرائيليا
لا أظن أن إسرائيل ستكرر مشاهد حرب الكوانين (حرب الفرقان)، أو حرب الرصاص المسكوب، وفق تسميتها، لأن التجربة انتهت إلى الفشل، فضلا عن الصورة البشعة التي نقلتها وسائل الإعلام عن الأعمال البشعة التي ارتكبها جيشها بحق المدنيين والأهداف المدنية. وهي ستتبع تكتيكا جديدا لا يتزامن فيه القصف الجوي مع الزحف البري. تقديري أنها ستقوم بعمليات قصف عن بعد لأهداف منتقاة من منشآت وأشخاص وقيادات بصورة مكثفة على أمل أن: 1) تحدث إرباكا شديدا في صفوف المقاومة نتيجة قتل قيادات عسكرية وسياسية؛ 2) تقلص كثافة النيران الفلسطينية إلى أدنى حد ممكن بحيث تصبح الدبابات الإسرائيلية في مأمن، ويتمكن الجنود من الخروج من دباباتهم بأقل الخسائر الممكنة؛ 3) تفسح المجال أمام العناصر الفلسطينية المتعاملة مع إسرائيل وأمريكا لقلب الأوضاع من الداخل.
هذا يتطلب توفر معلومات دقيقة حول أماكن تواجد القيادات السياسية والميدانية، وعن أماكن تواجد منصات إطلاق الصواريخ، وعن حركة كتائب الصواريخ المضادة للدروع. ويتطلب أيضا معرفة دقيقة بنوعيات الأسلحة التي تم تصنيعها داخل القطاع،وتلك التي تم تهريبها، وكذلك حول التكتيك العسكري الميداني الذي ستتبعه فصائل المقاومة وبالتحديد حركة حماس. إن لم تتوفر المعلومات الدقيقة فإن إسرائيل ستخوض حربا عمياء لا تؤدي إلى تحقيق الأهداف.
إسرائيل معنية بحرب سريعة تنتهي بنصر سريع لأن طول أمد الحرب سيؤدي إلى: 1) إصابة معنويات الجيش الإسرائيلي بهبوط حاد في المعنويات، بل تفاقم في الهبوط لأن الهبوط موجود الآن؛ 2) مزيد من الإحراج للأنظمة العربية المتحالفة مع إسرائيل، ومزيد من الشتائم والسباب التي تتعرض لها عبر الفضائيات؛ 3) ازدياد عدد الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين الأمر الذي يضع إسرائيل في مزيد من متاعب الصورة البشعة؛ 4) رفع مستوى تراكم النقمة الشعبية العربية، وارتفاع منسوب الحركة الشعبية في أوروبا ضد إسرائيل ودعما لغزة؛ 5) طول أمد الحرب يعني المزيد من الخسائر دون تحقيق أهداف. أي أنه إذا فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها في الأيام الأربعة الأولى، فإن إمكانية تحقيقها بعد ذلك تصبح بعيدة.
ستعتمد إسرائيل بصورة مكثفة على الطائرات بدون طيار للاستطلاع والقصف، ومن الوارد أنها ستحاول إقامة مربعات "مطهرة" وفق وصفها في أماكن حساسة في مدينة غزة لتوسعها تدريجيا وبسرعة. أي أنها ستعمد إلى احتلال بعض المربعات بوساطة طائرات عمودية، ثم تطبق هذه المربعات على الأماكن التي يُظن أنها الأكثر تحصينا. وإسرائيل ستستعمل صواريخ أو قنابل خارقة لكي تصيب المخابئ تحت الأرضية ودون أن تكون واسعة التدمير. أي أنها ستسعمل أسلحة يمكن أن تقتل قيادات، أو تدمر مستودعات ومنصات إطلاق مع تقليص إصابة الأهداف المدنية بقدر الإمكان. لآ أعرف بالتحديد ما هي القذائف التي طورتها إسرائيل وأمريكا خلال السنوات الأخيرة، لكنها بالتأكيد تصب في هذاالاتجاه.
**مشهد الحرب فلسطينيا
غالبا سيستند الجانب الفلسطيني إلى الحرب غير المتحركة فوق الأرض، وسيستعمل المخابئ والتمويه كوسيلتين أساسيتين للتغلب على تفوق إسرائيل بقوة النيران وكثافتها. وعلى أغلب احتمال أن الجانب الفلسطيني سيكون قادرا عى الحركة تحت الأرض بطرق ملتوية أو لولبية استطاع إقامتها خلال السنة السالفة. تشكل مثل هذه الحركة مصيدة للدبابات الإسرائيلية وستمنع الجنود الإسرائيليين من الخروج من دباباتهم، وستشكل إفشالا لأغلب عمليات القصف الجوي.
استطاع الجانب الفلسطيني تهريب أسلحة على مستوى تقني عالي خلال السنة السالفة، وهي قادرة على إلحاق خسائر في الإسرائيليين وتعطيل تقدم الجيش. لا أعلم ما هذه الأسلحة، لكنها هي التي دعت أمريكا لى إقامة الجدار الفولاذي في سيناء لمنع التهريب. هذا وقد زادت أعداد الصواريخ المضادة للدبابات التي تمتلكها المقاومة، ويمكن استخدامها خارج المربع الحصين الأخير في وسط غزة. أعداد هذه الصواريخ كانت قليلة في الحرب السابقة، واحتفظت المقاومة بمفاجآتها حتى اللقاء الأخير الذي تراجعت عنه إسرائيل، أما الآن فالأعداد يمكن أن تسمح ببحبوحة الاستخدام.
غزة الآن أكثر قوة من الناحية العسكرية والأمنية من السابق، ووارد جدا أن لديها أسلحة غير معروفة لدى دوائر الاستخبات الإسرائيلية، وهذا ما سيضع الإسرائيليين أمام تحد عسكري هام، ويضع العرب أمام مفصل تاريخي صعب. هذا فضلا عن أن المقاومة الآن شديدة الحرص من الناحية الأمنية، وتعلمت أن تعمل تحت الأرض بدون تصريحات وبطولات كلامية.
تتميز المقاومة الفلسطينية بعقيدة قتالية صلبة لا تتوفر لدى الجندي الإسرائيلي. سيصمد أفراد المقاومة الفلسطينية ببسالة وشجاعة ولن يخشوا الاستشهاد. لا أظن أن مقاتلا فلسطينيا سيصاب في ظهره، وستجد إسرائيل أمامها رجالا لا تلين لهم قناة، ولا تسول لهم أرجلهم بالفرار. وإذا كان الجندي على الأرض هو الذي يحسم المعركة، فإن المعركة محسومة منذ الآن، وهي لصالح المقاومة الفلسطينية. جندي إسرائيل لا يستطيع الخروج من الدبابة، لكن المقاتل الفلسطيني على استعداد أن يعيش تحت الأرض لأيام على الماء وبضع تمرات دون أن تُخدش معنوياته. غزة تفيض إيمانا، وإيمانها هو الذي سيكلل تكتيكاتها العسكرية بالنجاح.
من ناحية الصواريخ التي يمكن إطلاقها على المستوطنات الصهيونية، فهي لا تشكل عاملا استراتيجيا على الرغم من أن استخدامها سيضيف إلى أعباء إسرائيل السياسية والأمنية.
غزة ستصمد إن شاء الله حتى لو استطاعت إسرائيل المس بقياداتها العسكرية والسياسية. هناك قيادات بديلة، ومراكز قيادة بديلة، ومراكز إعلام بديلة، وستتمكن غزة من البقاء نابضة حتى لو نجحت إسرائيل في أغلب ضرباتها.
ماذا لو احتلت إسرائيل غزة؟ من المحتمل أن يدخل الجيش الإسرائيلي مدينة غزة والمدن الفلسطينية الأخرى، لكن هذا لن يكون احتلالا إلا إذا استقر. جيش إسرائيل لن يتمكن من الاستقرار لأن المقاومة ستستمر، وغزة مستعدة لهذا الاستمرار، بل من الممكن أن يستدرج المقاومون جيش الاحتلال إن أراد التقدم لتكون الضربات ضده أكثر إيلاما.
**نتائج الحرب
من المتوقع أن تطول الحرب إن قررت إسرائيل شنها على القطاع، ومع كل يوم إضافي تزداد احتمالات فشل إسرائيل.
سيلحق بغزة دمار كبير، وسيلحق بالسكان أذى هائل، لكن هذا هو قدر الشعب الفلسطيني: أمامه أن يصمد ويصبر أو يستسلم.
تعرف المقاومة أن القضية لفلسطينية معلقة بصمودها، وفي مقتلها مقتل للقضية. على الأرجح، إسرائيل لن تنجح في تغيير الأوضاع السياسية في غزة، وأرجح أن أملها الذي هو أمل حلفائها من العرب والفلسطينيين سيخيب.
www.deyaralnagab.com
|