logo
اريتريا: بوابة إيران إلى اليمن والحوثيين؟!

بقلم : نقولا ناصر* ... 11.01.2010

(**اريتريا تبحث مرة عن حليف إسرائيلي وأخرى عن حليف إيراني بينما ما زالت تبحث عن هوية لها إلا هويتها الحقيقية العربية الإسلامية)
تحرص حكومتا اليمن واريتريا منذ قاد التحكيم الدولي إلى انسحاب القوات الاريترية عام 1998 من جزيرة حنيش الكبرى اليمنية التي احتلتها عام 1995 على تأكيد عدم وجود ما يعكر صفو العلاقات الطبيعية بينهما، غير أن ما رددته التقارير الإعلامية مؤخرا عن العلاقات الاريترية – الإيرانية المتنامية، وعن سفينة محملة بالأسلحة الإيرانية إلى المتمردين الحوثيين في شمال اليمن عبر اريتريا، وعن معالجة قادة حوثيين ممن يصابون في المعارك في اريتريا كما راجت أخبار لم تتأكد بعد عن عبد الملك الحوثي، وما رددته المعارضة الاريترية المدعومة من اثيوبيا وأميركا عن وجود تسهيلات عسكرية اريترية لإيران، وما رددته وسائل إعلام إسرائيلية عن وجود قاعدة عسكرية إيرانية بحرية بالقرب من ميناء عصب الاريتري، هي تقارير توحي بوجود توتر في العلاقات اليمنية – الاريترية، وبأن اريتريا قد تحولت، أو يمكن أن تتحول، إلى بوابة لإيران إلى اليمن والحوثيين، وهي تقارير تسلط الأضواء كذلك على اريتريا، موقعا ودورا إقليميا وهوية.
صحيح أن يمان غيرميسكل مدير مكتب الرئيس الاريتري قد صرح بأنه "لا إسرائيل ولا إيران لديهما قواعد عسكرية في اريتريا، فالسياسة الاريترية تقوم منذ زمن طويل على عدم منح أي قاعدة لأي قوة إقليمية"، مضيفا أن إيران لا يمكنها نشر قوات في عصب لأنه ليس لديها قاعدة هناك". وفي يوم الاثنين الماضي أكد وزير الخارجية الاريتري عثمان صالح حرص بلاده على أمن اليمن واستقراره أثناء استقباله للسفير اليمني في أسمرا. وكانت الخارجية اليمنية في صنعاء قد نفت أن يكون استدعاءها للسفير الاريتري في الحادي عشر من تشرين الثاني / نوفمبر الماضي بسبب تورط بلاده في دعم المتمردين الحوثيين.
لكن ليس سرا أن إيران تسعى إلى الحصول على مواطئ أقدام لها في البحر الأحمر والقرن الإفريقي من أجل تأمين حركة الملاحة والتجارة الإيرانية من جهة ومواجهة الانتشار المكثف للحشود العسكرية الأميركية والغربية البرية والبحرية في المنطقة التي تهدد قياداتها السياسية بحرب ضد إيران. وليس سرا كذلك أن اريتريا في عزلتها السياسية تبحث عن حلفاء إقليميين وأن إيران مؤهلة لمثل هذا التحالف بعد أن فشلت أسمرا في استثمار علاقاتها المستمرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل فك التحالف الاستراتيجي بين عدوها الاثيوبي وبين حليفه الأميركي.
إن هذا التخبط الاريتري بحثا عن حلفاء إقليميين إما في إيران أو في إسرائيل بينما الحلفاء العرب الطبيعيين متوفرين في الجوار المباشر من الجهات الأربع سوف يبدو للمؤرخين في المستقبل قصر نظر سياسي استراتيجي.
ومهما كانت المسوغات الاريترية قوية لاستبدال الحليف الإسرائيلي بآخر إيراني، فإن التجربة الاريترية مع إيران لا تشير إلى أن نتائجها ستكون أفضل من التجربة الاريترية مع إسرائيل.
فالاستقواء بأعداء تاريخيين للعرب من أجل تثبيت الاستقلال الاريتري في قلب محيط عربي تملي عوامل الجغرافيا السياسية أن تكون اريتريا جزءا لا يتجزأ منه هو استراتيجية مناقضة لأي استقلال اريتري في المدى الطويل لأن أي استقلال لها قائم على استعداء محيطها العربي سوف يظل في أحسن الأحوال أسير موازين القوى الدولية والإقليمية المختلة لغير صالح العرب حاليا غير أن حركة التاريخ الإنساني تؤكد بأن هذه الموازين ليست قدرا دائما أو طويل العمر.
من المؤكد أنه ليس في مصلحة اليمن أن يفتح جبهة سياسية أو غير سياسية مع اريتريا أو غير اريتريا نظرا لأوضاعه الداخلية المأزومة، وليس في مصلحة اريتريا كذلك أن تستعدي اليمن كعدو إضافي لها وهي تجد نفسها اليوم في حالة شبه حرب مع جوارها المباشر، وإقليمها الإفريقي، ومحيطها العربي، بينما نجح عدوها التقليدي الإثيوبي وحليفه التقليدي الأميركي في الثالث والعشرين من شهر كانون الأول / ديسمبر الماضي في استصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1907 بفرض عقوبات عليها وتصويرها دوليا بأنها دولة مشاغبة مثيرة لعدم الاستقرار الإقليمي وداعمة للإرهاب الدولي مما حدا بالولايات المتحدة إلى وضع اسمها بين أربعة عشر بلدا إفريقيا يخضع مواطنوها للتفتيش الدقيق في المنافذ الحدودية الأميركية.
لكن هذا الوضع الفريد الذي تكاد اريتريا تجد نفسها فيه معزولة هو على وجه التحديد الذي يجعلها تبحث مرة عن حليف إسرائيلي ومرة أخرى عن حليف إيراني يبقي دولتها عائمة بينما ما زالت تبحث عن هوية لها إلا هويتها الحقيقية العربية الإسلامية التي ما زالت ترفض حتى الآن الاعتراف بأنها هي الهوية الوحيدة التي تجعلها جزءا لا يتجزأ من الجغرافيا السياسية الطبيعية لمحيطها العربي الإسلامي، حيث يكمن خلاصها الوحيد وأمنها واستقرارها وتنميتها.
غير أن هذه الدولة التي استقلت بعد نضال وطني مرير عن اثيوبيا عام 1993، في المقام الأول بفضل الدعم العربي الشعبي والرسمي لحركة التحرر الوطني الاريترية بفصائلها كافة، ما زالت ترفض الهوية العربية وتكتفي فقط بوضع عضو "مراقب" في جامعة الدول العربية.
إن جنوح اريتريا نحو دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال عقد التسعينات من القرن العشرين الماضي، وتنامي التبادل الأمني والثقافي والاقتصادي بين الجانبين بخاصة بعد اتفاق وقعه في تل أبيب الرئيس الاريتري أسياس أفورقي خلال زيارة اجتمع خلالها في آذار / مارس 1993 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين الذي اغتيل بعد عامين، لم تشفع لاريتريا في واشنطن كي تفك تحالفها مع اثيوبيا أو في الأقل لكي تتخذ موقفا محايدا في النزاع المتواصل بين البلدين.
فالتحالف الأميركي – الاثيوبي – الإسرائيلي الذي تعزز في عهد الامبراطور هيلاسيلاسي صمد أثناء حكم منغستو هيلي ميريام الماركسي المتحالف مع الاتحاد السوفياتي السابق خلال الحرب الباردة، ثم تجدد بعد سقوط نظام منغستو التي كانت حركة الاستقلال الاريتري من العوامل الرئيسية في سقوطه، وبالرغم من ذلك ومن اعتراف واشنطن باستقلال اريتريا عام 1993 فإن التحالف الأميركي – الاثيوبي عاد إلى ذروته الآن كما أثبت الغزو الاثيوبي للصومال وكما يثبت الانحياز الأميركي السافر لاثيوبيا في نزاعها الراهن مع اريتريا، مما بدد أية آمال كانت أسمرا تعقدها على واشنطن وقاد بالتالي إلى البحث عن حليف إقليمي في إيران لمواجهة الولايات المتحدة، دون أن تقطع اريتريا علاقاتها مع إسرائيل.
ورفض اريتريا للهوية العربية الاسلامية لم يمنحها هوية إفريقية، وكما تؤكد تجربة دول المغرب العربي فإن جواز السفر الاريتري إلى الهوية الإفريقية هو جواز سفر عربي كون اريتريا بحكم الجغرافيا السياسية هي جزء عضوي من الوطن العربي الكبير. وقد سلط قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1907 بالمفارقات التي صاحبت إصداره الضوء على مأزق الهوية الاريتري. ف"ملك ملوك إفريقيا" – كما وصف الرئيس الليبي معمر القذافي نفسه في قمة الدوحة العربية عام 2009 – هو زعيم الدولة العربية التي عارضت القرار في مجلس الأمن، بالرغم من دورها القيادي في القارة السوداء التي دعم "اتحادها الإفريقي" القرار الذي تبنته أميركا وبريطانيا وأوغندا واعتمد على قرار سابق للاتحاد الإفريقي يحذر اريتريا بضرورة الالتزام بالقانون والنظام الدوليين.

* كاتب عربي من فلسطين

www.deyaralnagab.com