logo
لا بُد من الأمل !!

بقلم : رشاد أبو شاور ... 06.01.2010

لم أسهر ليلة رأس السنة الجديدة، لا في أمكنة صاخبة بالفرح، ولا مع (شلّة) أصدقاء في بيوتهم سهرةً مُحافظة تفتعل فرحا لم نعتد عليه.
تهرّبت من قبول دعوات لسهرات بيتيّة مع أصدقاء قدامى رافقتهم منذ عشرينات العُمر حتى الشعر الأبيض، وأوجاع البدن والروح، والخسارات التي لا تحصى، إن بدأنا في استذكارها لن نتوقف من الحسرة على ما مضى من عُمر ربحنا فيه كرامتنا، ولم نفز بالفرح.
ولأنه من الضعف والعيب البكاء والندم والتفجع على ما فات، فقد ودّعت عام 2009 بصمت جنائزي، لأنه عام أضيف إلى أعوام كثيرة بلا بهجة.
منذ بداية العمر، في السنوات التي يبرر فيها الإنسان لنفسه، ويلتمس له محبوه، أن يخطئ أخطاء طائشة غير ضارة، تجنّبت السهر في الأمكنة العامة، ولست آسفا، ولا بي حسرة على هذا الجفاف الذي اخترته ...
حضرت إلى الشام لأنني أُحب أن أزور الشام، ولأنني بصدد التحضير لصدور كتاب جديد عن دار نشر محترمة وإن كانت غير مشهورة، وسيضم الكتاب مختارات من (هواء طلق) التي بدأت مشاركتي بها في العقد الأخير من القرن الماضي، وها أنا أواصل بلا كلل ولا ملل وقد أوشك العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين على الرحيل.
في اليوم الأوّل من العام 2010، أواصل الكتابة (محكوما بالأمل)، وباختياري، وعن قناعة لا تتزعزع.
ولكن هذا الأمل لا يمنع أن أنظر إلى (الوراء بغضب) ـ بحسب عنوان مسرحية الكاتب البريطاني جون أوسبورن ـ فالعام العربي (الفارط) ـ بحسب المصطلح التونسي ـ ليس فقط لم يكن سارا، ولكنه كان بشعا.
هل أجريتم جردة حساب معه؟!
الانقسام الفلسطيني على حاله، بل ازداد تفاهةً وقلّة حياء..وبدلاً من الحديث عن الوحدة الوطنيّة، وتحديد المهمات الوطنيّة، تواصل عزف أسطوانة المصالحة..مصالحة على ماذا، وبين من ومن؟!
وفي العام المنصرم اشتدّ الحصار على قطاع غزّة، واختتم العام بنجدة أخويّة من نظام الحكم في مصر، هي مأثرة لا سابق لها..وهي ستترسّخ مع مطلع العام 2010: جدار الأعماق الفولاذي الإلكتروني!
وفي العام الذي رحل إلى غير رجعة، تفجّرت حرب اليمن الداخليّة وامتدت إلى السعودية، وها نحن في الأيّام الأولى من عام 2010 نسمع رئيس وزراء بريطانيا يتحدّث عن مؤتمر سيعقد لدراسة وضع اليمن!
فإن انتقلنا إلى الصومال..فإنه دوّيخة، فنحن ما عدنا قادرين على التمييز بين الحزب الإسلامي، وشباب المجاهدين، ولسنا نعرف أسباب الانشقاقات المتوالية هناك.
أمّا إذا اتجه نظرنا إلى السودان، فإننا سنرى بلدا تحيط به المؤامرات، كنوز أرضه تغوي به ذئاب (الغرب)، و..جهالة بعض أبنائه المتصارعين على الحُكم تُسهّل تمرير ما يدبّر له!
أمّا العراق..وآه يا عراق: جثث في الصباح وفي المساء وفي الظهيرة. دماء وأشلاء ونواح..و..زحام على المناصب، واتهامات، وصراع على انتخابات في ظل الاحتلال، و..في العراق جوع وخوف وظمأ وفساد لا مثيل له في العالم بفضل ديمقراطيّة بوش.
العراق رأيته قبل أيّام على (الجزيرة) أرضا ظمأى، متشققة لأنه محروم من ماء الفرات. رأيته نخيلاً ذابل العراجين، ولم أسمع سوى نهنهات أمهات ثكلن كثيرا، يتكومن تحت نخيل عراقي ذابل السعف، ما عاد أحد يغني له: فوق النخل فوق...
بلاد العرب باتت بلاد النواح، والتمزّق، والضياع، والتيه والفساد والطغاة الذين يتناسلون في أبناء سيضاعفون الفساد والطغيان وتمزيق البلاد، وسد أبواب المستقبل في وجه الأجيال الآتية، إذا لم...
لا، ليست هذه أقدار أُمتنا، ولكنه البلاء بمن جففوا أثداءها وكسروا ظهرها، وسرقوا ضوء عينيها، وها هم يفتكون بها رغم أنها باتت حطاما.
يهيّأ لي أن النواح الذي أيقظني من إغفاءة في ليلة العام الجديد، هو نواحها المستغيث، فماذا أملك لها غير الكلمات والكلمات والكلمات؟!
فيا من تسمعون الكلمات والنواح أصيخوا السمع، وارفعوا أصواتكم، وتحرّكوا، لعلّ النوم العربي الثقيل المستسلم يتزعزع، فيهب الراقدون صارخين: كفى، لم نعد نطيق هذه الحياة...
عام 2009 انصرف، فبأي كلمات أودعه؟! ليس له عندي كلمة ودّ واحدة، فلينصرف إلى غير رجعة...
ولكن ماذا عن العام 2010؟!
أخشى أن يكون أكثر بؤسا، وخيبات، ومصائب تفوق ما جرّه علينا سلفه!
من كل قلبي ابتهل إلى الله أن لا يرزأنا به، بحيث نتذكّر سلفه بالخير على كل بلاويه.
على شاشة التلفزيون رأيت أفراح العالم ، من أندونيسيا، مرورا بالهند والصين، وصولاً إلى بلدان أمريكا اللاتينيّة: أضواء ملونة ليست كأضواء الفسفور الأبيض الذي أحرق أجساد أطفال غزّة...
رقص وغناء وضحكات ليس فيها نصيب لملايين العرب التعساء، الجوعى، المحرومين...
شباب يرقصون يتعانقون يضجون بالفرح..لا تشبههم سحن وجوه شاباتنا وشبابنا ...
هناك من سرقوا أفراحنا، وهم ليسوا بعيدين عن مرمى عيوننا، نحن نعرفهم، وهم وحدهم من يرقصون في بلاد العرب على آلام وأحزان وغربة ملايين العرب...
هُم يملكون كل شيء في بلاد العرب، ونحن لا نملك إلاّ الغضب و..الأمل...
وددت أن تكون (هواء طلق) في هذه الأيام الأولى من العام (الجديد) الذي لم نختبر جدّته بعد، خضراء، رائحتها ياسمين دمشقي، ولكنني من الذين اعتادوا أن لا يرشّوا السكّر على (الموت) العربي...
مضى شبح 2009 متلفعا بالظلام، مخلفا سيرة سيئة، فبماذا نتذكره ونذكره؟!
العام 2010 يحدّق في عيوننا، ويسألنا: أنتم، ماذا تريدون منّي؟ هل ستحملونني أوزار العام الذي أفل، أم تُراكم ستخففون حملي، وتجعلونني نشيطا كراقص شاب، مُفرحا كصوت فيروز...عطرا بانتصارات أنتم تجترحونها وتصنعونها بأيديكم؟!
ترى: هل سنمسك بأيّام ودقائق وساعات 2010 ونكون فرسانا نتصدّى لكّل التحديات، أم سنواصل كما في العام 2009 والذي قبله؟!
لست يائسا، فأنا من دعاة الأمل، و..الأمل لا يتحقق إلاّ بالعمل الذي يُنهي زمن البطالة العربيّة التي توشك أن تخرجنا من التاريخ والجغرافيا ...


www.deyaralnagab.com