logo
دولة في بطن الكنغر! !

بقلم : رشاد أبوشاور ... 27.01.2010

المقترحات التي يقدمها نتينياهو لحّل الدولتين (جديّة) وليست هزلية، فهو يكررها دون أن يظهر على قسمات وجهه أنه يقدّم وصلة مسخرة على العالم، والدليل على (جديّة) المقترحات أن من حوله من الوزراء يقطبون وجوههم، وتكتسي ملامحهم بسمات الحزن سلفا على ما سيفقدونه بالتنازلات المؤلمة للفلسطينيين، من أجل السلام!
وما يجعل مقترحات نتينياهو (جديّة) لا هزلية، أنه يطرحها وميتشل المبعوث الأمريكي في (المنطقة)، يعني كرمى لخاطر أمريكا ( الوسيط النزيه)!
مقترحات نتينياهو بعد إعلان الرئيس أوباما عن يأسه وإدارته من معرفة أبعاد الصراع وتعقيداته، وهو ما يعني الإستقالة من الرهان على إنجاز ما وعد به، تنسجم فعلاً مع واقع الحال، فأوباما يغرق في ورطة افغانستان التي ورثها عن إدارة سلفه بوش الإبن، والإقتصاد الأمريكي لا يتعافى رغم كل الحقن والضخ بالمليارات، والعراق غير مستقر، وجماعة أمريكا هناك ما زالوا مشغولين بالإجتثاث، وهذا ما يمكّن نتينياهو من الاستمرار في مخططات الاستيطان، بينما إدارة أوباما عاجزة حتى عن إبداء مجرّد العتب على الحليف الاستراتيجي؟!
أعترف، ولا فخر، بأنني صاحب مصطلح (الدولة الكنغريّة)، وفي وقت مبكّر.
يمكن القول أنني أطلقت المصطلح ونحن في تونس، بعد أن سمعت من أحد المتحمسين الأوغاد ـ مصطلح أستعيره من الراحل الساخر محمد طمليه صاحب المجموعة القصصيّة الطريفة: المتحمسون الأوغاد- وصلة ترويج للدولة القادمة التي ستبّز النمور الآسيويّة، والذي والحق يقال كان مؤمنا بما يقول وكأنه يرى الدولة في مرمى نظره.
إنصافا له، فإنني أبرّئه من الفساد، فهو في دار الحّق بعد أن طّق ومات قهرا من (نعم) أوسلو، والذّل على الحواجز، فالرجل عنده كرامة، وقد اكتشف أنه (انغشّ) في الوعود الورديّة، وبناء القصور في الهواء.
سألته يرحمه الله عن المعابر، والحدود، والعاصمة (القدس)، وعودة اللاجئين، و..فكان يجيب وابتسامة واثقة ترتسم على محيّاه: بدّك تطوّل بالك، كلّه جاي ..شوية صبر، بدّك إيانا نظّل في الغربة وبهدلة الحدود والمطارات العربيّة؟!
التقيته في عمّان بعد سنتين، في مستشفى في العاصمة عمّان، وكان يتعالج من مرض بدا لي أنه مزيج من الكآبة والحزن والقهر وخيبة الأمل، أكثر منه مرضا بدنيّا. سألني بصوت واهن:
ـ كيف شايف الأمور؟!
لم اشأ أن اثقل عليه، ولكنه ألّح، فحاولت أن أتجنّب التنظير، فقلت له:
ـ يبدو لي أنكم وضعتم أنفسكم، ومعكم القضيّة، في جيب
بطن الكنغر..أتذكر ما كنت حذّرت منه ونحن في تونس؟!
سألني:
ـ هل غلط أننا عدنا ؟!
أجبته:
ـ ليس الغلط أن يعود أي فلسطيني إلى وطنه، ولكن الغلط أن يغرق في الوهم، فإن عاد وفي ذهنه أنه لا سلام مع الاحتلال، وأنه سينخرط في حركة شعبه ضد الاحتلال، وأن الدولة لن تتحقق بالمفاوضات مع عدو لا يؤمن سوى بالقوّة، فالعودة تكون واعية، وعودة (أوسلو) ليست كذلك، لأنها (عودة) بتنازلات عن الحقوق، وتخل مسبق عن مقاومة الاحتلال..وهذا ما نراه بعد مرور سنتين ونصف.
تخلّى الرجل عن كل مناصبه، وأبهتها، واعتكف في البيت إلى أن توفاه الله، وفاز بشيء واحد : لقد دفن في ثرى فلسطين.
سمعت من يعلّق على رحيله، يرحمه الله : يكفيه انه دفن في تراب الوطن! ..فكنت، وما زلت أرّد على هذا التعليق الذي أراه مهينا للوطن ولمن يدفنون في أرضه: هل نقايض دفننا في الوطن بالوطن نفسه، فمقابل دفننا ندفن حقنا في وطننا، ومقابل موتنا الغريب والحزين ندفن حريّة وطننا؟!
وحتى لا يكون مصطلح الدولة الكنغريّة مُلتبسا، فإنني أذكّر بأن الكنغر حيوان يشتهر بأن موطنه ـ حتى الحيوان له وطن ومسقط رأس ـ أوستراليا التي تتخذه شعارا لها وعلامة وطنيّة تدّل على هويتها كدولة.
الكنغر حيوان يقفز قفزا، ينّط نطّا، وهو مفلطح الشكل، فهو من تحت مدوّر، ورجلاه لا تقويان على حمله وتمكينه من المشي كباقي حيوانات الله، ولذا فإنه يرخي ذيله خلفه، وينصب رأسه، ويدفع بطنه أمامه، وهات يا نّط، وهو سريع، فلا يستهينن أحد به.
للكنغر جراب، أو جيب، في بطنه، يضع فيه صغاره وينّط بهم، وهكذا يظل يرعاهم وهم لصق بطنه إلى أن يكبروا فيطلقهم في الحقول والغابات ليستانفوا نّط أسلافهم، حاملين لصق بطونهم ذريّة نطاطه ينجبونها جيلاً بعد جيل.
الدولة الصهيونيّة فيها من الكنغر صفة النّط، فهي نطّت بالمظلّة الإنكليزيّة لتهبط على أرض فلسطين. ثمّ نططتها بريطانيا، ومن بعدها أمريكا، وفرنسا، والتعويضات الألمانيّة..بعد أن زوّدت بمخالب فولاذيّة، وأنياب فولاذيّة حادة لزوم النهش، وبأجنحة تمكنها من القفز أعلى وأبعد، على كل فلسطين، وعلى أراض عربيّة ما زالت منطوطا عليها.
الدولة الكنغريّة ترسم حدودها بمقترحات نتينياهو، فهي ستبقى على ضفة نهر الأردن الغربيّة، يعني تبسط هيمنتها ومخالبها على الأغوار الفلسطينيّة حتى لا تكون (لدولة) فلسطين حدود مع الأردن، يعني مع العرب...
وأين ستكون الدولة الفلسطينيّة ؟!
ستكون في بطن الكنغر. سيضعنا في الجراب، لصق بطنه الكبير، وكرشه الدائم التوسّع والإنتفاخ، والذي لا تشبع شهيته ولا تقنع، فالكنغر الصهيوني نهم وقفيّز ومراوغ وشرس، وهو سيضع (دولة الفلسطينيين) في جيب بطنه، و..سيعصر هذه الدولة، ويتمثلها على طريقة الأفعى مع صيد تبتلعه وتبدأ في عملية الهضم إلى أن تذيب الصيد التعس بجلده ولحمه وعظامه في معدتها وأمعائها!
الحدود الكنغريّة تشمل الضفّة والقطاع، فمن رفح يبدأ الجيب الفولاذي الخانق، وهو صناعة أمريكيّة، صهيونيّة، بمشاركة (سيادة) سلطات كامب ديفد!
بالحّل النتينياهوي سنكون في جيب بطن الدولة الصهيونيّة الكنغريّة، وهي تتلمّظ على (عصر) الفلسطينيين بالاستفراد بهم، باستهمالها لمفاوضيهم، وبرفع إدارة أوباما يدها مستسلمة أمام صلف نتينياهو.. وهل كانت يد أمريكا في كل الإدارات إلاّ اليد التي تعطي للكيان الصهيوني، وتهوي ثقيلةً على رأس الفلسطينيين بخاصة، والعرب الشرفاء بعّامة؟!
دعنا من المفاوضين، والمتزاحمين على السلطة والإعتراف بهم، ومن ينتظرون ولا يتحركون، من يرفضون المقاومة، ومن لا يقاومون..ولنراهن على شعبنا، فهو دائما (أبو المعجزات) والمفاجآت...
بطن الكنغر الصهيوني رخو رغم شراسة مخالبه وأنيابه، وشعبنا خير من يعرف هذه الحقيقة، فقد خبر هذا الكنغر في معارك كثيرة، وبخّاصة في الانتفاضتين.
هذا البطن ـ أو هذه، حتى لا يزعل اللغويون ـ هي مقتله، وشعبنا في الداخل، من رفح إلى جنين، ومن عمق وطننا إلى آخر المهجرّين المرحلين إلى (البرازيل)، سيكون لهم دور في بقر بطن الوحش، وتقويضه، وجعل ساقيه ترتعشان من هول الألم ...
هذا هو رّد شعبنا المُنتظر على مخطط نتينياهو وباراك وبقية القتلة وجنرالات الفوسفور، والذين لا يمكن إقناعهم إلاّ بتدفيعهم الثمن، وجعل كلفة احتلالهم وتمددهم وتوسع كرش كنغرهم الصهيوني باهظة التكلفة والخسارة ...
كل شيء جاهز، فقط ..شعبنا ينتظر من سيُشعل الفتيل، من يُضرم شعلة الانطلاق، حتى تبدأ عملية تقليم مخالب الكنغر وتهشيم أنيابه، ومطاردته إلى أن ينقرض تماما...


www.deyaralnagab.com