logo
التمييز ضد المرأة المتعلمة العاملة!!

بقلم : د. سعاد سالم السبع ... 12.11.2009

كلنا يعرف أن متغيرات العصر الحديث قد فرضت على المرأة الخروج للعمل، وفرضت على الرجل تقبل وجود المرأة في عدد من المؤسسات المجتمعية بوصفها شريكة في العمل وزميلة للرجل في الوظيفة، والانتاج، لا تقل عنه كفاءة حتى وإن أبدى بعض الرجال امتعاضه، فهذا هو الواقع.
ومن الجميل في بلادنا أن القوانين تساوي بين المرأة والرجل في الأجور والمؤهلات العلمية، وفي الحقوق والواجبات الوظيفية ، ولكن ثقافة التمييز بين المرأة والرجل على أساس الجنس، لا تزال تقف عائقا كبيرا أمام هذه المساواة .
والمؤلم حقا أن تجد المرأة اليمنية العاملة نفسها في مستوى زميلها من حيث الأداء، وقد تكون أفضل منه، لكن معاملة الزملاء لها في العمل تختلف عن معاملتهم لبعضهم حتى وإن كان كثيرا منهم لا يدرك ما يحدث، فعند تحديد المهام في عمل ما يتم توزيع الأدوار بين الذكور، ثم أخيرا يتذكرون المرأة زميلتهم إن كان فيهم من يتذكرها، ويكون هذا التذكر فقط تجنبا للوم، وكأنه مكتوب على المرأة ألا تنال أي حق من حقوقها إلا بعد أن يكون هذا الحق مغموسا بأحزانها.
يحدث مثل هذا التمييز في مؤسسات يفترض أن تكون رائدة في العدل والإنصاف، وهي الجامعات، ولا أقول هذا على سبيل التخيل؛ فقبل أيام حدث لي موقف مع أحد الزملاء من أصحاب القرار جعلني أحس بالمرارة، لأنني اكتشفت أن التعليم العالي لم يغير من نظرة الرجل اليمني الدونية إلى المرأة، حتى وإن تظاهر بأنه يؤمن بقدرات المرأة وتميزها ، فإنه يفعل ذلك حتى يبدو متحضرا ، لكن ما يحدث دائما أنه حين يتخذ الرجل القرارات المهمة تغيب المرأة (زميلته) عن باله تماما بالرغم من تواجدها الفاعل في موضوع القرار، ويقدم عليها زميلها حتى وإن كان أقل منها أداء والتزاما، وربما يفعل الرجل (صاحب القرار) ذلك لأنه يؤمن في قرارة نفسه أن وجود رجل مثله يشاركه اتخاذ القرار، أفضل من وجود امرأة تفعل ذلك، لأن الرجل مازال هو مصدر القوة والهيبة الاجتماعية في المجتمع اليمني وقادر على الهنجمة إذا استدعى الأمر من وجهة نظره.
لقد صرت على قناعة تامة بأن المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار بين الرجل والمرأة في المؤسسات المختلفة في اليمن، إن حدثت فهي حالات استثنائية يتقبلها رجال نادرون، يتمتعون بخصائص عقلية ووجدانية متوازنة خالية من عقد الثقافة الاجتماعية المؤيدة للتمييز ضد المرأة.
لا يزال سلوك التمييز ضد المرأة ثقافة ثابتة في الذهن يمارسها كثير من الرجال بلا وعي ، حتى وإن كانوا يحملون الشهادات العليا، فالتعليم العالي لم يغير مفاهيمهم الدونية عن المرأة، وبالتالي لن يتغير سلوكهم نحوها، والمؤلم حقا أن يحدث ذلك من رجال متعلمين يفترض أن يكونوا في مقدمة قادة التنوير، لكنني- للأسف- وجدت بعض الرجال الأميين أكثر إنصافا للمرأة المتعلمة العاملة من بعض أصحاب المؤهلات العليا.
التمييز من قبل الزملاء ضد زميلاتهم في العمل له صور عديدة تبدأ من إخفاء المعلومة عنها، وتنتهي بإقصائها عن صناعة القرار، وإن حدثت بعض الاستثناءات لتمكين المرأة بفعل ضغط سياسي، فإن المرأة عليها أن تتفرغ وقتا طويلا ليس لتطوير الأداء الذي كلفت به ، بل لإقناع زملائها بأنها قادرة على اتخاذ قرارات التطوير، ثم فترة أخرى لإقناعهم بتنفيذ قراراتها، ثم فترة ثالثة لإقناعهم بقدرتها على تقويم أدائهم في ضوء ما كلفوا به من مهام. ولو أن مثل هؤلاء الزملاء وقفوا وقفة جادة لدراسة ما يترتب على تصرفاتهم من ظلم للمرأة (زميلتهم) ، وما يحدثه هذا الظلم من شروخ عميقة في جسر علاقات العمل التعاونية، لما أقدموا على تصرفات تترجم مفاهيمهم الخاطئة عن المرأة...
ومهما كانت المبررات التي يسوقها الزملاء لإنكار أو لتبرير تهميش زميلاتهم؛ فإن اجتماع المرأة والرجل في مؤسسة ما ينبغي ألا يفهم على أساس الذكورة والأنوثة،بل على أسس إنسانية، وينبغي أن ينظر الزميل إلى زميلته بأنها شريكته في الانتاج وليست تابعة له، وأنها تساويه في القدرات وليست أقل منه، وأن يقدرها لمجهوداتها في الإنتاج وليس لأنها أنثى، وحينما يسود العدل في أي مؤسسة، ويتعامل الزملاء والزميلات وفق معيار الأداء والالتزام، فإن هذه المؤسسة ستكون الرائدة في الانتاج، وستكون المؤسسة قدوة في الالتزام بأخلاق المهنة، وهذا ما نرجو أن يحدث في كل المؤسسات الانتاجية والخدمية، وبخاصة المؤسسات التي يديرها من يمثلون صفوة المجتمع، وأهمها مؤسسات التعليم العالي، ربما حين يحدث ذلك نعيد الثقة بقدرة التعليم العالي على تغيير المفاهيم الخاطئة لدى منتسبيه..

كلية التربية - جامعة صنعاء

www.deyaralnagab.com