الاستنزاف" يعيد أولوية المصالحة الفلسطينية!!
بقلم : د.خالد الحروب ... 10.02.2010
بعد خيبة الأمل الكبيرة في إدارة أوباما وتلاشي الآمال في تبنيها سياسة جديدة إزاء القضية الفلسطينية والتعنت الإسرائيلي نعود إلى المربع الأول: أولوية الداخل الفلسطيني. وبعد تجربة الانقسام المرير والفئوية الطاحنة التي صدعت الجبهة الفلسطينية وأضاعت أربع سنوات غالية من النضال الفلسطيني يقف الجميع, وفي مقدمتهم فتح وحماس, أمام الأولوية التي أريد الالتفاف حولها وهي مرة أخرى ترتيب البيت الداخلي. ما كان يجب أن يُستنزف الجهد الفلسطيني طيلة تلك السنوات وبمحصلة نهائية تحت الصفر حتى يصل الجميع إلى النتيجة البديهية وهي أنه من دون حد أدنى من التوافق الوطني فإن الجهود المتضاربة تنهي بعضها بعضا.
الاستنزاف والتعب صار على ما يبدو القاسم الوحدودي الأهم عند قيادات الضفة الغربية وقطاع غزة, وهو الذي سيدفع ويجب أن يدفع هذه القيادات لإيلاء جهود المصالحة أولوية قصوى. منذ تاريخ الانقسام المشؤوم في يوليو 2007 وحتى الآن يمكن الزعم بأن المصالحة لم تكن أولوية الطرفين. السياسات الفتحاوية كانت تسير في اتجاه المحافظة على السيطرة على الضفة الغربية حتى لا يتكرر فيها ما تكرر في قطاع غزة, والسياسات الحمساوية كانت تسير في اتجاه بناء سيطرة مطبقة على القطاع لا يسمح بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل سيطرة حماس. مع قدوم أوباما إلى الحكم عم تفاؤل كبير في أوساط السلطة في رام الله بأن تغييرا جديا يحدث في واشنطن قد يقود إلى تغيير وقائع أساسية في الصراع مع إسرائيل, ينعكس على طبيعة العلاقات الداخلية, يقوي من خيار التسوية ويضعف حماس. التوتر الذي ساد والخشية من تكرار سيناريو غزة دفع بالضفة الغربية إلى أوحال الحل الأمني الذي أفرز حالة مُحبطة عمادها القمع الأمني الذي لا يتورع عن أية ممارسة بدعوى الحفاظ على الأمن.
في المقابل كانت حماس تغوص أكثر في شبكة علاقاتها الإقليمية الإيرانية- السورية للاحتماء من ما قد يكون عاصفة سياسية دولية وإقليمية جديدة قد تطيح بموقفها وبسيطرتها على القطاع. وترافق ذلك مع قمع أمني مواز نافست فيه حماس ما تقوم به فتح في الضفة. قبل أوباما كانت حرب غزة قد أعادت, وبوحشيتها المذهلة, ترتيب الأوراق, فأثخنت حماس بالجراح رغم أنها عززت من سيطرتها الإجمالية. لكن أهم نتيجة أفرزتها تلك الحرب هي دفع "منطق المقاومة" من ثابت لا يتغير إلى مربع "منطق السياسة" الذي ثابته الأساسي التغير والتبدل. أوقفت حماس وبقية الفصائل إطلاق الصواريخ انطلاقا من "تقدير المصلحة السياسية". وهذا تغيير إيجابي جوهره أن العقل السياسي هو الذي يجب أن يقود المقاومة وليس العكس. إذا تضخمت المقاومة أو العسكرة على حساب العقل حصيلة السنوات العجاف ثمن باهظ دفعته القضية الفلسطينية, وفسحة زمنية إضافية مُنحت لإسرائيل لتواصل توحشها الاستيطاني والاحتلالي والادعائي للعالم بأن الفلسطينين هم من يعيق السلام, وأن انقسامهم يعني استحالة التقدم. المهم الآن أن ثمة أملا بأن وعياً جديدا قد تطور على أساس المعطيات الاستنزافية البشعة على الأرض: تراجع أوباما, غياب أوروبا, استمرار التفكك العربي, بروز ملف إيران النووي كقضية أهم من القضية الفلسطينية. بعد الدورة الكاملة ربما يستيقظ العقل الفلسطيني السياسي على أولوية المصالحة, حيث الجهد الحقيقي يجب أن يُصب.
منطق الاستنزاف الذي ربما يدفع إلى المصالحة تبدى بوضوح في التصريحات الإيجابية التي رافقت زيارة نبيل شعث إلى قطاع غزة وهي خطوة بالغة الأهمية والحيوية ومبادرة كسرت الجمود وقطعت مسافة كبيرة إلى الأمام. وإذا صح أن هناك لجنة مشتركة تم تشكيلها عقب اجتماع شعث وهنية في غزة, وإذا صحت التصريحات المتعددة التي تشير إلى قرب استئناف جهود المصالحة في القاهرة أو غيرها فمن حقنا أن نتفاءل. ليس هناك أوهام هنا تقلل من العقبات التي لا تزال في الطريق, لكن يبدو أن هناك قناعة متزايدة بأنه لا بد من مواجهة هذه العقبات وعدم خداع النفس بمحاولة تفاديها.
على خلفية هذه الافتراضات من المطلوب من مصر أن تبادر إلى دعوة جديدة وأن تقوم بتحرك إضافي, وأن تتجاوز الموقف غير العملي الذي أعلنته بشأن "الورقة المصرية" ورفض أي تعديل عليها. فهذه الورقة الهدف منها تحقيق المصالحة وفق الحد الأدنى من التوافق, وليس الفرض الفوقي, وهي في نهاية المطاف ليست مُنزلة ومن حق فتح أو حماس وكل الفصائل مواصلة تحسينها للوصول إلى صيغة مقبولة تشكل أرضية انطلاق معقولة. معظم المتابعين لتفاصيل وحيثيات جهود المصالحة والبنود المتفق والمُختلف عليها يقولون بأن مسافات كبيرة قُطعت وأن إمكانيات الوصول إلى قواسم مشتركة تزايدت. وفي نفس الوقت على حماس أن لا تعتقد أن "الورقة المصرية" هي نهاية العالم وأن تنازلها عن هذا التحفظ أو ذاك معناه كارثة وطنية. الكارثة الحقيقية هي في استمرار الانقسام وفي ظله استمرار التوحش الإسرائيلي والاستيطان وتهويد القدس. كم هو الجهد العملي والواقعي والفكري والذهني والسياسي الذي تبذله حماس وفتح ضد الاستيطان وتهويد القدس إذا ما قارناه بالجهد المبذول للمحافظة على المصالح الفئوية والسيطرة الخاصة بهذا أو ذاك؟ ليس هناك معنى عملي كبير للتصلب في الألفاظ والرطانة في حين أن الواقع يتدهور بشكل مذهل. على الورق يستطيع أي كان أن يكتب نصوصا تهزم كل الأعداء ... وتُفرحهم في نفس الوقت لأنها لا تتعدى الورق. الأهم من النصوص والشعارات هو ما يحدث على الأرض. أي جهد يوقف بناء مستوطنة, أو تهويد بيت في حي سلوان أهم من مليون كلمة تؤكد هذا الشعار أو ذاك.
www.deyaralnagab.com
|