ثلاثون عاماً يا سجين!!
بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 17.04.2010
لم يصدق السجناء الفلسطينيون أن زميلهم السجين عمر القاسم يتجاوز العشرين عاماً خلف الأسوار سنة 1988، ولم يحسب السجناء أن الثورة الفلسطينية عاجزة عن تحرير أسراها، وأن الدولة العبرية قد صار عمرها أربعين عاماً، وهي جادة في تنفيذ أحكامها التعسفية بحق السجناء، فقد كان يوماً أسوداً في حياة السجناء ذلك اليوم الذي تجاوز فيه الشهيد عمر القاسم العشرين عاماً في سجون إسرائيل، وكانت الصدمة كبيرة عندما توفى الرجل قهراً، فكيف يكون لنا ثورة، وثوار، وقيادة سياسية وعسكرية، ويترك الأسرى عشرون عاماً في السجون؟ وهم يرددون مقولة: إن أمة تعجز عن تحرير أسراها ستعجز حتماً عن تحرير الأرض، فمن تخلَّ عن الإنسان تخلت عنه الأوطان، حتى صار سنة 2010، صار عدد الأسرى الفلسطينيين الذين أمضوا أكثر من عشرين عاماً 115أسيراً.
لم يخطر في بال الأسرى الفلسطينيين في يوم من الأيام أن تكون مهمة الثورة الفلسطينية، ومهمة السلطة الفلسطينية هي رصد عدد السنوات التي أمضاها الأسرى في السجون، وكتابة الأشعار فيهم، والتغني ببطولاتهم، ولم يجل في خاطرهم أن تصير قضيتهم إنسانية، وأن تستدر دمع المجتمع الدولي دون أن تفك لهم قيداً، ليدخلوا موسوعة "جينز" للأرقام القاسية مثلهم مثل أطول كوفية، وأكبر سدر كنافة، وأطول ثورة في التاريخ، وأقصر فستان سياسي، يعجز عن كسر الأقفال التي صدئت، وهي تغلق بوابات الحياة عشرات السنين على نائل البرغوثي ثلاثة وثلاثين عاماً، وزميله أكرم منصور، وفؤاد الرازم، وأبي على الكيالي، ونافز حرز، وعلاء البازيان، ومخلص برغال، ووليد دقة، وأحمد أبو حصيرة.
لم يخطر في بال الأسرى الفلسطينيين أن السجين الفلسطيني سامي يونس سيدخل عامة الثمانين وهو في الأسر، لتكون وصيته لأهله بعد سبعة وعشرين عاماً خلف الأسوار هي: إن عدت إليكم جثة هامدة، فلا تستعجلوا في دفني، أدخلوني غرفتي، مددوني على سريري، ثم اتركوني قليلاً في بيتي تحت شجرة التوت، هنالك في الهواء الطلق، وطوفي بي قريتي الفلسطينية "عارة"، قبل أن تدفنوني. يا الله؛ ما أغزر دمع الرجال!
لم يخطر في بال الأسرى الفلسطينيين أن عذابهم لعشرات السنين، وأن أجمل سنوات عمرهم التي ضاعت خلف الأسوار ستأتي لشعبهم بسلطة فلسطينية بلا وطن، وحكومتين، ولكن مع بقاء سيطرة الجيش الإسرائيلي على كل شبر، وعلى مدخل كل مدينة فلسطينية، لتستجدي القيادة الفلسطينية رحمة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتنشد تلطفها، وتترقرق لشفقتها، بأن تمن وتفرج عن عدد من الأسرى غير المطهمة أيديهم بالدم الإسرائيلي.
لم يخطر في بال الأسرى الفلسطينيين أن الضفة الغربية وغزة ستتوحدان في الاحتفال بيوم الأسير الفلسطيني، ولكن كل على طريقته، ليصير الانقسام الفلسطيني بديلاً عن الوحدة العربية التي حركت فيهم التضحية، ويصير اعتقال الأسير المحرر من السجون الإسرائيلية بعد أيام بأيدي فلسطينية تصفق في الاحتفال بيوم الأسير الفلسطيني.
لم يخطر في بال الأسرى الفلسطينيين أن حد أبطال المقاومة الفلسطينية ورموزها من عرب 1948، والذي حكمت عليه إسرائيل بسبع مرات إعدام، وتمكن ثلاث مرات من الفرار من سجونها، وقال عنه مدير المخابرات الإسرائيلية عام 1974 "الهروب الثالث لحمزة يونس جرحنا أكثر من عبور المصريين لخط بارليف". هذا الأسير المحرر، والعميد السابق في منظمة التحرير، يجوب شوارع العاصمة الجزائرية هذه الأيام، وهو يضع على صدره، وعلى ظهره شعارات تندد بفساد أجهزة السلطة، وتندد بما وصلت إليه الحالة الفلسطينية.
أغمضوا أعينكم أيها السجناء، فقد احتفلنا بيوم الأسير الفلسطيني.
ولن أنقل اقتراحكم: بأن تغطي القيادة الفلسطينية وجهها بالطرح في يوم الأسير.
www.deyaralnagab.com
|