logo
العرب في الغرب: هوامش الحركة والتأثير!!

بقلم : د.خالد الحروب ... 17.02.2010

في البلدان الغربية التي تعيش فيها جاليات عربية ومسلمة ثمة هوامش واسعة للحركة والتأثير في صناعة القرار الغربي الخاص بالقضايا العربية والإسلامية ما زالت أرضا بورا. لكن هناك بموازاة تلك الهوامش الامتداد "الطبيعي" للشكوى الدائمة من أن المواقف السياسية الغربية مُنحازة لإسرائيل وهو أمر لا خلاف عليه. في أحايين كثيرة تتعاظم الشكوى وتلعب دورا سيكولوجيا مرضيا إذ تستبدل العمل الفعال. بمعنى أن تكرار التشاكي يخلق حالة واهمة من الفعل تعوض عن الفعل الحقيقي. ومن ناحية ثانية يقوم ذلك التكرار على تدعيم المسوغ الأكبر, أو أم المسوغات, وهو أن ليس بالإمكان عمل شيء في ظل قوة وسيطرة اللوبيات اليهودية المقربة من دوائر صنع القرار. هناك بطبيعة الحال أسباب كثيرة أخرى وعوامل تصب في غياب تأثير الجاليات العربية والمسلمة عن آليات صنع القرار في البلدان الغربية, وعن آليات تشكل تصورات الرأي العام في تلك البلدان تجاه القضايا الرئيسية الخاصة بتلك الجاليات سواء ما يتعلق بها مباشرة, أو ما يرتبط ببلدانها الأصلية. من أهم تلك الأسباب عدم الاندماج في تلك المجتمعات والعيش على هوامشها في حالة متواصلة من "الغيتو" الثقافي والاجتماعي والإعلامي, على عكس الشرائح اليهودية الفاعلة التي أصبحت جزءا عضويا من تلك المجتمعات.
تطرح إشكالية الاندماج أو عدمه وإلى أي حد وبأية كيفية المعضلة الأكبر التي تتأسس فيها جذور كثير من المعضلات التي تواجهها الجاليات العربية والمسلمة. وهي ترتبط بهاجس أكبر وهو هاجس الهوية والانتماء والدين وسوى ذلك. ورغم أن الشكل الناظم للمجتمعات الغربية سياسيا واجتماعيا وثقافيا قام في جزئه الأكبر على مفاهيم التعددية الثقافية والدينية وضمان حقوق الأقليات قانونيا وقضائيا بما أتاح للمسلمين وغيرهم إمكانيات العيش وفق الطرق التي يريدون, إلا أن تلك المفاهيم تعرضت في السنوات الأخيرة لمناقشات عميقة وتساؤلات أفضت إلى إضعاف منطق "التعددية الثقافية". فقد توضح أن ترك ذلك المنطق يشتغل بحدود قصوى قاد إلى خلق جيوب جاليات انعزالية تماما في تلك المجتمعات الغربية, وفي تلك الجيوب يتم المحافظة على أنماط ثقافية واجتماعية ودينية تخالف القانون تماماً, مثل استمرار ممارسة قتل الشرف و الزيجات المفروضة على الفتيات الصغيرات. والأهم من ذلك أن تلك الجيوب شكلت مرتعا خصبا لنمو كل أفكار التطرف والراديكالية ورفض الآخر, ففيها نمت تنظيمات تكفير المجتمعات الغربية وغير الغربية أيضا ومنها طلع أفراد مشوهي التفكير والرؤية كانوا فريسة سهلة لمنظمي الإرهاب داخل تلك البلدان كتفجيرات القطارات ومحاولات إسقاط الطائرات المدنية وسوى ذلك. خلاصة ذلك كله تخلقت حالة من الشلل الذاتي محبطة وغير فاعلة والكل فيها ينظر إلى الكل ينتظر منه "الفعل" فيما يقعد الكل على أرضية الشكوى والتذمر. لا يعني ما سبق إحالة المسؤولية كاملة على كاهل تلك الجاليات وليس القصد منه الإدانة, بل فهم الصورة ومحاولة تفكيكها واستكناه فرص وإمكانيات تغييرها. فجزء كبير من مسؤولية الانحيازات الغربية الرسمية والنخبوية والإهمال واللامبالاة على مستوى الرأي العام تتحمله وسائل إعلام كسولة تركض وراء كل ما هو مثير, وتعزز بالتالي صور سالبة ومقيتة عن العرب والمسلمين تتيح لصانع السياسة أن يفلت بأي قرار توحشي لا يمكنه الإفلات به فيما لو كان ضد جهات أو شعوب أخرى.
لكن بالعودة إلى مسألة الهامش المتاح والتأثير الغائب من المهم القول أنه بالرغم من كل العقبات التي خلقتها الصورة المشوهة, والجو المتوتر الذي تولد خلال السنوات الماضية وخاصة بعد إرهاب الحادي عشر من سبتمبر 2001, فما زالت هناك هوامش واسعة جدا تستدعي الاستثمار وبالإمكان توظيفها والعمل فيها للضغط وتحقيق إنجازات وتحسينات على مستوى هذه القضية أو تلك. هناك سقف لتلك الهوامش لكن ما زالت هناك مساحة كبيرة تفصل حالة العجز وعدم الفعل الحالية عن الاصطدام به والبدء بالشكوى والتذمر. عندما يتم ملأ تلك المساحة بالحركة والفعل والضغط والانشغال والحشد ويؤدي ذلك كله إلى الاصطدام بالسقف يمكن فهم مبررات الشكوى ومشروعيتها. أما قبل ذلك فإن شكوى المقاعد الوثيرة من دون أن يترافق مع ذلك أي فعل فهي شكوى لا معنى لها وتبرير للعجز ليس إلا.
المسألة الأخرى التي ترتبط جوهريا وعضويا باستثمار الهوامش المُتاحة مرتبطة بنوعية القضايا المطروحة التي تستهلك تفكير واهتمام الجاليات العربية والمسلمة وجدول أولوياتها. النقطة الأولى هنا هي عدم التوافق على أولويات القضايا وأهميتها وما الذي يأتي في المقدمة منها. والنقطة الثانية هي في الاختلاف الطبيعي إزاء مجموعة من القضايا المتعلقة بالأوطان الأصلية, وهو اختلاف ينفي أي افتراض مُتسرع بأن تلك الجاليات على تنوعها الكبير تلتقي ببساطة على جدول قضايا واحد. من القضايا الكبرى مثل فلسطين والعراق إلى قضايا الحجاب والنقاب هناك اختلافات وانقسامات تعكس الاختلافات والانقسامات الموجودة في البلدان العربية والمسلمة نفسها, وهو ما يعيق بالتأكيد حشد الجهد باتجاه محدد ومعروفة الأهداف التي يُراد تحقيقها به منذ لحظة الانطلاق. بيد أن جزءا كبيرا مما هو سائد حاليا في الوسط العربي والإسلامي في الغرب هو الانجرار وراء القضايا الثانوية والإعلاء منها وتقديمها على أساس أنها "هوية" الجاليات مثل النقاب والحجاب ومآذن المساجد (مؤخرا). تُثار موجات من الاعتراض عالي النبرة من قبل الشرائح والفئات المُنتسبة إلى الحركات الإسلامية إزاء هذه القضايا, وبسبب امتلاك هذه الحركات لوسائل إعلام وقنوات فضائية ومواقع الكترونية, أو بسبب تأثيرها الكبير على تلك الوسائل, فإن ما تراه تلك الحركات من أولويات وأجندة قضايا للعرب والمسلمين وفي الغرب يُفرض إعلاميا وفوقيا على ملايينهم بكونه "قضاياهم" الملحة والهامة. ليس صحيحا أن قضية النقاب أو الحجاب مثلا هي قضية ملايين العرب والمسلمين في الغرب, والغالبية الكاسحة لفتياتهم لا يرتدينه أصلا. وليس صحيحا أن قضايا بناء مآذن المساجد هي أولوية وخاصة أن غالبيتهم لا تصلي أصلا. هذه القضايا هي أولوية وأجندة الحركات الإسلامية وليس عرب ومسلمي أوروبا. وللحديث بقية.


www.deyaralnagab.com