يريدون الصين عربية أكثر منهم!!
بقلم : نقولا ناصر* ... 22.05.2010
ربما كانت قناة الجزيرة الفضائية على حق أو لم تكن في تضخيمها لخلاف عربي ـ صيني عندما حولت مؤخرا إلى خبر رئيسي لها رفض الصين الاستجابة لمطالبة عربية باعترافها بشرقي القدس المحتلة عاصمة لدويلة فلسطينية تسعى القيادة المفاوضة لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى مبادلتها باعترافها، بعد اتفاق أوسلو، بدولة المشروع الصهيوني في فلسطين، لكن الفضائية القطرية الشهيرة لم تكن على صواب بالتأكيد عندما اغفلت التركيز بدلا من ذلك على التناقض الكامن في مطالبة العرب للصين بأن تكون عربية أكثر من العرب وفلسطينية أكثر من الفلسطينيين.
فقد تجاهلت الجزيرة أن جامعة الدول العربية ومفاوض منظمة التحرير معا يرفضان ما طالبوا الصين به ويصرون على أن يكون إعلان الدويلة المأمولة وعاصمتها بالاتفاق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وعبر التفاوض معها، وليس من جانب واحد، وهذا هو نفسه تحديدا السبب الذي ساقته الصين لرفضها الاستجابة لطلبهم.
ففي أكثر من مناسبة مؤخرا، حرص "الرئيس" محمود عباس على نفي أي نية لدى الرئاسة وحكومتها في رام الله لإعلان دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس "من جانب واحد"، وهو ما لم يرد له أي ذكر أيضا في الخطة المعلنة لرئيس وزرائه د. سلام فياض لبناء مؤسسات دولة كهذه خلال عامين، وهذا هو كذلك ما أقرت جامعة الدول العربية الرجلين عليه، ولذلك منحتهما ترخيصا عربيا للدخول في مباحثات غير مباشرة برعاية أميركية تمهد لاستئناف دوامة المفاوضات المباشرة المستمرة كالحرث في البحر منذ حوالي عقدين من الزمن. فلماذا يسعون الآن إذن إلى اعتراف صيني"من جانب واحد" بالقدس الشرقية عاصمة فلسطينية ؟
وإذا كانت "الحياة مفاوضات" كما يقول كبير مفاوضي منظمة التحرير د. صائب عريقات، وكان السلام هو "الخيار الاستراتيجي" الذي أجمع العرب عليه في مبادرة السلام العربية، وكانت المفاوضات هي المدخل الوحيد إلى الدويلة وعاصمتها، كما تتفق الجامعة العربية ومنظمة التحرير، وكانت الرعاية الأميركية لهذه المفاوضات هي المظلة الدولية الوحيدة التي يراهن الطرفان عليها، فإن أي مطالبة عربية للصين بالخروج على هذا الإجماع العربي ـ الفلسطيني تكاد ترقى إلى افتعال خلاف عربي ـ صيني، بحسن نية ام بسوء نية، فقط لأن الصين تقف إلى جانب الإجماع العربي، كما كانت تاريخيا، تدافع عن هذا الإجماع إن أجمع على الحرب وتشد أزره إن جنح إلى السلام.
فلمصلحة من يفتعل العرب خلافا مع دولة عظمى تحتل مقعدا دائما في مجلس أمن الأمم المتحدة وكان سجل تصويتها في المنظمة الأممية "دائما" إلى جانب القضايا العربية وبخاصة القضية الفلسطينية التي وقفت إلى جانب شعبها ومقاومته للاحتلال في كل مراحل نضاله الوطني بكل أشكاله.
وكانت الصين من أوائل الدول غير العربية التي اعترفت ب"بدولة فلسطين"، وهي تستقبل عباس بصفته رئيسا لهذه الدولة كما تستقبل الرئيس الأميركي تماما وتعتبر زيارات القادة الصينيين له زيارات ل"دولة فلسطين" لا "للأراضي الفلسطينية" كما يسميها حلفاء العرب الأميركيون والأوروبيون، وكان استقبالها لوزير حكومة الوحدة الفلسطينية محمود الزهار وموقفها ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة دليلا على أنها لا تسعر الانقسام الفلسطيني بالانحياز إلى طرف فيه كما يفعل الأميركيون والأوروبيون. ففي مصلحة من يصب أي استعداء عربي للصين، وكأنما العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون ينقصهم أعداء!
لقد كان عباس في الصين أوائل الشهر الجاري ولا بد أنه كرر على مسامع مضيفيه الصينيين آماله التفاوضية وطلب دعمهم لها وحصل فعلا على دعم الرئيس الصيني هو جينتاو الذي التقاه في مركز المؤتمرات الدولي في شنغهاي، واتفق كينتاو مع عباس على أن "المفاوضات السلمية هي الطريق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية الإسرائيلية"، ووصف عباس الموقف الصيني ب"الإيجابي والبناء" ووعد باستمرار "التشاور الوثيق" بين الجانبين، وقد أعلنت الخارجية الصينية منذ ذلك الحين عن ترحيبها بالمباحثات الفلسطينية غير المباشرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها "خطوة إيجابية" لاستئئناف عملية السلام. أليس هذا هو بالضبط ما أراده ويريد عباس والجامعة العربية؟
إن مبادرة ممثلي اثنتين وعشرين دولة عربية ومعهم منظمة التحرير في منتدى التعاون الصيني ـ العربي الرابع في مدينة تيانجين الساحلية إلى مطالبة الصين بالاعتراف بشرقي القدس المحتلة عاصمة فلسطينية، بعد أقل من أسبوعين من زيارة عباس الذي لم يتقدم بأي طلب مماثل، تشير إلى أنها كانت كانت مطالبة عربية أكثر منها فلسطينية مما يشير إلى عدم تنسيق عربي ـ فلسطيني أكثر مما يشير إلى خلاف عربي ـ صيني. وكان المنتدى الصيني ـ العربي قد تأسس عام 2004 وعقد دورته الأولى في القاهرة بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس جينتاو لمقر جامعة الدول العربية في الشهر التاسع من ذلك العام.
وهذا القصور العربي في التنسيق ليس إلا مجرد غيض من فيض عدم الجدية العربية في التصدي لقضية كالقضية الفلسطينية مخاطرها على العرب أكثر من مخاطرها على فلسطين التي تكاد تتهود بالكامل والعرب ما زالوا سادرين في غي خلافاتهم القطرية مما يعكس أيضا استمرار غياب الحد الأدنى من التضامن العربي في مواجهة الأعداء الحقيقيين للأمن العربي بينما يتضامنون في افتعال خلاف مع صديق تقليدي لكل العرب مثل الصين وفي استعدائه بإحراجه بطلب يستنكفون هم أنفسهم عن الأخذ به، ناهيك عن رفض "الممثل الشرعي والوحيد" للشعب الفلسطيني المعلن له.
إن "الصين والدولة العربية بحاجة إلى تعزيز التعاون السياسي" كما قال رئيس الجمعية الصينية لدراسات الشرق الأوسط زانغ كسياودونغ، وهو ما دعا إليه أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى في تصريحاته على هامش انعقاد المنتدى، مما يعكس قصورا عربيا فاضحا في استثمار العلاقات العربية ـ الصينية الاقتصادية الضخمة من الناحية السياسية.
وفي الواقع أن هذا التعاون "السياسي" في وضعه الراهن يبدو من جانب صيني واحد، طوعا وبمبادرة صينية ذاتية، والسبب واضح، فكل العرب أو معظمهم في الأقل يراهنون فقط على الولايات المتحدة الأميركية إن لم يكونوا حلفاء أو أصدقاء استراتيجيين لها، ولا يشعرون بحاجة "سياسية" إلى الصديق الصيني من طرف واحد، ومع ذلك يحلو للكثيرين منهم التحذير من نمو العلاقات الصينية المتسارعة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي سياسيا وتكنولوجيا وزراعيا وتجاريا وثقافيا.
فالعلاقات العربية الصينية تعود إلى أيام "طريق الحرير" قبل حوالي ألفي عام، وللصين علاقات دبلوماسية مع دول الجامعة العربية الاثنتين والعشرين، وتضاعفت قيمة التبادل التجاري بين الصين وبين الدول العربية حوالي مئة مرة خلال الثلاثين عاما المنصرمة لتبلغ عام 2009 (110) مليارات دولار أميركي، كما قال رئيس الوزراء الصيني ون جياباو، مقابل أكثر قليلا من ست مليارات دولار مع دولة الاحتلال الإسرئيلي.
لكن الرهان العربي على "الصديق الأميركي" حال دون أي استثمار عربي سياسي للعلاقات العربية الواسعة مع الصين، لا بل إن العرب ينحازون إلى واشنطن في تنافسها المتصاعد مع بيجينغ في الوطن العربي ومحيطه، بينما لا تتردد تل أبيب في المخاطرة بتحالفها الاستراتيجي مع واشنطن من أجل تعزيز علاقاتها المتنامية مع بيجينغ.
ومن المؤكد أنها لم تكن مفارقة أن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصين وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي بدأت فقط عام 1992، أي بعد عام من مؤتمر سلام مدريد وقبل عام من توقيع اتفاق أوسلو، ولهذه الحقيقة دلالاتها القاطعة الغنية عن البيان في تفسير الانفتاح الصيني على دولة الاحتلال، أسوة بالنهج العربي والفلسطيني المستمر منذ ذلك الحين، فالصينيون، أو غير الصينيين، لا يمكن أن يكونوا عربا أكثر من العرب وفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين.
www.deyaralnagab.com
|