طوابيرك يا مصر!!
بقلم : أحمــد عدوان ... 17.03.2010
[**من اخر الطابور...نكتب لكم..]
أحدثكم بعد أن رفعت قدمي لتوي من الماء الساخن والملح بعد عودتي من طابور يتكون من عشرين فرداً لم يتقدم منه فرد للأمام إلا بعد مرور النصف ساعة ويزيد مظهر الطابور كان فوضاوياً لدرجة أن الفوضي ظلمت في الوصف عند مشاهدة ذلك المظهر الغير حضاري الا اخلاقي .
الطابور الذي كنت أحد أفراده عنوه وغصب عن (عين أبويا) لم يكن طابور للخبز أو حتي (فراخ الجمعية ) ولا حتي طابور المعاشات أو طابور البنزين بل طابور في إحدي المصالح والدوائر الحكومية لتجديد رخص السيارات فقبل يومين أنتهت صلاحية رخصة القيادة خاصتي ولولاها لم أكتب المقال ولا أحتجت ليومين علاج لقدمي التي تفقأت من طول المدة والوقوف حتي وصلت اخيراً لشباك الموظف الذي لم يبتسم في وجهي بل ولم يتكرم ليرفع عينه ليري الأوراق التي قدمتها له ، لأنشغاله في أكل (سندويتش) ولم أذكر هل كانت السندويتشات (فول ام فلافل ).
ومع الاستغراب الذي صاحبني من ذلك التبلد الواضح في المعاملة والامبالاه الا متناهية اتضح لي أنني لست كباقي المتقدمين للحصول علي تجديد للرخصة ،فلم ادفع العشرين جنيها ً للموظف وهذه (الفيزيتا) لا يقطع لها وصل ولا تحرز وتسجل في السجلات الحكومية لديه ،بل تذهب لجيب الموظف وعلمت ذلك بعد أن زودني من كان خلفي في الطابور بتلك المعلومة النفيسة وهو يخبأ في يده بعضاً من النقود .
ولأنني علي نياتي لم أغمس يدي في جيبي لأبرز لذلك الموظف العشرون جنيهاً ولا الخمسة ولا الجنية مما جعلني أقف مدة اطول بعد التدقيق الممل والاستفزاز الذي بادرني به الموظف ليبلغني ان بعض الأوراق ناقصة ، مع انها لا ينقصها شئ تبسمت متملقاً أكيد هي (ناقصة العشرون جنيها)ويعيدني ذلك المشهد بالثلاجة الالكترونية بجانب عمارتنا التي تضع لها العملة النقدية فتخرج لك بالمثلجات وما شابه لكن مع فارق التشبيه والمقامات .
سألته عن الاوراق الناقصة علي حد قوله واحضرتها له بالرغم انه لا يوجد لها لزوم لكن كله إلا أن أدفع تلك العشرون جنيهاً او أضع نفسي في قائمة الشبهات والمحرمات ، وفقت اخيراً بحمد الله من تسليم الأوراق مع تذمر واضح علي وجه الموظف ومع ألـم شديد في قدمي بعد (لف كعب داير) علي أحدي المصالح الأخري .
أثارتني رؤية السلبية واللامبالاة واللانظام واللا أحترام واللا ضمير والأت تطول ،من مظهر يثير الغثيان وينبـأ علي ظهور قيم سفلي وإنحلال مجتمعي أكثر ضراوة وفساد مؤسساتي مهلك من رؤية الجنيهات التي تناول ليد الموظف خلسة وتدس بين الأوراق التي يقدمها المواطن لذلك الموظف الرسمي الذي يتقاضي رواتبه ومستحقاته من الحكومة وليس من عامة الشعب بلوي الذراع.
حمدت الله تعالي حينها علي ان رغيف الخبر في مصر لا تسحب عليه رخصة ، لوجدتني مغمور في أحدي طوابير العيش التي أصبحت من المعالم التي تميز مصر عن غيرها من البلدان العربية ،ولأنني أشتري الخبر (أبو ريال عشرين قرش)تركت زحمة طوابير العيش وتنازلت عن حقي في الخبز (ابو خمسه ساغ) المدعم ولأنني لست بارعاً كثيرا ً، في الخناق والعراك أهنت قرشي ولم أهن نفسي .
لا أريد ان اتحدث عن حكم الرشوة في الشرع والدين الإسلامي ، لانني علي يقين تام أن هؤلاء الموظفين علي علم بمدي جرم مثل هذا العمل لكن لو تواجدت حكومة مؤسساتية لديها برنامجها الواضح وتكنولجيا متطورة تغنيها عن كل هذه الكراكيب ،وتوظيف أناس لديهم من الحس الديني والضمير والاخلاق ووضع الموظف المناسب في المكان المناسب لما كان هذا المشهد من احدي معالمنا اليومية في بلاد كانت ولا بد ان تكون هي في رأس الهرم وعلي قمة جميع الأمم لا في الذيل واخر القاع حتي صرنا ننعت بالدول النامية والفقيرة :
جددت الرخصة واخذتها بعد (طلوع الروح) لكن أفضل من اكون ساهمت في تشجيع موظف مرتشي في أكمال طريقة ويا ليتنا جميعاً نكون يد واحدة في محاربة مثل هذه الظاهرة المتفشية في الكثير من المصالح الحكومية والمؤسسات بل وطالت المدارس والجامعات وأصبح الغش هو السمة الظاهرة والرائدة ،الأمتحانات تصل للطلاب قبل ان يقدموا الأمتحان بعد دفع الرشاوي نعم جددت الرخصة أفضل من اكون ممسوكاً في لجنة أو كمين مرور بعدها سأكتب لكم من داخل الزنزانة واكلفكم (عيش وحلاوة) لأنني أيضا لن أدفع رشوة (للأمين بتاع المرور) ، أخيراً أتمني أن يستفيق المسئولون وأن يحاسب الموظفون ضمائرهم وأن يتقوا الله تعالي في مكسبهم فقد ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم في حديث شريف ::أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة وحقا أن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.. ودمتم
www.deyaralnagab.com
|