عودة الأوبامية: فرصة حقيقية أم لفظية؟!
بقلم : د.خالد الحروب ... 31.03.2010
هناك تطورات حقيقية في الموقف الأمريكي إزاء إسرائيل وحل الصراع العربي- الإسرائيلي. لكن السؤال الصعب هو كيف يمكن أن يتطور هذا الموقف إلى سياسة فعالة على الأرض وضاغطة على إسرائيل؟ لنبدأ أولا بتأمل التطورات الجديدة. أولها هنا هو دخول المؤسسة العسكرية الأمريكية وانتشارها في العالم على خط إبداء الرأي والتصورات إزاء الصراع مع إسرائيل. ربما لأول مرة في تاريخ السياسة الأمريكية تصدر تصريحات من قادة الجيش تقول بأن المصلحة القومية والعسكرية الأمريكية تقضي بإيجاد حل للصراع العربي - الإسرائيلي. ما قاله الجنرال بترايوس قائد قوات البحرية الأمريكية في هذا السياق من أن استمرار الصراع يهدد حياة الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان هو انعطافة حقيقية ومهمة، وهي اعتراف بالفكرة التي يصر كثير منا عليها ويحاولون إيصالها لصناع القرار الأمريكيين والغربيين. وهي فكرة أن قضية فلسطين تقع في قلب تشكيل نمط العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وهي ترفع من مستويات الكراهية والصداقة. وأن التأييد الأمريكي الأعمى والمطلق لإسرائيل كان ولازال المحفز الأكبر وراء صعود كل تيارات التطرف القاعدي ضد أمريكا، وسوف يبقى كذلك ما لم يتم التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.
والمهم في هذا السياق أن تصريح بترايوس لا يبدو معزولا، بل يعكس قناعة تتوسع ويمكن القول بأنها أصبحت جزءا من التفكير الرسمي الأوبامي. فنعرف جميعا أن أوباما يؤمن بهذه الفكرة وكررها في أكثر من مناسبة، كما أن هيلاري كلينتون أخبرت مستمعيها في الأيباك، وهي اللوبي الصهيوني اليميني الأهم في واشنطن، أن الناس يحدثونها عن القضية الفلسطينية معاناة الفلسطينين أينما تذهب. يُضاف إلى ذلك بروز لوبي يهودي يساري (جي ستريت) أصبح منافسا للإيباك ويعمل على ضرورة تطبيق حل الدولتين بالسرعة القصوى.
التطور الثاني في الموقف الأمريكي هو الحديث عن ضرورة قيام دولة فلسطينية بنفس مستوى ضرورة الحفاظ على أمن إسرائيل. ما تعودنا سماعه دوما من واشنطن هو التركيز على أولوية أمن إسرائيل وأن هذه الأولوية هي التي تحدد ما يليها. وقد تفاقم ذلك الخطاب إلى درجة وقحة بل ومتوحشة خلال سنوات حكم جورج بوش الإبن، وحيث ربط أمن إسرائيل بالمصلحة القومية الأمريكية. أما الآن فإن نبرة الخطاب اختلفت وارتفع مستوى القناعة بضرورة قيام دولة فلسطينية إلى درجة اعتبارها مصلحة أمريكية تخفف من العداء والضغط على مصالح الولايات المتحدة القومية والعسكرية.
التطور الثالث هو مواجهة الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس والطلب من نتنياهو أن يختار بوضوح أين يقف: مع الاستيطان أو مع حل الدولتين. وقد ترافق مع ذلك الطلب وضع حد لمناورات نتانياهو وتهربه وتضييعه للوقت لأكثر من سنة. فكثير من الصرامة التي سمعها نتنياهو في لقائه الأخير مع أوباما أصبحت منشورة في الإعلام. فرض واشنطن لمخططات الاستيطان والبناء في القدس الشرقية هو إعادة الاعتبار للموقف الأمريكي القديم إزاء المدينة واعتبارها محتلة منذ عام 1967 كسائر مناطق الضفة الغربية, وهو الموقف الذي تجاوزه جورج بوش وقفز عنه.
التطور الرابع في الموقف الأمريكي هو تطور سياقي ذلك أن كل ما سبق يحدث ضمن إطار سياسة أوبامية أوسع سواء على المستوى الداخلي أم الخارجي. داخليا وكما صار معروفا وشائعا تمكن أوباما من إنجاح مشروعه في سن تشريعات جديدة للتأمين الرعاية الصحية في الكونجرس, والتي تقود أمريكا باتجاه دولة الرعاية الاجتماعية الأوروبية. ويعتبر كثيرون أن هذه التشريعات هي ثورة حقيقية في شكل النظام الاجتماعي الأمريكي والأهم منذ نصف قرن. نجح أوباما في ذلك رغم كل المعارضة الجمهورية الشديدة وتحالفات شركات التأمين وجبهة عريضة وقفت ضده باعتبار أن إفشال مشروعه ذاك يعني تحطيم أوباما داخليا. وداخليا أيضا يعتبر كثيرون أن سلسلة الإجراءات النقدية والاقتصادية التي قامت بها إدارة أوباما لكبح جماع الأزمة المالية قد نجحت ولو جزئيا في أهدافها, وأن ثمة بدايات لانتعاش الأقتصاد الأمريكي من ناحية، ولعقلنة الرأسمالية العالمية من ناحية ثانية. على المستوى الخارجي نجح أوباما في دفع معاهدة الحظر من انتشار الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية مع روسيا دفعة كبيرة إلى الأمام, وهي الأولى من نوعها منذ عشرين عاما. وخارجيا أيضا ينظر الكثيرون إلى التطورات السياسية في العراق ونجاح الانتخابات, وخاصة فوز علاوي الأبعد عن الطائفية، بكونه نجاح آخر لإدارة أوباما من ناحية تأكيد مواعيد الانسحاب الكلي للقوات الأمريكية من العراق.
تدفع النجاحات المختلفة في ذلك السياق إلى بناء رأس مال سياسي عند إدارة أوباما وثقة بالنفس قد تقود إلى ضغط وسياسة مختلفين إزاء إسرائيل. وهما ضغط وسياسة لا ينطلقان من نقطة العداء لإسرائيل بل الحفاظ على مصالحها وأمنها, وهو منطلق يُضعف منطق وحجج المزايدين من المحافظين واليمين الصهيوني والأمريكي. ويحدث ذلك كله, مرة أخرى, مع الحضور الجديد والمفاجئ للجيش الأمريكي في النقاش حول القضية الفلسطينية وحلها. فالسؤال الذي يواجهه الآن كثير من عتاة مؤيدي إسرائيل في واشنطن واللوبيات القوية هناك هو هل أنتم مع استمرار قتل الجنود الأمريكيين بسبب تصلب السياسة الإسرائيلية, أم أنتم مع حل الدولتين؟
كل ما سبق لا يعني أن الطريق مفتوح الآن لسياسة جديدة وتحولات جذرية إزاء ما ستقوم به واشنطن تجاه إسرائيل. فهناك معوقات ما تزال هائلة. فأولا ورغم الارتباك الذي يعاني منه أنصار إسرائيل في واشنطن إلا أن ذلك لا يعني ضعفهم أو تنازلهم. فهناك إلى جانبهم تقف جبهة صلدة من الجمهوريين والمحافظين الجدد الذين يعملون ليل نهار على إضعاف أوباما. والاختبار الانتخابي الكبير سيأتي في شهر نوفمبر القادم حيث الانتخابات الجزئية للكونجرس. ويتوقع أن يحاول نتنياهو المماطلة وتضييع الوقت حتى ذلك الحين بأمل أن يخسر الديموقراطيون ويضعف أوباما، ويقف الكونجرس بغالبيته ضد سياساته. أما خارجيا فنعلم جميعا أن الاختبار الأكبر والأصعب الذي تواجهه إدارة أوباما يكمن في أفغانستان. فالفشل هناك يعني ضربة استراتيجية قوية تضعف أوباما في كل المجالات وتقضي بطبيعة الحال على فرص ترشحه لولاية ثانية، وتستنزفه بعيدا عن القضية الفلسطينية.
www.deyaralnagab.com
|