logo
الانتفاضة الثالثة خيار وحيد!!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 07.04.2010

هل بقي بصيص أمل بمنح شعبنا دولة فلسطينيّة في الضفّة والقطاع، عاصمتها القدس الشرقيّة؟!
يمكن أن نوضّح السؤال الذي لا يحتاج لتوضيح، لأن الوقائع لا تدع مجالاً للتساؤل، فنعيد طرحه بالصيغة التالية: هل بقي للفلسطينيين أدنى أمل بأن يحصلوا على دولة فلسطينيّة، بعد أن نهبت أرض الضفّة، وابتلعت القدس بالمستوطنات حولها، والأحياء التي غرست في قلبها وبدّلت معالمها، وبعد إمعان الاحتلال في سياسة الترانسفير لأهل القدس، بهدم البيوت على رؤوسهم، وحفر الأرض تحتهم، وتضييق سبل العيش عليهم؟!
هل هناك رهان على صحوة ضمير لدى السلطة في رام الله، وتحملها لمسؤوليتها أمام الشعب الفلسطيني، وإعلان فشل رهاناتها ووعودها، وخطيئة تقديمها التنازلات عن حق الشعب الفلسطيني في وطنه، والقبول بـ22 ' من أرض فلسطين الجغرافيّة التاريخيّة والتنازل عن 78' للكيان الصهيوني الاستيطاني؟!
لا أمل في تراجع من يكررون يوميّا بأن المفاوضات خيارهم الوحيد، رغم تواصل عمليات نهب القدس، وتغيير معالمها...
هؤلاء يرون ما يقترفه الاحتلال، ولكنهم باتوا أسرى مصالحهم وعجزهم، وأيضا استهتارهم بشعبنا الفلسطيني.
المشهد في غزّة هو الوجه الثاني لرام الله، فهناك حكومة (مقالة)، ووزراء، وسعي للحوار مع أوروبا، والإدارة الأمريكيّة، وغزل من طرف واحد مع نظام مبارك الذي لا يطرب لهذا الغزل، بدليل مواصلته تعميق الجدار، ورفعه أبراج المراقبة عاليا.
منذ فوز حماس بانتخابات التشريعي، أخذت تتصرف وكأنها سيدة السلطة، مديرة الظهر لمن منحوها أصواتهم، رهانا منهم على أنها حركة مقاومة هدفها تحرير كامل التراب الفلسطيني، الذي طالما وصفته بأنه (وقف إسلامي) حرام التفريط به!
طرفان يضعان القضية الفلسطينيّة، والنضال الفلسطيني، في مأزق، ويغلقان الطريق، وكل منهما يراهن على سقوط الآخر، و..لا مانع من ذبحه عسكريا، أو سياسيّا، لتكريس واحديته، بحيث يتبوّأ وحده سدّة قيادة شعب فلسطين، وتمثيله..ليس في الميدان، ولكن لدى الأطراف التي ستكرّس سيادته في (دولة) فلسطينيّة، ليس فيها شرط من شروط الدولة!
هل نذكّر بأن الدولة الفلسطينيّة لم تعد واردة، فلا إمكانيّة لتحقيقها لسبب بسيط وهو أنه لم تعد هناك أرض لتنشأ عليها!
الدكتور سلام فيّاض، وهو حاليا أقوى من حركة فتح في (السلطة) بما يتلقاه من دعم، وهذا يتجلّى في تحكمه بالأجهزة الأمنيّة التي يتولى الإشراف على إعدادها وتمويلها.. يعد بدولة في غضون سنتين..أين؟ على أية أرض؟ بالعقل: هذا الوعد وهم غير قابل للتحقق، لأنه ببساطة معلّق في الفراغ، وهو يعلن التنازل عن حق العودة مقدما، إرضاءً للإدارة الأمريكيّة.
لا تراجع من أي من الطرفين: سلطة رام الله، و.. سلطة غزّة، فكل منهما ينتظر.. ماذا؟ أن يسقط الآخر، ويتسيّد هو، والإثنان محشوران، مأزومان اعترفا أو أنكرا، والقضية الفلسطينيّة تخسر يوميّا، وشعبنا يعاني في هذا المأزق الخانق المهين.. فما العمل؟!
خيار واحد لا خيار غيره أمام شعبنا: أن يتسلّم زمام أموره بيده، متجاوزا حالة الاستعصاء، والطرفين المعوقين ضيقي الأفق، اللذين لا يريدان أن يريا ما يفعله الاحتلال الاستيطاني، لأنهما تعبا نضاليا، ويريدان جني المكاسب!
موضوعيا وذاتيا، الخيار هو الانتفاضة الثالثة، وهي عودة لجوهر الصراع، فما دامت مسيرة سلام أوسلو قد فشلت فلسطينيّا، وما عاد هناك وهم بقيام دولة، فلا بدّ من العودة إلى أصل الصراع: إمّا نحن أو هذا الكيان الصهيوني الاستيطاني الذي لن تتغيّر طبيعته بالمفاوضات!
بالعقل والمنطق: لا يمكن تحييد الولايات المتحدة في الصراع، فهي منحازة بحكم مصالحها، وخيارها السياسي، وحتى العقيدي، لذا لا رهان على حيادها في الصراع.
شعبنا بلا قيادة حقيقيّة، والأخطر أن قياداته الراهنة هي سبب رئيس في المأزق الراهن، وهذا دافع ملح لتجاوزها، هي التي ما عادت المقاومة واردة عندها، سواء منها من يطرح خيار المفاوضات الذي لا خيار غيره، أو الذي يطرح دولة في حدود الـ67، ويُفلسف منع إطلاق الصواريخ من قطاع غزّة بأنه مصلحة وطنيّة!.. سابقا لم يكن كذلك!
الانتفاضة الثالثة هي انتفاضة وعي، وعودة إلى جوهر الصراع، يعني هي رفض لكل أطروحات (التسوية) وأوهام (السلام). هي تحديد للهدف الرئيس: فلسطين عربية والصراع صراع وجود لا صراع حدود، وقضيّة فلسطين قضيّة الأمّة..وفي هذا الخطاب عودة بالقضيّة إلى أهلها، وجوهرها، فالصراع هو عربي - صهيوني، وفي هذا الصراع لا حياد لأي عربي فردا كان أم.. (دولة)، وبهذا سيكون الفرز بين من يؤمن بعروبة فلسطين، ومن يتآمر عليها ويتواطأ مع مغتصبيها، ومن يدعمهم.
الانتفاضة الثالثة هي إنهاء لحقبة الاختلاط، والتيه، والضياع وراء السراب.
الانتفاضة الثالثة هي عودة للميثاق الوطني الفلسطيني، وجوهره عروبة فلسطين.
ما يمنح هذا الخطاب مصداقية، هو ممارسات الكيان الصهيوني الاستيطاني، حكومة بعد حكومة، بنهج واحد مستمر، بهدف تهويد فلسطين وطرد أهلها، واستكمال حرب الـ48 التي بنظره لم تحقق أهدافها بعد.
الانتفاضة الثالثة هي تصحيح للانتفاضتين السابقتين، ولحمايتها لا بد من قراءة ووعي أسباب فشلهما، وأوّل الدروس: لا تنازل عن الهدف، فقضيتنا ليست لعبة، وليست حقل تجارب، ولا هي مسرح للشهرة والوجاهة، ولا هي تجارة للربح الشخصي.. وهذا الهدف: فلسطين عربيّة، وطننا الذي لا شريك لنا فيه.
وثانيها: لا لتحكم أي فرد، أو مجموعة، أو فصيل، بالانتفاضة، فالقيادة ليست استعراضا، وفهلوة، وشطارة، وارتجالا، ولكنها وعي، وتضحية، والتزام، ومشاركة.
وثالثها: سيادة روح التآخي والتكافل والتضامن بين أبناء شعبنا، وهذه القيم سادت في الانتفاضتين، وشوهها الاستعراض، والزعرنة، وإبراز أشخاص غير أكفاء، وجعل السلاح وسيلة تخويف لأبناء شعبنا لا للعدو، ونشر الفوضى.
كل هذه الأمراض المفتعلة يفترض أن تواجه بفضحها منذ البداية، وقبل انفجار الانتفاضة التي نراها آتية لا ريب فيها.
أعداء شعبنا ليسوا غافلين، فهم يرسمون الخطط، ويدبرون عمليات التخريب، ويعدوّن لإحباط روح شعبنا المقاوم، ولذا علينا أن نتوقع كل ما يبرمون، وما يدبرون، بوضع الخطط الكفيلة بإفشالهم.. وهذا هو الإبداع الذي يُنتظر من القيادات القادمة، ومن المثقفين الثوريين الجذريين الذين مهمتهم تبصير جماهيرنا بما ينتظرها، وتحصينها من الاختراقات والسلوكيات الخاطئة الضارة التي يروجها العدو وأتباعه المرتزقة.
لقد وجد من انحرف بالانتفاضتين، ومن ساوم عليهما، ومن ضلل شعبنا وأدخله في النفق المظلم، مستغلاً ثقة شعبنا، فكان أن دفعنا الثمن!
العفوية لا تصنع ثورات، ولا انتفاضات منتصرة.. يجب أن لا يغيب هذا الدرس عن عقولنا.
التشبث بالهدف رغم التكلفة، والوعي، والتخطيط، وتحديد معسكر الأعداء و.. معسكر الأصدقاء، الاستفادة من دروس الانتفاضتين المغدورتين، عدم تقديس الأفراد والرهان على قائد، أو قيادة، ومبايعته، أو مبايعتها، فالشعوب لا تنتصر بالغفلة وطيبة القلب، والثقة العمياء.
لم يكن صدفة أن ظهر قادة لا هم لهم سوى الصراع على الكراسي، والمال، والوجاهة، والقبول لدى الأمريكان، وقادة العدو، والحكّام العرب المتآمرين على فلسطين.
الانتفاضة الثالثة المنتظرة ستكون فعلاً شعبيّا فلسطينيّا شاملاً، في الداخل والشتات، بحيث تكون حالة نهوض فلسطيني عام، رغم أن شرارتها ستندلع من الضفّة، وهذا ما سيضع الهدف عاليا: شعب فلسطين له وطن واحد، وفلسطين: قضية عربيّة وجوديّة.
لكل هذا نرى بأن الانتفاضة الثالثة خيار لا خيار غيره.


www.deyaralnagab.com