يجب أن ندافع عن أنفسنا!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 12.04.2010
نبدو نحن أهل فلسطين للبعيد وربما للقريب كضبّ في الصحراء أصابه شلل ولا يقوى على البقاء إلا بفتات يلقيها من سيعود إليه في اليوم التالي ليفترسه. نحن شعب فلسطين الذين ما فتئنا نقاتل على مدى مائة عام يصيبنا وَهَنٌ فبات يستخف بنا سماسرة القوم وذئاب الغاب، وبات التطاول علينا بالأمر اليسير حتى طوعنا ورقابنا وبلادنا الفاسدون للصهاينة الطامعين.
الصهاينة يصادرون الأرض ويبنون المستوطنات ويهودون القدس ويزحفون نحو الأقصى والصخرة المشرفة ويهددون بقاءنا على هذه الأرض المباركة، والعالم لا يرى منا سوى الخطاب الهزيل المستجدي عسى أن يحنّ أحدهم علينا. عويلنا يملأ الفضاء، وصراخنا يسمعه الجماد، لكن أهل البأس يمعنون ولا يوجد منهم مجيب. بالأمس يستغيث قادة من فلسطين بروسيا وأمريكا وبريطانيا والرباعية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لوقف مخططات إسرائيل بتهجير الناس من جديد، ولن يكون هذه المرة أيضا لاستغاثتهم صدى. بعد كل هذه السنين الطوال، وبعد كل هذه الدماء التي نزفت، وقوافل الشهداء التي سقطت، والبيوت التي هدمت، والأشجار التي اقتلعت، والنساء التي رملت، والأطفال التي يتمت، والأراضي التي اغتصبت، والدموع التي انهمرت لا يملك قائد فلسطين سوى التذلل لمن صنعوا إسرائيل عساهم ينقذون.
بلادنا اغتصبت، وجموعنا شتتت، وأعراضنا انتهكت، وحصوننا دمرت. أطفالنا لا ينامون هانئين، وبناتنا لا يشعرن بأمن ولا اطمئنان، ونساؤنا دائما تبلل وجوههن الدماء، وأمهاتنا يشققن الجيوب، ورجالنا يقتلون صباح مساء، وحياتنا جميعها مسلسل مأساوي لا يتوقف. إلى متى؟
علينا أن نعود إلى أنفسنا، وأن ندافع عن أنفسنا بأنفسنا. من أراد أن يلحق بنا أو يساعدنا فمرحبا به، لكن علينا أن نعلم أن من لا يحرر نفسه لن يجد من يحرره. ماذا نعمل؟ أسوق النقاط التالية بوضوح:
أولا: علينا ان نعيد ترتيب بيتنا الداخلي الفلسطيني، وهنا لا أعني المصالحة بين فتح وحماس، وإنما أعني الارتقاء بمستوانا الأخلاقي ورفع درجة الالتزام والتماسك الاجتماعي. الصراع بين الفصائل عبارة عن نتاج لمشاكل بنيوية وليس سببها. والسلطة الفلسطينية في هذا الأمر عبارة عن نكبة حلت بنا، وهي التي استطاعت إنجاز أشياء كثيرة لم يستطع الاحتلال إنجازها وعلى رأسها الاستهتار بأموال الناس وبأعراضهم أحيانا.
ثانيا: يجب وقف التطبيع مع إسرائيل، ووقف التنسيق الأمني معها وإلغاء الاتفاقيات. ربما لا يتأتى هذا دفعة واحدة، لكننا نبدأ اولا بملاحقة المطبعين والمنسقين امنيا، ثم نستمر حتى التخلص من كل التزاماتنا المشينة مع العدو.
ثالثا: يجب أن نبدأ بأولى خطوات المقاومة وهي المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل حيثما أمكن. هناك بضائع كثيرة من إنتاج الصهاينة لا نحتاجها إطلاقا، ويمكن أن نوفر بديلا لها ما زلنا نشتريها. هذا عار علينا، وعلينا أن نعي أن الذي يشتري بضاعة عدوه إنما يساهم في تسليح جيش هذا العدو.
رابعا: علينا تطوير برنامج وطني فلسطيني عربي إسلامي لإعادة القضية الفلسطينية إلى مكانتها الفلسطينية وعمقيها العربي والإسلامي.
خامسا: علينا تطهير أنفسنا من العملاء والجواسيس الذين ينخرون أجسادنا. هذه مهمة ليست سهلة، لكن علينا أن ندرك ان هؤلاء عبارة عن سوس داخلي يبثون الفتن والشقاق، ويساعدون العدو في كل صغيرة وكبيرة.
سادسا: يجب إعادة النظر في أساليبنا النضالية القديمة والتي لم تجد نفعا. على الفصائل أن تتبع سياسة تنظيمية جديدة تحرص على التحصين الأمني وعلى العمل السري. العمل النضالي الاستعراضي مدمر، ولا يأتي إلا بنتائج عكسية. على المجاهد والمناضل أن يتعلما عدم البوح بسر حتى لأنفسهم، وعليهما أن يعلما أن الثائر خلوق ودود حريص على الناس ومصالحهم وممتلكاتهم.
سابعا: يجب أن نتوجه إلى الإنتاج فنستصلح الأرض ونزرع القمح والزيتون. نحن لن نحقق الاكتفاء الذاتي، لكن علينا أن نحاول، والرغيف سيكفينا إن تقاسمناه بعدل.
ثامنا: من الضروري أن نتخلى عن أموال الدول المانحة لأنها أموال مسمومة ولا يقصد منها سوى تدمير الشعب الفلسطيني. بريق الراتب الآن يغرينا، لكن هذا الراتب سيلقينا في الشارع في النهاية باحثين عن فتات قد لا نجده.
تاسعا: علينا تغيير تحالفاتنا ومصادر تمويلنا دون أن نبيع أنفسنا أو نجير قراراتنا لصالح هذه الجهة أو تلك. هل يخلو الوطن العربي والعالم الإسلامي ممن يريدون دعمنا دون مقابل؟ لا.
عاشرا: علينا أن نرتقي بالتعليم، وأن نحرص على تطبيق القانون بالعدل. مؤسساتنا التعليمية كسيحة سواء على مستوى المدارس أو الجامعات، والعديد من المدرسين بحاجة لمن يدرسهم. الوضع التعليمي في فلسطين خطير جدا، وهو وضع يساهم في كثير من الأحيان في تغييب الوعي الوطني وتعزيز الخضوع والاستهتار.
هذه نقاط ليست سهلة التطبيق، وتحتاج إلى جهد وسهر وتعب وتضحيات، لكن البديل هو أن نفقد أنفسنا وتذهب ريحنا ويتبخر وطننا، ونضيع بين أقدام اللئام. الجهود المطلوبة تتطلب الصبر والمثابرة والمعاناة، لكن ذلك يهون مقابل الذل والهوان. فهل نريد ان نحيا بعزة وشرف ووطن حر، أم نريد راتبا مغمسا بالذل من أهل الغرب؟ يأتيك راتبك الآن مقابل وطنك، لكن ابنك سيجد نفسه في المستقبل بلا راتب وبلا وطن. فأيهما تختار: الطريق الأقصر وهو طريق التضحيات المبرمجة علميا وبهدوء، أم طريق الوعود الغربية الكاذبة؟
لن تتوقف إسرائيل عن مخططاتها، وأوضاعنا الآن مغرية لها لكي تتقدم مستهترة بكل الصراخ والعويل، لكنها ستبدأ بالتفكير مرارا عندما ترى أرجلنا قد بدأت تخطو من أسفل السلم إلى أعلى. الشعب القوي المتكاتف المتضامن المتكافل يخيف عدوه حتى لو لم يكن بيده سلاح لأن تماسكه لا بد أن يأتيه بالسلاح.
www.deyaralnagab.com
|