logo
"جائزة البوكر العربية" وتعزيز الرواية!!

بقلم : د. خالد الحروب ... 10.03.2010

الروايات الست التي وصلت إلى القائمة القصيرة في مسابقة جائزة البوكر العربية في حفل توزيع الجوائز في أبو ظبي الأسبوع الماضي استحقت موقعها في القائمة وبجدارة. هذه الروايات هي: "ترمي بشرر" للسعودي عبده خال وقد فازت بالمرتبة الأولى, و"أميركا" للبناني ربيع جابر, و"السيدة من تل أبيب" للفلسطيني ربعي المدهون, و"يوم غائم في البر الغربي" للمصري محمد المنسي قنديل, و"عندما تشيخ الذئاب" للأردني جمال ناجي, و"وراء الفردوس" للمصرية منصورة عز الدين. بعيدا عن التنوع الثري في الموضوعات التي تطرحها هذه الأعمال, اشتغلت الأشكال الإبداعية التي قدمتها, والتجريبية المتصاعدة في السرد الروائي على المحافظة على المعايير الفنية الأدبية كأساس للنقد الروائي. مراحل عمل جائزة البوكر العربية واستقلالية لجان التحكيم التي تعين كل سنة, وعدم التدخل من قبل المؤسسة الراعية, وهي مؤسسة الإمارات, قاد كله إلى أن تصبح هذه الجائزة وفي خلال ثلاث سنوات الجائزة الأهم في مجال الرواية العربية.
قدمت الجائزة خدمة كبيرة في أكثر من مجال للعمل الإبداعي الروائي العربي. في المقام الأول ومن خلال آليات عملها وفتح المجال للأعمال المتنافسة تعمل الجائزة على الترويج لقوائم الروايات التي لها تميز وتفرد وتضعها تحت الضوء. ففي كل عام يتقدم للمسابقة حوالي 120 رواية تكون قد نُشرت في الفترة المخصصة, ويتم تقييمها من قبل لجنة التحكيم وانتقاء ما يطلق عليه "القائمة الطويلة" والتي تتضمن 16 رواية. ثم في مرحلة لاحقة يتم اختصار هذه القائمة الطويلة إلى "قائمة قصيرة" من ست روايات فقط, ومنها يتم ترشيح وإعلان الرواية الفائزة بالجائزة الأولى. بين الإعلان عن القائمة الطويلة ثم القائمة القصيرة ثم الرواية الفائزة هناك عدة أشهر بما يتيح تغطيات إعلامية واسعة ونقاشات وسجالات تتواصل عدة شهور. وهذه الفترات الزمنية مقصود تباعدها بين الإعلان والآخر حتى توفر كل ذلك النقاش الذي ينتهي في نهاية الأمر إلى تقديم قائمة بأسماء الروايات الأهم في كل عام للقراء. وكثير من متابعي الروايات أصبحوا يعتمدون القوائم الطويلة والقصيرة في قراءاتهم السنوية, بل وينتظرونها.
إضافة للتعريف والترويج السنوي والدائم يؤدي التنافس بين الروايات إلى ترقية الصنعة الإبداعية والفنية في الأعمال الروائية المقدمة. ففي كل عام هناك زيادة في الغنى والتنوع والمغامرة التجريبية في الروايات المتنافسة, وهذا يعزز من قيمة وعمق هذا اللون الإبداعي الكتابي الذي يمكن القول أنه الأكثر شعبية في العالم. وعلينا أن نقول أن فن الرواية بشكله الحالي دخل حديثا إلى الأدب العربي, ويؤرخ له عادة برواية "زينب" لحسين هيكل عام 1914, أي بعد قرنين إلى ثلاثة قرون من نشوء هذا الفن في الغرب. يمكن بطبيعة الحال القول أن بعض الآداب العربية الكلاسيكية تقع قريبا من فن الرواية مثل "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة" و"مقامات الحريري", وهذا سجال ليس هنا مكانه. لكن القصد المُراد الإشارة إليه في هذه السطور هو أن تسارع الاهتمام بفن الرواية والتبحر في الأشكال الإبداعية الخاصة بها وضع في السنوات الأخيرة كثيرا من الروايات العربية في مصاف الأعمال الإبداعية المشهورة عالميا والمترجمة إلى عشرات اللغات, مثل رواية "عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني.
والترجمة نفسها هي إحدى الفضائل الأخرى التي توفرها جوائز الرواية ومنها جائزة البوكر الحديثة. فهناك عدد مهم من الروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة في السنتين الماضيتين تمت ترجمته إلى العديد من اللغات الغربية أو الشرقية, هذا فضلا عن الرواية الرئيسية التي تفوز بالمرتبة الأولى والتي يتسابق على الحصول على حقوق نشرها في بعض اللغات الأخرى ناشرون ووكلاء نشر عالميون (مثل "واحة الغروب" لبهاء طاهر في الدورة الأولى للجائزة, و"عزازيل" ليوسف زيدان في الدورة الثانية, و"ترمي بشرر" لعبده خال في هذه الدورة).
بيد أن "جائزة البوكر" وكما هو حال أي جائزة تشتغل بالعمل الإبداعي تواجه دوما نقدا حول معايير التقييم ولماذا تم تقديم هذا العمل على ذاك. وهو سؤال يبدأ بالتوجه إلى جائزة نوبل للآداب ويصل إلى كل جائزة أدبية في العالم. فمعايير تقييم أي عمل إبداعي, شعري أو روائي, التي تتفق عليها أية لجنة تحكيم تظل تدور في مراحلها الأخيرة في دائرة التذوق الفردي الخاص بكل فرد من أفراد اللجنة. بمعنى أن جزءا من التقييم والانحياز إلى الأعمال له علاقة بالذائقة الخاصة, وهو أمر لا مناص عنه. هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن عملاً رديئا أو شبه رديء يمكن أن يصل إلى القائمة القصيرة. كما أنه لا يعني عدم إمكانية التوافق على أسس ومعايير عامة مثل جدة الموضوع الذي تطرحه الرواية, براعة التناول, الجماليات الفنية فيه, اللغة الشيقة, المغامرة التجريبية, الكثافة السردية, وغير ذلك كثير. لكن غالبا ما تنطبق هذه المعايير على أكثر من عمل من الأعمال المُتنافسة وخاصة على تلك الروايات التي تصل إلى القائمة القصيرة. وهنا وفي هذا الحالة تبرز الصعوبة الحقيقية وتتدخل الذائقة الفردية الخاصة بكل عضو من أعضاء لجنة التحكيم. ولا يبدو أن ثمة حل لهذه المعضلة سوى محاولة المحافظة على مستوى رفيع وعال من لجان التحكيم, بغية تقليل المعايير الذائقية غير الموضوعية للحد الأدنى. لكن هذا يستتبع طرح مشكلة أخرى متعلقة بتكوين لجان التحكيم. فاعتمادا على الخبرات المختلفة في دول العالم في هذا المجال هناك توجه شبه مُتوافق عليه وهو أن لا يتم حصر لجان تحكيم الأعمال الروائية في إطار نقاد الأدب وحسب. فالرواية أصبحت فنا شعبيا يحرص على متابعته شرائح أوسع بكثير من الدوائر الضيقة للنقاد الأدبيين. والقصد هنا أن تكون هناك مساهمات في تقييم الروايات من قبل الجمهور العام, بحيث لا يبقى التقييم جامدا ومدرسيا ومحصورا. ومع وجاهة هذا الطرح لكنه, وكما تقول الروائية الأردنية عفاف البطاينة, لا ينطبق تماماً في الحالة العربية كما قد ينطبق في حالات الرواية الغربية مثلاً. وذلك لأن الذائقة العامة وتقاليد قراءة الرواية ما زالت في مراحل أولية في المنطقة العربية, ولم ترتفع بمجملها لدرجة معقولة يمكن الاعتماد على بعض منها في تقييم الروايات مقارنة, مثلاً, بالحال عند القراء البريطانيين حيث جائزة البوكر الأم. يستمر هذا النقاش ويظل مفتوحاً وانفتاحه هذا فضيلة أخرى من فضائل الاهتمام بالرواية الذي تكرسه البوكر وسواها من الجوائز في المشهد الثقافي العربي.


www.deyaralnagab.com