اللاجئون اليهود في فلسطين..!!
بقلم : سهيل كيوان ... 11.03.2010
اتخذت أعلى هيئة تشريعية في إسرائيل (الكنيست) في الأسابيع الأخيرة قراراً يقضي بعدم عقد أية اتفاقية سلام مع أية دولة ما لم تعوّض هذه الدولة اليهود الذين هاجروا منها مخلفين وراءهم أملاكهم!
الكنيست طالب بتعويض اليهود ولكنه لم يطالب بحق عودتهم إلى مواطنهم الأصلية لأنها ستفاجأ وقد تُحرج لأن العرب يرحبون بعودة اليهود إلى مواطنهم الأصلية، فهم بالأصل لم يطردوا منها، ولم تحدث أي مجزرة تبرر 'لجوءهم' إلى فلسطين! بل إنهم مُنحوا في العراق مثلا فرصة لمدة عام ليفكروا ويقرروا إما البقاء في وطنهم كمواطنين كاملي الحقوق أو الرحيل والتنازل عن جنسيتهم العراقية، ولكن خلال ذلك العام من مطلع الخميسنيات اشتغل (الموساد) على ضرب مصالحهم وتفجير أماكن تجمعهم لترويعهم وحثهم على خيار الرحيل، ومثل هذا حصل في الشام وفي مصر وغيرها!
قرار الكنيست هو محاولة لإيهام الرأي العام المحلي والعالمي بأن هناك قضية مهجرين من الشعبين، والتعويض بكل بساطة يتم بشكل تبادلي، ومن يدري! فبعد جرد الحسابات الدقيقة قد يتضح وهذا هو الأرجح أن العرب مدينون لليهود بـ 999 مليار دولار بعد التنزيلات!
لا أحد ينكر أن غزو فلسطين وترحيل أهلها بقيادة 'جنرال الرعب' من خلال تقديم نماذج من المجازر المهولة سبّبا غضباً شعبيا تجاه اليهود في البلدان العربية علماً أن معظم هذه البلدان كان تحت الوصاية الأجنبية، ورغم هذا لم يسمع أحد عن آبار ملئت بالجثث ولا عن ساحات إعدام جماعية ولا عن قرى أو أحياء يهودية هدمت كما حدث وما زال حتى في أيامنا هذه لأحياء القدس العربية!
واضح من القرار الإسرائيلي أن قضية اللاجئين الفلسطينيين وأملاكهم هي أكثر ما يقلقهم دون أن يجهروا بذلك! فهم يدركون أن هذه القضية هي لب المشكلة ولا بد أن تطرح في يوم ما على طاولة المفاوضات قبل أي تسوية نهائية سواء بعد عدة حروب قادمة أو قبلها أو في فسحات الاستراحة بين حرب وأخرى! وعندما نقول لاجئين نقصدهم بكل أصنافهم بمن في ذلك واحد من كل أربعة فلسطينيين يعيشون في داخل وطنهم والذين سُنّ لأجلهم قانون 'الحاضر غائب'، وهو اصطلاح سوريالي أقرب إلى عالم السحر وقبعة الإخفاء منه الى السياسة!
قبل أيام اكتحلت عينا صديق فلسطيني قديم بسماء بلاده، وتنفس الهواء الأكثر تلوثاً في منطقة حيفا لأول مرة منذ مولده في أحد مخيمات الشتات، وصل بجواز سفر ألماني، التقى بأقربائه في عكا وحيفا وشفاعمرو والفريديس، وحول إحدى موائد الغداء راح 'الحاضرون الغائبون' يسألون عن أقربائهم الغائبين واستحضروهم! تناقلت الأيدي الزاد والصور القديمة بالأسود والأبيض..هذا عمك الفهد يوم زفافه...ولكنك تشبه عمك نمر أكثر..! إذا كنت شاطراً فاحزر من هذا!..أنظروا جيدا الى جبينه..كم يشبهنا! وقالت سيدة رائقة الوجه بما يشبه المداعبة 'إنه يشبه زوجي الراحل'! صديقي مطلق مرتين، مرة طلاقاً بائناً بينونة كبرى من امرأة سورية وطلاقا غير بائن من امرأة ألمانية ما زال يحن إليها وتحن إليه وقت الحاجة!
تساءلت إحدى الخالات فجأة...لماذا لا تتزوج بفلسطينية....تعال نزوجك! هذه الدعوة المباشرة كانت لها اهتزازات ارتدادية، فلفت إحدى الآنسات ساقا فوق ساق وتنحنحت وشالته وحطته بنظراتها..! بينما انتفضت أخرى بقوام رشيق قائلة 'أنا سأعدّ القهوة'! واستغرقت ثالثة بالشرح المفصّل لأفضل طرق إعداد الباذنجان المخلل المحشو بالفلفل الذي استساغه ضيفنا الكريم!
خلال الحديث عن شجرة العائلة وتصنيفها فرداً فرداً، أكد أكثر من واحد أن الجد كان فحلاًً يرفع الرأس، والدليل أنه كان متزوجاً من ثلاث نساء! حينئذ همستُ لصديقي'يبدو أنه استعان عليهن بالزنجبيل، فهو مقو للباه إذا شرب مغلياً مع اليانسون أو القرفة ومحلى بالعسل، أما إذا خلط مطحوناً بالعسل واللوز والحبة السوداء، فإن فيه سراًعظيماً كما قال (صادقاً) العلامة أبو داوود الأنطاكي'!
فرد الصديق صاحب الفكر التحليلي: 'الأرجح أن الجد كان بحاجة للأيدي العاملة من النساء والأطفال لمساعدته في فلاحة ستمئة وثمانين دونماً من الأرض كان يملكها في 'خربة سعسع'! وهي قرية كانت قائمة شرقي حيفا حولتها النكبة إلى حديقة وطنية إسرائيلية بما فيها بيت الجد الذي ما زال قائماً وصالحاً لاستراحة السائحين!
وهنا فتحت سيرة أملاك الغائبين التي يعرفها الجميع!
السيدة التي قالت إن الضيف يشبه زوجها الراحل تحدثت بحياء عن محام لا تعرف كيف وصلها قبل أربعة أعوام وزفّ لها بشرى إمكانية أن تربح عشرات آلاف الدولارات! فسألته السيدة مستغربة كيف يكون هذا وليس لي في الربح نصيب سوى القليل منها! فرد أن بإمكانها الحصول على تعويض لها من حصة والدتها مقابل الأرض التي صودرت عام ثمانية وأربعين في 'خربة سعسع'! السيدة الحاضرة الغائبة فوجئت بالعرض الذي هبط عليها من حيث لا تحتسب واعتقدت أنها ملكت خاتم سليمان وهي بأمسّ الحاجة! فأسرعت ووقعت متنازلة عن حصتها من الأرض المصادرة من حصة والدتها الراحلة! وبالفعل فقد ساعدها المبلغ الذي حصلت عليه، فقد أضافت عليه مبلغاً آخر واقتنت شقة في أحد الأبراج في عكا وهي تظن أنها رابحة! ورغم الإدانة التي انهالت عليها من كل حدب وصوب فقد تحدثت بمنطق يائس وهو أن الأرض ضاعت وحتى من يقترب منها يطردونه 'كما حدث مع خالي الفهد الذي جلس هناك على بلاطة ليستريح، وعندما عرفوا أن أصله من الخربة نفسها هددوه بأمر لن يعجبه إذا بقي دقيقة أخرى هناك، وما دام الأمر كذلك أليس التعويض مهما كان ضئيلاً أفضل من لا شيء!'.
حينئذ تدخلتُ...ولكن لماذا يدفعون لك تعويضاً ويحتاجون لتوقيعك ما دامت قضية الأرض منتهية! المسؤولون في إسرائيل يدركون أنه لا بد وأن يأتي يوم تطرح فيه قضية أملاك من هجروا من وطنهم سواء تحت وطأة المذابح أو رغبة في السياحة في مخيمات الشقاء، ولمثل هذا اليوم تعد السلطات نفسها لتكون جاهزة في يوم ما لإشهار توقيعك بوجه أحفادك 'عن أي حقوق تتحدثون..جدتكم حصلت على تعويض'! !يا سيدتي الساذجة أنت وأمثالك من الضعفاء اليائسين، إن حقاً كهذا لا يموت ولا يسقط بالتقادم، لا بقرارات كنيست ولا بالجدران الشائكة ولا بلافتات: الدخول ممنوع منعاً باتاً والمخالف يعاقب..ولا يسقطه فجور القوة ولا الانشقاقات الفلسطينية التعيسة ولا التواطؤ الدولي والهوان العربي. إنهم يدركون أن قضية أملاك الغائبين والحاضرين الغائبين حاضرة ولا بد أن تطرح في لحظة ما! ولهذا يحاولون أن يصلوا تلك اللحظة بأقل ما يمكن من العوائق بإغراء الضعفاء بثمن بخس مقابل الأرض، سماسرتهم لا يكلون ولا يتعبون في الداخل وفي الشتات! قرار الكنيست الذي قصد إبراز قضية أملاك اليهود في الدول العربية يجب أن يعيد إلى الواجهة وبقوة حقوق المهجّرين الفلسطينيين على أملاكهم سواء كانوا غائبين أو مغيبين أو حاضرين غائبين..إلا أن قرار الكنيست كان منقوصا لأنه استثنى حق عودة اللاجئين اليهود في فلسطين إلى بلدانهم الأصلية، أسوة بحق الفلسطينيين الثابت بالعودة إلى وطن آبائهم وأجدادهم وبالتعويض اللائق والمتناسب مع حجم معاناتهم......
www.deyaralnagab.com
|