بقلم : سهيل كيوان ... 25.03.2010

كان أول من أحضر مكبر صوت الى القرية واستخدمه كمصدر لمعيشته، في البداية اقتصر استعماله على الأفراح، كان يثبته على دراجة هوائية ذات عجلات ثلاث ويمضي مع صف السحجة ملاحقاً الحدّاءين بالأسلاك التي تصل بينهما وبين مكبر الصوت، الحادي يكرمه ويخصه بالتحية منذ بداية المشوار ثم يطالبه (حداء) بضبط الصوت إذا ما تعرض الجهاز لوعكة صوتية صعوداً وهبوطاً أو سرسكة وحتى سكوتاً!
تغيرت طريقة الاحتفاء بالعرسان واختفت طوفة العريس التي تستوجب طاقات بشرية كبيرة وتعطيل أعمال ووقتاً يبدو أنه صار عزيزاً لدى من كانوا في يوم ما أغنى أغنيائه! صاروا يتباخلون بالفرح، وبعدما كان يستغرق أسبوعاً من التعاليل والسّحجات والدبكات اختصر إلى سهرة وزفة في ساحة الحي، أو في ساحة المدرسة مقابل تبرع مالي للمديرة الحديدية، أو في الشارع العام بعد إغلاقه من الجهتين!
وتلبية للحاجة أضاف أبو حسام إلى مكبر الصوت كراسي وطاولات وثلاجة كبيرة على عجلات لجرها ومسرحاً ليُصمد عليه العروسان، واستبدل الدراجة الهوائية بسيارة (تندر)، وصارت الدعوة الى العرس بمكبر الصوت بعدما كانت شخصياً وبيتاً بيتاً....
- يا أهالي قريتنا الكرام باسم فلان الفلاني أبو فلان ندعوكم الى زفة العريس والسهرة والمولد النبوي الشريف وتناول طعام الغداء بعد المولد مباشرة! ولكن ليس هذا فقط...
- تعلن محلات اليرموك للألبسة عن حملة تنزيلات غير مسبوقة..إدفع ثمن بنطلون جينس واحد وخذ الثاني ببلاش...يا بلاش!
- إسمعوا مليح....في ملحمة الأمانة..كيلو لحم العجل بخمسة وثلاثين وبس...إلحق حالك يا أبو العيال....يا بلاش...
- المركز الجماهيري يدعوكم لتسجيل أبنائكم للدورات التالية...لغات....رياضيات...صحافة...كمبيوتر...تطريز...طبخ للشباب والبنات.....دبكة....يلا بلاش كسل....
- بسم الله الرحمن الرحيم...يا أهالي قريتنا الكرام نعلمكم عن افتتاح المخبز الجديد في الحارة الشرقية تحت دار أبو معيوف...خبز أرغفة عادي...خبز صاج...مناقيش بزعتر وجبنة وبصل...تشكيلة من المعجنات...ربطة الخبز بستة شيكل يا بلاش.....
- قسم الجباية في المجلس المحلي يدعوكم لتسديد ضريبة الأملاك وأثمان المياه حتى نهاية الشهر الجاري وذلك قبل اتخاذ الإجراءات القانونية والحاضر يعلم الغايب....وقد أعذر من أنذر...(يا جماعة أنا ما دخلني...هذا رئيس المجلس)...
- يا أهالي قريتنا الكرام باسم الحزب الـ........ندعوكم لحضور الاجتماع الانتخابي الشعبي الكبير الذي سيتحدث فيه (النائب..الشيخ...الرفيق..الأستاذ...الدكتور الخ)...هلمّوا بجماهيركم!
كبرت البلدة ونشأ له منافسان شابان في المهنة فهو لم يعد قادراً لوحده على سد حاجات البلدة!
في الأتراح يتبرع أصحاب هذه المهنة بالكراسي لأهل الفقيد ولمن يدعونهم إلى وجبة الطعام بعد الدفن مباشرة، وذلك لكسب الحسنات، وهذا وعد ضمني باستئجار هذا العتاد في موسم الأفراح!
تذكرني ألوان آذار (مارس) وروائحه بيوم الأرض الأول وبمكبر صوت أبي حسام البدائي ذي الأسلاك! كانت الأجواء عشية هذا اليوم إرهابية فرضها رجال المخابرات وعملاؤهم، فهي أول مرة يعلن فيها العرب إضراباً عاماً لحماية الأرض! تجمع الشبان في ساحة العين! وبعد مشادات كلامية وتهديدات وتوترات بينهم وبين رجال المخابرات وبعض العملاء، انطلقت مسيرة غاضبة كانت الأولى من نوعها وحجمها في البلدة منذ عام النكبة، يتوسطها مكبر الصوت البدائي المثبت على الدراجه الهوائية....
نادى المنادي في الجليل
أرض العروبة للعرب
جليلنا ومالك مثيل
وترابك أغلى من الذهب
ما نرضى بالعيش الذليل
لو صرنا لجهنم حطب
حتى وصلت المسيرة بيت رئيس المجلس البلدي، دخل باحة منزله وفد من عشرات الشبان والشابات والأطفال والنساء والرجال الغاضبين وسلموه عريضة الاحتجاج على موقفه المناوئ لرغبة الجماهير! ثم مضت المسيرة الى شارع عكا ـ صفد الرئيس لتغلقه، بعد أيام دعي عدد من الشبان للتحقيق لدى المخابرات ومنهم أبو حسام!
- لماذا جعلت هؤلاء الزعران يستخدمون مكبر الصوت خاصتك؟..
- إنها مهنتي...
- لا تتغابَ...لقد حرضوا على التمرد والعصيان ضد الدولة...وهذه تهمة خطيرة!
- يا سيدي..من يدفع لي أجرة مكبر الصوت أمنحه له...ولا شأن لي بماذا يستعمله...!
ـ ولكنهم هتفوا ضد دولة اسرائيل....
ـ هات لي أجرة مكبر الصوت...وخذه واهتف ضد جامعة الدول العربية من الآن حتى الغد!
ـ طيب انقلع من هنا....!
- ها أنا قد انقلعت...
رغم تجاوزه الثالثة والسبعين ما زال صوته وطريقته بتقديم بضاعته تجذب انتباه المستمعين....
قبل أيام كنت واقفاً أمام بيتي، مر بسيارته مبطئاً وألقى التحية من خلال مكبر الصوت...ثم نفخ منبهاً..وبدأ ينادي...يا أهالي قريتنا الكرام...ندعوكم للتصويت لابن قريتنا البار (.....) في برنامج (نيوستار العرب) على فضائية (مِكس)...طريقة التصويت بواسطة الهاتف وهي كالتالي...إسمعوا مليح...اتصلوا على رقم نجمة سبعة سبعة ثلاث واكتبوا كلمة ستار....ثم اضغطوا على الرقم (سُطّعش)...شجعوا ابن قريتكم..وكان الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.....ثم التفت مبتسماً من نافذة السيارة باتجاهي ومضى....
لم تمض ساعتان حتى عاد مرة أخرى لينادي بصوت أكثر جدية ورزانة...بسم الله الرحمن الرحيم...يا أهالي قريتنا الكرام ندعوكم للسفر إلى القدس الشريف للصلاة، أولى القبلتين وثالث الحرمين يناديكم....السفر مجاني على نفقة فاعلي الخير...تنطلق الحافلات من ساحة العين بعد صلاة الفجر....ولا تنسوا أنكم الرابحون...فالركعة هناك بخمسين ركعة....تقبل الله....