دفاعا عن الثوابت!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 05.05.2010
من جديد تعود مجموعة أوسلو للتفاوض مع حكومة الكيان الصهيوني والاستيطان، برعاية عربيّة رسميّة...
ومن جديد، وهو قديم، تُقدّم حفنة من الأشخاص ما عادوا يمثلون أحدا سوى بعض المنتفعين، ما تبقّى من حقوق فلسطينيّة، وليمةً لنتنياهو والعصابة التي يقودها، ويسهلّون عمليّة ابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينيّة التي لن يبقى منها في نهاية المفاوضات المباشرة، وغير المباشرة، سوى مساحات أرض لبيوت تضيق على ساكنيها.
ولأن المأزق الفلسطيني تفاقم منذ بدأت مسيرة أوسلو، فقد تواصلت مواقف النقد، والاحتجاجات، ونشر البيانات، والنداءات، وكتابة المقالات والدراسات المحذّرة من كارثية مسيرة نهايتها ضياع فلسطين.
كل أشكال الاحتجاج لم تجد مع السادرين في غيّهم، ولم تردع المارقين الذين فاقموا الأزمة بما ابرموه من اتفاقات هي تنازلات للعدو، في جنيف وغيرها، ولذا بدأت الدعوات في التجمعات الفلسطينيّة، ولدى بعض الكتّاب والمفكرين والمثقفين، لبلورة حالة جماهيريّة، تتصدى، وتواجه، وتكون فاعلة، وغير موسميّة.
بعض هؤلاء الكتاب والمثقفين الفلسطينيين لهم مواقف مبكّرة، وكتابات كاشفة ناقدة لأطروحات (التسوية) التي أعلنت عن نفسها بعد حرب تشرين 1973، ورفعت شعار: الدولة على أي شبر ينسحب منه الاحتلال... الغريب أن اليسار الهجين لعب دور البلدوزر ليمين فلسطيني ضيّق الأفق، أقلم القضيّة، وانتزعها من أفقها العربي، ومضى بها إلى المأزق الخانق الراهن.
الثوابت تضيع: الأرض..فلسطين، حّق العودة المقدّس، القدس..والقدس مدينة واحدة وليست جزءا، أو جهة غربيّة و شرقيّة، و..حق الشعب الذي يغزو الاستيطان والاحتلال أرضه ..بالمقاومة.
التحرّك مبرر، وتأخره هو غير المبرر.
ولكن، لا بدّ من التذكير بأن الفلسطينيين مشتتون في بلاد العالم، وقارات الأرض، والتواصل بينهم صعب رغم أن وسائل الاتصال باتت تسهّل هذا التواصل، والذي لا يغني عن اللقاءات والحوارات المباشرة، وليس على الإنترنت، وبالهاتف.
انتشار الفلسطينيين رغم أنه مأساوي لهم أُسرا، وأفرادا، وأبناء قرى ومدن واحدة، فإنه لم يبدد قدراتهم، بل إنه في جانب منه يحميهم من الإبادة والتدمير، وينجيهم من المكائد..وما أكثرها في بلاد يحكمها من يناصبونهم العداء ويكيدون بهم قضيّةً وشعبا!
في الأسابيع الماضية سمع الفلسطينيون، والمتابعون المعنيون العرب، بالهيئة الوطنيّة الفلسطينيّة للدفاع عن الحقوق الثابتة، والتي أعلن عن تأسيسها في مؤتمر صحافي عقد في بيروت، يوم الأربعاء24 شباط/فبراير 2010، بحضور عدد كبير من مراسلي الفضائيات، والصحافيين، والقيادات السياسية اللبنانية المشهود لها بالوطنية والانحياز لخيار المقاومة، تلا فيه بيان الهيئة الكاتب والصحافي بلال الحسن، وبحضور بعض المؤسسين، الذين منهم من كان على المنصّة، ومنهم من تواجد في القاعة، ناهيك عن الذين تغيّبوا لأسباب، وحضر المفكّر عزمي بشارة بصوته لتعذّر حضوره، معلنا انحيازه للهيئة.
قبل أيّام صدر عن الهيئة كرّاس يضم النداء الذي وجهته لأبناء الشعب الفلسطيني، وكلمة الافتتاح في المؤتمر الصحافي، والوثيقة التأسيسية (بيان فلسطين)، وبيان التحرّك.
بحسب متابعتي، فإنني أرى أن الهيئة قد بدأت تحدث تفاعلاً في الأوساط الفلسطينيّة داخل فلسطين، وفي الشتات، لأن السؤال: كيف المخرج من الأزمة، وإنقاذ القضيّة، وإيقاف حالة الانهيار، وعودة القضيّة للشعب الفلسطيني، ولأمتها العربيّة؟ ـ والسؤال يطول ويتفرّع ـ يلّح على شعبنا حيثما تواجد، على أرضه وفي الشتات، ولأن من فاقموا المأزق، وبحسب الخبرة بهم، ومعرفة تفكيرهم، وافتضاح خياراتهم، لا إمكانية لتراجعهم عن الغلط، وعودتهم إلى شعبهم، وتخليهم عن استهتارهم بهذا الشعب، والكّف عن التصرّف بقضيته وكأنها سلعة في سوق النخاسة، وليست قضيّة مقدسة يتوقف عليها مصير الأمة العربيّة من محيطها إلى خليجها!
في النداء الذي وجهته الهيئة: وقد تنادى عدد من إخوانكم، وأخواتكم القلقين على مستقبل الفلسطينيين مجتمعا وشعبا وكيانا، وبخاصة على مستقبل الشباب منهم، للدعوة إلى تأسيس هيئة شعبية سياسيّة ثقافيّة غير حزبيّة، وغير فصائليّة، تهدف هذه الهيئة لحماية الحقوق الثابتة لشعب فلسطين، وهي تسعى لإشراك الجمهور الفلسطيني مباشرة في عملية حماية هذه الحقوق (ص3 الكرّاس الأوّل للهيئة)
للهيئة أهداف، وهي تطمح أن تؤطّر عملية إشراك الجماهير الفلسطينيّة، وهي تتطلّع إلى الشباب ـ الذين تعجز الفصائل عن استقطابهم، واستيعابهم ـ وهكذا فهي وإن كانت غير حزبيّة، وغير فصائليّة، فهي لنجاحها في بلوغ أهدافها البعيدة والقريبة، لا بدّ من أن تبتكر صيغا للتواصل، وتنظيم القدرات..وهذا لا يغيب عن فكر القائمين على الهيئة، بدليل ما ورد في الصفحة 4: ومن هنا لا بدّ من خلق إطار وعنوان.
الإطار والعنوان نقيض الانفلاش، والتجميّع العشوائي، و..قيادة معلقة في الفراغ تقود (قطيعا) من المؤيدين، وهذا ما لا يقبله مفكرون ومثقفون ومناضلون مجربون!
في بيان التحرّك، وأسبابه، جاء ما يلي: وبعد أن لاحظنا وسجلنا أن الحقوق الفلسطينيّة الثابتة في الوطن والأرض، وفي حق العودة، وفي حق تقرير المصير، وفي التعويض عن مآسي الاحتلال وجرائمه، وفي الحفاظ على مدينة القدس وحرمتها، قد أصبحت كلها معرضة للضياع أو التفريط ...نعلن عزمنا على العمل في الأوساط الشعبيّة الفلسطينيّة (ص19).
العمل يبدأ من الفكر الذي يترجم عملاً وفعلاً، يحمله مؤمنون، يبذلون الجهد والمال والوقت..وهذا يتناقض مع العفوية، والارتجال، والموسميّة.
القائمون على هذا العمل، والمنخرطون فيه، أكبر من أن يجيّروا لجهات فلسطينيّة مأزومة، وعربيّة مهما كانت نواياها ومواقفها، لأنها تبقى أدنى بكثير من تطلعات وطموحات شعب فلسطين.
كان اسم (التجمّع الوطني الفلسطيني) هو الذي رسى عليه الاختيار، ولكن جهة فلسطينيّة سبقت بأيام قليلة الإعلان عنه، ولذا اختير اسم (الهيئة...)، والجوهر عمل جبهوي يضّم كل من يؤمن بالأهداف مهما كانت خلفيته العقائديّة، فما دام يؤمن بعروبة فلسطين، وبميثاق منظمة التحرير، وبضرورة (إعادة) بناء المنظمة انطلاقا من الميثاق، ومؤسسة المجلس الوطني الفلسطيني، وبناء المؤسسات وفي مقدمتها جيش التحرير الوطني الفلسطيني، وإعادة بناء مركز الأبحاث، والاتحادات والمنظمات الشعبيّة... فإن هذا الإطار(الهيئة...) يتسع له، وإن كان لا يتسع للراغبين في الشهرة، أو تحسين ( أوضاعهم) السياسية في فصائل كانوا قادة فيها.
تنطلق الوثيقة التأسيسيّة من نقد أوسلو، والذي هو تتويج لمسيرة سياسية غير مصادفة، وتثبّت 10 بنود تبدأ من جوهر الميثاق: شعب فلسطين هو شعب واحد، وقضيته واحدة.
والبند الثاني: قضية فلسطين هي قضية العرب، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم، فعبر إقامة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينيّة تمّ استهداف العرب: وحدتهم، وثرواتهم، ونهضتهم.
في هذا البند تصحيح لعلاقة فلسطين بأمتها.
وفي البند الثالث: حق العرب بمقاومة الاحتلال (الإسرائيلي) لأرض فلسطين، وحق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم غير مشتّق من القانون الدولي، ولا من قرارات الأمم المتحدة، بل من التاريخ والجغرافيا والحقوق الإنسانيّة والطبيعيّة.
أردت أن أشير إلى منطلقات الهيئة، والتي يمكن قراءتها على موقعها الذي سيظهر قريبا، أو بالإطلاع على كرّاسها.
ثمّة نقد للمادة 6، والتي أرى أن التمسّك بالميثاق، والمنطلقات، توضحها، ناهيك عن الرفض المطلق للصهيونيّة فكرا وممارسة وكيانا...
المؤتمر القادم سيرسّخ الخّط والتوجّه الفكري والسياسي والتنظيمي، وسيحدد مستقبل الهيئة التي بدأت تجتذب عشرات الفلسطينيين المتميزين، و..عنصر الشباب، وهو ما يبشّر بأن الهيئة ليست طلقة في فراغ، ولكنها طلاق مع نهج ثبت فشله، واستعادة شعب فلسطين لقضيته، وعودة بفلسطين إلى حضن أمتها.
www.deyaralnagab.com
|