وداعا للضعف الجنسي !!
بقلم : سهيل كيوان ... 22.04.2010
نصب الشبان المتحمسون خيمة للأسرة المنكوبة في فسحة على قارعة الطريق، وما لبث أن وصل فراش وأغطية وملابس بعضها جديد وليس (يداً ثانية) كما هي العادة، ووجبات كانت كاملة بالفعل وليست بقايا طعام تبرع بها أصحاب المطاعم القريبة! وشاي وقهوة وسكر، كذلك معلبات لا تأنف حتى القطط الأصيلة من تناول محتوياتها!
بسرعة تحولت الخيمة إلى ملتقى للسهر والأنس والندوات حول موقد الحطب، ودارت حوارات معتادة حول تاريخ المدينة، تأسيسها وأسماء القادة الذين حكموها، الحقب التاريخية التي مرت بها فدمرت أو ازدهرت، دُنست أو طهرت، حُررت أو احتلت، وجداول الدماء التي أهرقت في أزقتها ولطخت جدرانها والرقاب التي حُزّت على مساطب معابدها باسم الإله المناوب!
تحولت الخيمة الى ملتقى فكري جامع! تحدثوا عن رياضييها ..فنانيها..مطربيها..مسرحييها..شعرائها وأدبائها ونصّابيها، وعن الصحف التي صمتت منذ احتلالها وتلك التي ظهرت واستمرت أو غابت ثم تجددت!
تحدثت سيدتان يقال إنهما تعيشان معاً حياة (زوجة وزوجة) وإنهما تتبنيان طفلاً سيقول لكليهما ماما وبابا في الآن ذاته! تحدثتا عن ألوان المتعة بالحواس الخمس إضافة لمتعة الفكر، وأن الفوز بالمتعة سواء على الأرض أو في الفردوس الأعلى هو أقصى طموح البشر، وكل الكفاح والفلسفات والآداب والأديان والعلوم والحروب والاتفاقات ليست سوى أقنعة للوصول الى أمر واحد هو المتعة، ولهذا فإن المتعة والسعي إليها هي الطريقة المثلى لوضع حد لعمل الجرافات! بينما أكد شيخ برزانة وكأنما يلخص تجربته الحياتية أن الخلاص لا يكون إلا بمواجهة الجرافة والإعداد لها بما استطعتم، لأن الدنيا ولحكمة ما خلقت حلبة للصراع وستبقى كذلك الى يوم لا تنفع فيه جرافات ولا مروحيات! واعتبر فريق آخر أن الأسرة المنكوبة جزء من البيئة وتدخل في إطار اهتمامه ويجب إيجاد حل بيئي مناسب لقضيتها هي وأمثالها إنقاذاً للمدينة من المكاره البيئية! وكان هناك إشتراكيون نادوا بالمساواة التامة بين أبناء البشر متكئين في بعض حججهم الإشتراكية على المأثور الديني! وقال آخرون..في نهاية المطاف لسنا جميعا سوى مساكين سواء كنا ضباطاً نحرك بأوامرنا أنياب الجرافات أو أولئك الذين تسقط قلوبهم في أحذيتهم عند رؤيتها وسماع صوتها، فلا خلاص إلا في بث روح التسامح والعثور على المشترك بين السكين والجزار ونحر الثور والمستهلك! كذلك وصل من قال إنه متعاطف جدا ولكنه عبد مأمور وما جاء إلا كرسول ليس عليه إلا البلاغ بأن وجود الخيمة على ناصية الطريق مخالفة وعليهم أن يفككوها وأن يبحثوا لهم عن حل آخر قبل أن يكشّر القانون عن أنيابه!
احتج البعض على المخاطر التي تهدد الفن المعماري النادر والعريق موضحاً رؤيته بالخرائط والإحصائيات والتواريخ، الى جانب كل هؤلاء كان صحافيون بحثوا عن اللحظة المؤثرة وكتبوا عن أسرة تنام وتقوم وتمارس احتياجاتها الإنسانية على قارعة الطريق! وصورة كبيرة يبدو فيها رب الأسرة كأنما تعرض لتشنج عصبي وهو جالس على صندوق خشبي هو كل ما استطاع إنقاذه من أنياب الجرافة.
تأسست جمعية فورية لجمع التبرعات، ولكن كان هناك محترفون سبقوا الجمعية في طباعة الوصولات وجمع التبرعات للغرض ذاته في المدينة وخارجها!
بعد شهرين من التخييم، صار المشهد مألوفاً، وما عاد يزور الخيمة سوى بعض الطلبة الهاربين من دروس الرياضيات والمسنين المهزومين على ملاعب الضامة.
كان مندهشاً لضخامة الأموال التي سمع وقرأ أنها جمعت، فالناس كرماء جدا وخصوصا القبائل القريبة التي أقامت أعراساً ومآتم لنصرته، رأى بعضهم يقدم مداخلات عاطفية ترقرقت لها دموع المشاهدين والمستمعين، تحدثوا عن دعم ونصرة المستضعفين في الأرض كأمر فرضه العزيز الجبار المنتقم المعين على كل بالغ عاقل، تبرع الأطفال بحصالاتهم، والنساء بمصاغهن الحبيب، وتبرعت شركات بأرباح شهر من منتجاتها، وفرق رياضية بريع ألعابها، وفنانون بريع حفلاتهم، بل وظهر أفراد متبرعون كرام من بين ظهراني أكثر الشعوب نشاطاً في التجريف والهدم على مرّ التاريخ كي يبعدوا عن أنفسهم شبح تأنيب الضمير وصورة المجرمين أمام أنفسهم أو أمام أطفالهم إذا ما سألوهم في يوم ما عن بيوت هُدمت ومزروعات جرفت وخيام نصبت وحقول أحرقت على مرمى كبسة زر من مواثيق حقوق الإنسان!
بل ان رئيس المدينة الذي وقع بقلمه المحبّب على تنفيذ أمر الهدم ظهر في لقاء تلفزيوني قائلا: 'نتفهم آلام هذه الأسرة المسكينة لأننا بشر ومن صفات البشر الالتفات إلى مصائب الآخرين وإن كنا لا نعفيها من مسؤولية ما حدث'!
التبرعات التي فاضت وانفجرت كالسيول ووصلته بقطارة العيون تحولت الى قنبلة موقوته في صدره، لم يستلم أكثر من أجرة شقة لشهرين مع عدة وجبات سريعة، وبقيت الحسابات والتبرعات سراً من أسرار الثورة، فتوجه إلى مكاتب كبرى الصحف وطلب نشر إعلان لوقف جمع التبرعات باسمه أو باسم خيمته، مع جزيل الشكر لجميع أصحاب النخوة!
وعده محرر الصحيفة خيراً ورفض أخذ ثمن الإعلان تكرّما منه، ولكنه لم يف بوعده، فقد ظن أن الرجل لا يريد تحميل الناس أعباء، وأن عزة نفسه هي التي دفعته لرفض التبرعات، بالإضافة لوضعه النفسي الذي صار يتعقد يوما بعد يوم، ولهذا لم يلب طلبه بنشر إعلانه! وهكذا استمر جمع التبرعات له ولخيمته رغماً عنه. بحث عن الإعلان ولم يجده كما وعده المحرر فاتصل غاضباً طالباً الحديث معه، ولكن كان هذا قد استبقه وطلب من سكرتيرته الرد عليه بلباقة 'لأنه مسكين ويعاني نفسياً'! هكذا انتشرت في كل بقاع الأرض جمعيات خيرية لدعم 'خيمة الصمود' وبات عاجزا عن ضبط الأمور! جميع الأحزاب الموالية والمعارضة في المدينة والمدن القريبة وضعت في برامجها بنداً خاصا أسمته 'قضية الخيمة'! وكل حزب فرح بوجهة نظره التاريخية الاقتصادية الفولكلورية السياحية البيئية المعمارية، بل رأى أحدهم أنها الفرصة المواتية للتقدم طالباً يد ابنته الصغرى بتجاوز مستفز لثلاث أخوات يواجهن خطر العنوس...! وأخيراً حضر فنانون لتصوير فيلم 'خيمة خمس نجوم' بتمويل وتحت رعاية حساء الأم دجاجة، مرتديلا صحتك بالدنيا، مشروبات القوة والطاقة، شوكلاطة البقرة المتفائلة، شاي السفير، قهوة سهرتنا، حلاوة الأمير، خلطة أبو موعود ...وداعاً للضعف الجنسي....
www.deyaralnagab.com
|