عرب النقب : عتاب... شديد اللهجه!!
بقلم : سليمان القريني* ... 10.02.2010
حب الغير والاكتراث بهمومه, المبالاه لما يدور حولنا, تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الشخصية, النخوه والتضامن الاجتماعي الذي ميز المجتمع العربي في النقب على مدار عشرات بل مئات السنين, معظم هذه القيم الاجتماعية النبيلة ذهب ادراج الرياح في زماننا وحل محلها الجشع, الحسد, انعدام التكاتف الاجتماعي وطغيان المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وخصال سلبيه اخرى. ولذالك اصبحنا مجتمعا تزداد يوما بعد يوم علله وتتفشى فيه مظاهر فساد كثيرة مثل العنف المستشري في كل اطار اجتماعي ناهيك عن الانحلال الاخلاقي وانتهاك الحرمات والتهاون مع الفاسدين والمفسدين وترقيتهم في السلم الاجتماعي بدل ان ينبذوا ويتم إقصاءهم من المجتمع.
**اسباب العلة
نظرة تحليل لواقعنا توحي الى اسباب العلة وهي:
السبب الاول هو الفراغ الذي تركته المؤسسات الاجتماعية المختلفة وهي القطاع الاول (المؤسسات الحكومية والسلطات المحليه), القطاع الثاني (رجال الاعمال) والقطاع الثالث ( الجمعيات, الاكاديميين والمنظمات الاجتماعية), هذه القطاعات الثلاثة لم تبن حتى اليوم شراكة حقيقية مرفقة باستراتيجية وبرامج عمل واضحة وعملية لتغيير الوضع الاجتماعي وانما انفرد كل قطاع بعملة دون التعاون مع الاخرين لمواجهة التحديات الكبيرة التي نقف امامها.
اما السبب الثاني فهو الفراغ التربوي الذي طورته العائلة والتي القت مهمة التربية وصقل الانسان وبناءه على الشارع او التلفاز او على اجهزه اجتماعية اخرى مثل المدارس والمراكز الجماهيريه او مضارب العشيرة او القبيلة.
السبب الثالث هو غياب دور معظم الاكاديميين والقياديين من بيننا, فالهم الاول والاخير لمعظم الاكاديميين هو الحصول على شهادة جامعية والارتقاء في السلم الاجتماعي وكسب المال ولو طلبت من اغلبهم التبرع او التطوع لمجتمعه لقال لك: "انا مشغول طيلة ايام الاسبوع ولا اجد حتى وقتا لاحك راسي" مع انه يجد وقتا للنزهات والجلسات الفارغه وامور شخصية اخرى.
اما غالبية الشخصيات القيادية فتظهر فقط حين اندلاع خصومات اجتماعية او عند اقتراب موعد الانتخابات للسلطات المحلية لتجنيد الاصوات لصالح مرشح يبيع ويشتري الاخضر واليابس وينسى قيمه واخلاقه وهمه الوحيد هو الفوز وحصد الشهره والراتب الشهري العالي وللاسف موقف هذه القيادات ضعيف في صد مظاهر الفساد وفي بعض الاحيان بل توفر هذه الشخصيات غطاء لهذه البؤر الهدامه وتتاجر بقبيلتها وبضميرها دون تردد.
السبب الرابع هو اختلاط الاوراق واستيراد قيم ومعايير اجتماعية من المجتمع الاسرائيلي والغربي والتي لا تتناسب مع قيمنا وديننا.
السبب الخامس هو القدوة السيئة التي يقتدي بها عامة مجتمعنا والمقصود هنا بعض الشخصيات الاجتماعية القيادية والاكاديميين الذين ياججون نار العصبية القبلية, يسمحون لابناءهم قيادة سياراتهم بدون رخصة سياقة, يرمون النفايات على قارعة الطريق ويكونون اول من يشارك في الخصومات الاجتماعية ويرفضون افشاء السلام لاعتبارات شخصية. وفي السنوات الاخيرة كم مرة سمعنا عن شخص اكاديمي باع ضميره وضمير عائلته من اجل تعيينه مديرا لمدرسة او عن طبيب باع قيمته وقيمه من اجل الحصول على قطعة ارض بمحاذاة شارع رئيسي ليبني عليها محلات تجاريه والامثله كثيرة وللاسف الشديد.
**ما السبيل الى التغيير ؟
اما مهمة التغيير فهي صعبة المنال ولكنها غير مستحيله. هذا التغيير بحاجة الى الالية والمقومات التالية: اولا علينا ان نعترف بعلتنا وان لا نتستر من وراء غطاءات وقناعات مختلفة مثل اتهام الغرب بمصائبنا واتهام القنوات الفضائية بتقعقع اخلاقنا. ثانيا على اصحاب المسؤولية من بيننا اخذ زمام الامور والمسؤولية بايديهم وعدم القاء اللوم على شح الميزانيات او على سياسة الحكومة, فالحكومة ليست مسؤولة عن ابنك اذا رجع ثملا الساعة الرابعة صباحا او اذا تهور وقاد سيارته بدون رخصه ودهس طفلا بريئا . ثالثا على الجهات المهنية (الرسمية وغير الرسمية) تطوير رؤية وخطط عمل لاعادة تنظيم وبناء الوحدة الاجتماعية الاساسية الا وهي العائلة. رابعا على جميع المؤسسات والقطاعات التكاتف وبناء شراكات حقيقية ومستديمة من اجل تطوير برامج وخطط عمل تتكفل بتوفير حلول كافية وناجعة لمشاكلنا الاجتماعية المختلفة. خامسا علينا بناء دستور اجتماعي جديد يتلائم مع التطورات الاجتماعية والواقع المعيشي الذي نعيشه, هذا الدستور يضمن لكل فرد او جماعة حقوقها وينظم العلاقات والمعاملات والتواصل الاجتماعي بيننا.
سادسا على الطبقة المثقفة ان تكون قدوة حسنة وان تتحلى بالاخلاق والقيم الاجتماعية الحميدة وان لا تتكرر حالات فيها تصوت قبيلة باكملها من اجل تعيين ابنها "الاكاديمي" لوظيفة مدير مدرسة, فباي وجه يقابل ذاك المدير طلابه ويتحدث اليهم عن قيم واخلاق وضمير فهل يظن ذاك "المدير" بان طلابه او ذويهم اغبياء. سابعا علينا كمجتمع ان ندرك بان دوائر التاثير الاجتماعي السلبي تتوسع تلقائيا والفساد ينتشر فاليوم هذا الفساد في بيت جارك وغدا هو في بيتك ولذالك من مصلحة الجميع محاربة بؤر الفساد ومحاربة مشغليها وداعميها. ثامنا فقط عمل جماعي مشترك تدعم فيه الوحدة الاجتماعية القوية الوحدة الضعيفة, فقط عمل مشترك ومتناسق كهذا باستطاعته ان يخرجنا من مازقنا. تاسعا علينا الاشارة الى الفساد واظهاره وعدم استعمال غسيل كلمات يقلل من قيمة الفساد فمثلا اذا كان الجميع يتذمر من بعض محلات اللهو المنتشرة في بلداننا تحت اسماء مختلفة مثل محلات ارجيله فعلينا القول وبصوت عال بان جزء من هذه المحلات باتت بؤر فساد ولا احد يعرف ماذا يحدث بداخلها وعلينا ان نقول للفاسدين والمفسدين بانهم كذالك ونبذهم ومقاطعتهم وعدم مجاملتهم.
واخيرا, انا اؤمن بطاقاتنا ومقوماتنا للتغيير واقترح على البلديات والمجالس المحلية باخذ المسؤولية الى يديها وان تشكل لجان جماهيريه-مهنية- شعبيه تعتني في المرحله الاولى بدراسة الوضع الاجتماعي المزري الذي نعيشة وفي المرحلة الثانية وضع خطط عمل استراتيجيه واضحة مع اليات تنفيذ وعلى هذه البلديات او المجالس المحليه توفير كافة الوسائل لتغيير الواقع العصيب الذي نعيشه. كلي امل بان ينضم كافة اصحاب الكفاءات المهنية والقدرات القياديه الى مثل هذه اللجان من اجل بناء مجتمع افضل. وعلينا دائما ان نتذكر بان كل من يساهم في تغيير منكر يجازى بذالك جزاءا حسنا باذن الله وانطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"- رواه مسلم وعلينا ايضا الاخذ بالمسؤوليه تجاه عائلاتنا ومجتمعنا كل من منصبه وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته »- رواه مسلم.
*عامل اجتماعي-رهط..النقب
www.deyaralnagab.com
|