حكاية السماء والأرض .. في الذكرى العاشرة لانتصار المقاومة!!
بقلم : أ.رابحة الزيرة ... 24.05.2010
"خليهم يفرحوا .. من زمان ما فرحنا هيك فرحة" .. قالها سيد المقاومة بلهجته اللبنانية قبل عشر سنوات ردّاً على زغاريد، وأشعار فرح وحبور، وكلمات شكر وسرور عبّرت عنها إحدى النساء اللبنانيات في اتصال هاتفي أثناء مقابلة تلفزيونية مع السيد حسن نصر الله بعد انتصارات 25 مايو/أيار 2000 حيث عمّت فرحة التحرير لبنان كلّه والأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم عشية اندحار الجيش الصهيوني من أكثر قرى جنوب لبنان بعد أن جثم على صدره أكثر من اثنين وعشرين عاماً يعيث بأرضه فساداً.
أوقات الفرح الحقيقي، ولحظات الانتشاء بمشاعر العزّة والكرامة الصادقة لا تُنسى أبداً وإن كانت مجرد "هنيهة" من الزمان فإنها تترك بصمتها في الذاكرة لتُستدعى هي وأخواتها طوعاً في حلكة ظلام الظلم والقهر لتحفظ للمرء توازنه النفسي، أو قد تقفز كرهاً إلى الذهن كلما مرّت ذكرى تلك الأحداث السعيدة لتتجسّد الصور القديمة أمامه وكأنها للتوّ حدثت بين ساجد لله شكراً، ومقبّل لتراب الوطن حبّاً، وناثر للورد والأرز، وراقص ومكفكفٍ لدموع فرحة طال انتظارها.. ذكرى تأبى أن تنسى لأنّ "العدوّ كان رهانه دائماً على الوقت حتى ننسى .. ولن ننسى والسما زرقا" بحسب تعبير سيد المقاومة بلهجتِه في ذكرى المناسبة.
قليلة جداً الحوادث المفرحة لأمّتنا العربية نسبة لما يلمّ بها من نوائب ونكبات بصورة يومية تستهدف الإنسان والأرض على حدّ سواء، وكما أننا نريد أن نبقي الذاكرة حيّة بإحياء ذكرى النكبة والنكسة والاحتلال وغيرها من حوادث مؤلمة كي لا ننسى شراسة عدوّنا ولا نركن لدعوات الاستسلام والخنوع، فإننا لا نستغني عن إنعاش ذاكرتنا باستدعاء صور ومشاعر انتصاراتنا بكل تفاصيلها، بل لزاماً علينا أن نغذّي وعينا بها لنصمد ضدّ محاولات كيّ الوعي التي يحاول العدو أن يمارسها علينا، فنسيان القضية لم يعد مطروحاً اليوم بعد الهزائم التي أُلحقت بالعدوّ من قبل المقاومة الشريفة في لبنان وفلسطين وبمساندة دول الممانعة، ولكنه غير كافٍ فلابدّ من التقدّم خطوة إلى الأمام على مستوى الوعي الفردي والجماعي في مواجهة مخطط الفتنة (الشيطاني) الذي يحاول أن يمرّره علينا الغرب باصطناع أعداء وهميّين لنا – من أنفسنا - يدفعنا للتقاتل معهم ليقف شامتاً بنا.
الوضع العربي والإسلامي والدولي معقّد أعلى درجات التعقيد ومحاولة تحليل وفهم ما يجري ليس أمراً هيّناً .. ولكن قد تُقرَّب الفكرة بأمثلة تصف حال اللاعبين الأساسيين في أحداث ساحتنا العربية: الأمة، الحكومات العربية من دول الاعتدال، والكيان الصهيوني وحلفاؤه من الغرب، فأمّا الأخير يشبه حاله حال (مريض نفسي) يمرّ بمرحلة "النكران" حيث يرفض الاعتراف بابتلائه بأزمة حقيقية وأكيدة، وحالة النكران هذه هي إحدى آليات الدفاع غير المباشرة التي يستخدمها المريض نفسياً للتكيّف مع القلق الذي يسيطر عليه نتيجة صدمة نفسية حادة أصابته من جرّاء واقع مؤلم يعيشه، فالغرب لا يريد أن يعترف أنه يعاني من اضطراب نفسي شديد نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها، وأن هذا الاضطراب يزداد بسبب الإحباطات المتتالية التي تصيبه إثر فشل مخطّطاته الشيطانية في العالم وبالأخص في الشرق الأوسط بفضل زيادة وعي قوى المقاومة والممانعة.
أما حكّام دول الاعتدال فكنّا نتمنى أن يشبه حالهم حال الرجل السبعيني – في قصة رمزية - الذي كان يجلس في قاربه لممارسة هواية صيد السمك، فإذا به يسمع صوتاً يقول: "خذني معك"، نظر حوله فلم يعرف مصدر الصوت، فظنّ أنه يتخيل، فإذا به يسمع الصوت ثانية "خذني معك"! نظر إلى الماء فوجد ضفدعة طافية، فسألها: "هل كنتِ تخاطبيني؟"، قالت: "نعم، أقول لك خذني من الماء ثم قبّلني فسأتحوّل إلى أجمل امرأة رأيتها في حياتك، وأؤكّد لك بأن جميع أصدقائك سوف يحسدونك على عروستك الجميلة"، فنظر إليها مليّاً، ثم انحنى وحملها بعناية ووضعها في جيب قميصه، فتساءلت مندهشة: "ماذا تفعل، ألم أقل لك قبّلني وسأكون عروستك الجميلة؟"، فنظر إليها من فتحة جيبه وقال: "في هذا العمر أفضّل أن أقتني ضفدعة تتكلم"، ثم ردّد في نفسه: "فالحكمة تأتي مع تقدّم العمر" .. كنّا نتمنّى لو أن الحكام العرب زادتهم التجارب والعمر حكمة، فرغم أن بعضهم على مشارف السبعيين، وبعضهم الآخر تخطى السبعين بل والثمانين، إلاّ أنهم لازالوا يعيشون مرحلة المراهقة بحيث تنطلي عليهم اقتراحات "الضفدع الصهيوني" بخطة سلام ومحادثات حلّ نهائي وما إلى ذلك من أوهام يبيعها عليهم الغرب الذين يعانون أنفسهم من اضطراب نفسي شديد وبحاجة إلى من يحلّ مشاكلهم.
كما نتمنى أن يكون حال أبناء الأمة كحال الشاب العاطل الذي تقدّم لوظيفة "عامل نظافة" في شركة "مايكروسوفت"، وبعدما اجتاز المقابلة بنجاح طُلب منه أن يعطيهم عنوان بريده الالكتروني ليرسلوا له تفاصيل الوظيفة التي عُيّن فيها، فأعلمهم بأنه لا يمتلك كمبيوتر وبالتالي فإنه لا يتعامل بالبريد الالكتروني، فردّ عليه مدير التوظيف: "بما أنك لا تتعامل بالبريد الالكتروني فهذا يعني أنك غير موجود، ومن هذه صفته فإنه لا يستحق الوظيفة" .. فمضى الشاب الذي لم يكن يملك أكثر من عشرة دولارات واشترى بها عشر كيلوغرامات من الطماطم وباعها بالمفرّق، فاستطاع خلال ساعتين أن يضاعف رأس ماله إلى عشرين دولاراً، وكرّر العملية ثلاث مرّات في نفس اليوم ليعود في نهاية اليوم ومعه ستين دولاراً، فقرّر أن يستمر في هذا العمل إلى أن نجح في تجارة الطماطم، فأصبح بعد خمس سنوات من أكبر موزّعي الأغذية في أمريكا، وعندما فكّر أن يؤمّن على حياته وعلى مستقبل أبنائه طلب منه المسئول في شركة التأمين أن يعطيه بريده الالكتروني فأخبره بأنه لا يتعامل بالبريد الالكتروني، فردّ عليه مندهشا: "لا تتعامل بالبريد الالكتروني وحقّقت كل هذا النجاح، فتصوّر حالك لو كان لديك بريد الكتروني!"، فأجابه بكل هدوء: "نعم .. كنت سأكون عامل نظافة في شركة مايكروسوفت".
الحادثة واقعية وفيها الكثير من العبر، ولكن .. ما يفيد في هذا المقام هو أن ينظر أبناء الأمة وبالأخص شبابها إلى ما في أيديهم من نعم، وما يملكون من مقومات النجاح من اعتداد بالنفس، وقوة إرادة، وعلو همّة، لتستعيد الأمة عزّتها وكرامتها بعقولهم وسواعدهم، فيكونوا هم الحبل المتّصل بين السماء والأرض، ومثالهم الحيّ شباب المقاومة الذين قال لهم سيّدهم: "بكم نغيّر الدنيا، ويسمع صوتنا القدر .. وبكم نبني الغد الأحلى".
جمعية التجديد الثقاÙية - مملكة البØرين
www.deyaralnagab.com
|