logo
عندك بحريّة.. يا وزير الحربية..!!

بقلم : سهيل كيوان  ... 03.06.2010

لحسن الحظ أن المجزرة لم تكن أكبر وأعظم ولم يقع ما هو أسوأ بكثير، فقد تقلصت واختصرت إلى الحد الأدنى حتى كادت أن تفقد صفة المجزرة المتعارف عليها حسب المقاييس الإسرائيلية ـ التركية.
ونقول لحسن الحظ لأن هناك قرارا قد اتخذ لمنع دخول القافلة بأي ثمن. هذا القرار(بأي ثمن) اتفق عليه وبلا أدنى شك بين عمر سليمان وزير المخابرات المصري وإيهود باراك وزير الحربية الإسرائيلي في اجتماعهما الأخير في الأسبوع الأسبق.
فلا يمكن لوزير مخابرات دولة بحجم مصر أن يأتي خصيصاً للاجتماع بوزير حربية لدولة بحجم إسرائيل لبحث مشكلة العنوسة المتفشية في الأردن وفلسطين مثلاً، أو لبحث الأسباب التي أدت الى فوز ريما الفقيه الشيعية اللبنانية بلقب ملكة جمال أمريكا وطرق سحب اللقب منها! وبالتأكيد أن باراك لم يشكُ لعمر سليمان عن ارتفاع أسعار الخبز غير المنطقي في إسرائيل واعتقال أصحاب المخابز الكبيرة لتنسيقهم رفع الأسعار فيما بينهم، ولكن بإمكان أي مراقب ملاحظة أن الزيارة تزامنت مع اقتراب خروج قافلة الحرية من تركيا ميممة بحر غزة المحاصر.
وإذا عدنا الى الخبر في وسائل الإعلام سنقرأ أنهما تباحثا في كيفية دفع عجلة المفاوضات وإنضاجها لتصبح مباشرة وكذلك قضية الأسير شليط ومواضيع أخرى تهم الطرفين.
وإذا كنت أنا وصديقي مصور الأعراس قد وجدنا فسحة من الوقت للتحدث عن قافلة الحرية خلال أحلى زفة شعبية لعريسين شقيقين في قرية جليلية نائية فلا بد أن يكون موضوع القافلة قد شغل حيزا محترما أو غير محترم من لقاء وزير مخابرات ووزير حربية مدمن على الأمجاد العسكرية وخصوصاً العمليات الخاصة.
سيبقى ما دار بينهما من الأسرار الأمنية للطرفين، وسوف يتجاهل كلاهما الموضوع في الحاضر والمستقبل القريب، وإسرائيل ستتحمل جحود المصريين، ولكن لا بد وأن يأتي يوم ويكتب رئيس الموساد الحالي بعد خروجه إلى التقاعد في مذكراته (كما هي العادة) عن التنسيق والتفاهم التام الذي جرى بين الطرفين في ما يتعلق بقافلة الحرية وإسقاطاتها، وأهمّها الدور التركي بقيادة رجب طيب أردوغان غير المرغوب فيه والذي لا يخدم 'المسيرة السلمية'! وهذا يعني أن كسر الحصار بوسائط تركية يضعف 'فرص السلام'! لأنه يشكل نموذجاً وقوة للإسلاميين و'المتطرفين' في كل المنطقة على حساب قوى'الخير والسلام'،وهذا عكس المطلوب تماماً، ولهذا فإن عدم السماح للقافلة بتحقيق هدفها بأي ثمن هو مصلحة إسرائيلية مصرية فلسطينية إقليمية وعالمية.
هكذا نفهم إعلان مصر وإسرائيل بالتزامن عن استعدادهما لاستقبال المساعدات المحملة في ميناءي أشدود والعريش قبيل الإنقضاض على القافلة في محاولة استباقية لامتصاص الوهج التركي، أي أن المساعدات ممكن لها أن تصل ولكن تحت رقابة هاتين الدولتين فقط، وهذا يعني تلقائياً أن الحصار أو عدم الحصار هو مشترك وبالتنسيق الكامل بين الطرفين ولا تلوموا أحداً جراء ما قد يحدث!
فشل الكوماندو البحري في مهمته كان مفاجئاً ومدوياً لأصدقاء إسرائيل ولأعدائها ولها هي نفسها ولي شخصياً ولصديقي مصوّر الأعراس!
الجميع توقع أن يتم وقف القافلة في عرض البحر والسيطرة عليها بهدوء وسلاسة بوسائل (هايتيكية) مبهرة من خلال شلّ محركات السفن الكترونياً من بعيد ثم يتم شحنها إلى ميناء أشدود بينما تبث إذاعة إسرائيل العربية أغنية وديع الصافي 'عندك بحرية يا ريّس' بالتزامن مع مؤتمر صحافي يعقده باراك يبث إلى العالم، ثم اعتقال من عليها ومصادرة الشحنات التي تحملها وحفظها في 'الصون والأمان' في ميناء أشدود ريثما يفتشونها، وبعد ستة أشهر سنقرأ خبرا صغيراً عابراً يقول إن المواد التي صودرت ما زالت في المخازن وأن أجرة تخزينها وتحريرها تكلف ضعف قيمتها وحماس ترفض دفع الرسوم ولهذا قد يتم تحويلها الى جمعيات خيرية وبعضها تلف ولم يعد صالحاً للاستعمال، ولا بأس من القول إن بعضها قد اختفى وتجري تحقيقات مع عدد من موظفي الميناء في الموضوع، وسيقول مسؤول إسرائيلي إنه لحسن الحظ أن إسرائيل صادرت الأدوية فقد تبين بعد فحصها أن معظمهما لم يكن صالحاً للاستعمال البشري وبهذا تكون إسرائيل قد أنقذت حيوات الكثيرين من الأبرياء!
لو نجح باراك بمهمته لما سمعنا تنديدا ولا احتجاحا ولا امتعاضاً! بل إن بعضهم أو أحدهم كان سيتصل به لتهنئته وكان سيضيف ملاحظة واحدة فقط وهي:'لماذا لم تعرضوا هؤلاء 'الإرهابيين' على الشاشات وهم مستسلمون عراة إلا من ملابسهم الداخلية كما فعلتم قبل خمس سنوات مع شرطة أريحا!'؟
النتيجة جاءت عكسية بفضل بطولة ويقظة ودماء هؤلاء الذين كانوا فوق السفينة من أتراك وعرب وآخرين قرروا الدفاع عن أنفسهم وعن كرامتهم بما تيسر لهم من أدوات بسيطة وإرادة وإيمان قلبت هدف العملية إلى ضده على مستوى عالمي، فاضطرت السلطات المصرية كخطوة إسعاف أولية ومن باب إنقاذ ما يمكن إنقاذه لفتح معبر رفح في الإتجاهين حتى إشعار آخر وذلك لامتصاص نقمة الشعب المصري والعالم الذي خرج منددا بالجريمة النكراء وكذلك لإخفاء فكرة التنسيق الأمني بما يخص القافلة بين الطرفين عن الأنظار...
مشكلة الأنظمة وبعض أصحاب الفتاوى مع قافلة الحرية انها لم تخرج من ميناء عباس أو بوشهر ولا في ظل عمائم سوداء من لبنان ولا من اللاذقية أو طرطوس 'وحلف الشر' بل من تركيا السنية والعضو في حلف شمال الأطلسي والتي كانت ستجري مناورات عسكرية 'خيرية' بعد أيام قليلة مع إسرائيل وتم الغاؤها! ثم أن هناك مئات من الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس من عشرات الدول ولا يمكن لأكبر نصّاب فتاوى أن يتهمهم بنشرالتشيّع...
لا أعتقد أن أحداً من سكان الكرة الأرضية قد فوجئ من الاستنكارات والإمتعاضات والاحتجاجات العربية الرسمية فكلها متوقعة! بل هناك من يتوقع بعد هذه الحادثة تكليف المجمع اللغوي العربي بالبحث عن تعابير أكثر تركيباً وأشد وقعاً على النفس من الاستنكار والتنديد والاحتجاج ورفعها إلى مستوى الغثيان والرغبة بالتقيؤ!
ورغم هذا فقد جاءت المفاجأة الكبرى من القاهرة بدعوة السفير الإسرائيلي (الذي ما زال في العمارة) لتقديم احتجاج مباشر ولطعه في وجهه! وهذه بلا شك طعنة مصرية رسمية غادرة في ظهر الحليفة الاستراتيجية إسرائيل..ولا تعني شيئاً سوى التخلي عن الصديق بالضبط في وقت الضيق ومحاولة رسمية لإنكار التنسيق الكامل معه...


www.deyaralnagab.com