تركيا: الدور والمصلحة!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 09.06.2010
ترفع أيد كثيرة العلم التركي، في بلاد العرب، والمسلمين والدول الأوروبيّة، وفي أمريكا.وتتردد في الأسماع أسماء: أردوغان، وغول، وأحمد داوود أوغلو وزير خارجية تركيا بوجهه الطفولي الهادئ، وكلامه الحازم، وقد باتوا نجوم سياسة عالميّا.
هذه القيادة التركية الجديدة، تمتح من (تراث) قديم، ولكنها ليست أسيرته، وهي تبني على ما يجمع دينيّا، ولكن بدون استفزاز، فهي تقود تركيا الحديثة الطامحة المنفتحة، وتستند إلى صناديق الاقتراع، فحزب العدالة والتنميّة يقوده إسلاميون، ولكنه يؤمن بالتناوب الديمقراطي، ولا يغلق الباب في وجه أي حزب، وهو لم يستحوذ على الحكم بعد الوصول إليه، وهمه سيادة الدستور، وإقفال الباب في وجه الانقلابات وتحكّم العسكر، وإخراج تركيا من التبعية الأمريكيّة، والانفتاح على العرب الجار الأقرب، وعدم الوقوف في حالة تسوّل للقبول أوربيّا، فالحياة لا تنتظر، والدور لا يسعى، ولكن يُسعى إليه.
في (الشرق) فراغ، وتركيا تتحرّك قدما منذ وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002.
العرب مفتتون، تائهون كأمّة، بسبب القيادات الحاكمة التابعة التي ضيّعتهم، والتي لا تهجس بمصالح الأمّة، ولا بمصالح البلدان التي تحكمها، وإنما فقط بالحفاظ على البقاء في (الحكم) وتوريثه، فلا دستور، ولا قانون، ولا محاسبة، ولا تحرّك للأمام.
في بلاد العرب لا شيء سوى الفقر، والبطالة، والفساد، والقمع، وانعدام الشعور بالمسؤوليّة، والكذب الرسمي السافر، وتبديد ثروات الأمّة على النزوات، ومراكمتها في بنوك الغرب، بينما ملايين العرب تفترسهم الأمراض والمجاعة والإحباط.
العرب محاطون بإيران التي تسعى لامتلاك كل عناصر القوّة، وتركيا الصاعدة التي بات حالها أكثر تقدما، وتطورا، واحتراما، وحضورا، وبالكيان الصهيوني المختّص بإذلال العرب، وامتهان حقوق الفلسطينيين، والاستفراد بهم أشلاءً، بالحصار الخانق لقطاع غزّة، ونهب أراضي الضفّة، وتمزيقها.
تركيا حزب العدالة منعت مهاجمة العراق عبر حدودها، ومنعت تحليق الطائرات الأمريكيّة من قاعدة(أنجرلك)، في حين كان حكّام بلدان عربيّة ينحازون للعدوان الأمريكي، ويغطون العدوان الذي دمّر العراق.
ومن بعد انفتحت تركيا على سورية، ومدّت لها اليد، ومكنتها من تقوية وضعها سياسيا بحيث لا تعود متهمة بعلاقات أحادية مع إيران.
تركيا بقيادتها الذكية، البارعة، مدّت اليد لإيران، وتجاوزت أنها سنيّة الإسلام، وأن إيران شيعيّة، ومع البرازيل وقعت على اتفاقية تصدير اليورانيوم، وهذه الخطوة اتخذت لتفويت الفرصة على المكيدة الأمريكيّة الصهيونيّة، وتجنيب إيران الحرب، وأيضا لتعلن بأنها هنا في المنطقة، وأن أحدا لا يمكنه أن يتجاوزها، وأنها قادرة على أن تمّد حبل تواصلها حتى أمريكا اللاتينيّة ـ فالمسألة ليست الإسلام على أهمية هذا العنصر العميق في تراث تركيا وجوارها العربي ـ فهذا هو الدور الذي اختارته قيادة حزب العدالة والتنمية...
تأملوا الجانب الاقتصادي وروح العدالة الاجتماعية في اسم الحزب، وهكذا فليس صدفة أن هذه القيادة نجحت اقتصاديا، وجنبت الشعب التركي ويلات الأزمة الاقتصادية العالمية، ولم تكتف بالشعارات!
عندما وقعت جريمة الاعتداء على أسطول الحرية لغزّة، كان السيّد رجب طيّب أردوغان في زيارة لعدة بلدان أمريكيّة لاتينيّة، وكانت هذه الزيارة الحدث التاريخي بالنسبة لتركيا قد جاءت بعد الشراكة التركية البرازيلية في اتفاقية اليورانيوم مع إيران، ولكن السيد أردوغان قطع الزيارة، وعاد ليقود المعركة في وجه الكيان الصهيوني، مستقطبا الشعب التركي بكل فئاته، في لحظة غضب وكرامة وطنيّة متصاعدة امتزج فيها القومي بالديني بالإنساني، وهنا براعة السيد أردوغان وأركان حزبه، فهو يتوجه بالخطاب الإنساني للعالم، فغزّة محاصرة، والحصار ظالم، ولا يجوز إنسانيّا، والسفينة (مرمرة) قائدة الأسطول حملت متضامنين إنسانيا، فيهم المسلم والمسيحي واليهودي، رجل الدين، والكاتب، والصحافي المحايد، والطبيب، ومن جنسيات كثيرة في العالم.
في العمق أخذ الشعب التركي يغلي، فالإسلام حاضر، ولكن الشيوعي، والعلماني، والمعارض لحزب العدالة والتنمية حضروا، وتناوبوا محاصرة بيت سفير الكيان الصهيوني في أنقرة، وتدفقوا إلى الشوارع كتفا إلى كتف في المدن التركيّة!
لا، هذا ليس تمثلاً، ولا هو موقف سياسي عابر، ولكنه تحوّل في السياسة التركيّة، فتركيا ليست تركيا الجنرالات، والتبعية لأمريكا، ومنفذة مخططات الأحلاف ضد مصر الناصرية والنهوض العربي التحرري في الخمسينات والستينات.
قيادة حزب العدالة تعمل داخليا وخارجيا في نفس الوقت، يدعمها في مواقفها شعبها الملتف حول سياستها، وتقوّي حضورها داخليا بسياسة خارجية ترفع من قدر تركيا، وقيمتها، وترتقي بها إلى مصاف الدول ذات الحضور على المستوى الدولي، وهذا يرتد مكاسب اقتصادية، وسياسية، فعلم تركيا ليس مجرّد قطعة قماش، ولكنه يرفرف احتراما لبلد يتقدم لأخذ دوره في شرق أوسط جديد ـ غير شرق أوسط بيريس، وأوسلو، ووداي عربة، ومن قبل كامب ديفيد السادات ـ السيادة فيه لأبنائه..بانتظار نهوض العرب الذين يقودهم جهلة، فاسدون، بلا انتماء!
ماكنة التدليس والتضليل الإعلامية الموجهة ضد إيران، وحزب الله، والمقاومة الفلسطينيّة، وسورية، اهتاجت وفقدت اتزانها، وشنّت هجمة بائسة بلهاء تستهدف تركيا وقيادتها، متهمة إياها بأنها وقعت في فخ إيران، وأن إيران ورطتها وقعدت تتفرّج عليها,
وهكذا فقيادة تركيا الذكية الشجاعة والشريفة التي تمزج بين الضمير والانتماء والمصلحة التركية، ليست سوى ألعوبة في يد نجاد.
هؤلاء يريدون التغطية، فضيحة تقصير حكّام تخلّوا عن فلسطين، والقدس، يتفرجون على موت أهلنا في قطاع غزّة، وغضبهم المعلن والسري من تركيا وقيادتهم سببه الحرج من الدور التركي الذي فضح ما هو أبعد من عجزهم: التآمر مع أمريكا والكيان الصهيوني.
من يمولون هذه الأقلام، وهؤلاء الكتّاب المرتزقة، وتلك الفضائيات المبتذلة، لم يتحركوا لإنقاذ القدس التي تضيع، هم الذين يقدمون أنفسهم كحماة للإسلام والمسلمين، ويتشدقون هذه الأيّام بالعروبة في مواجهة إيران، وينسون أن العراق عربي قح أكثر منهم، وأن أيديهم ملطخة بدم أبنائه، وأنهم من فتحوا أبوابه للغزاة من كل صنف ولون!
تركيا تأخذ دورها كأمة، بقيادة وطنية ذات كبرياء قومي، وبعقيدة إسلامية منفتحة معاصرة، وهذه القيادة لم ترث الحكم، ولا تأخذ دورها بالنفط، والرعاية ألأمريكية حتى آخر بئر نفطية، فقد أنهت هذه القيادة، وأستاذها أربكان، دور تركيا المضاد والمعادي والتابع والهراوة، وها هي تنهض بدور تقاعس عنه حاكم مصر وحاشيته، والمملكة السعودية التي لم نسمع منها جملة مفيدة في مواجهة مجزرة قافلة الحرية والشهداء الأتراك، ولم يصل المليار الذي تبرعت به كلاما لغزّة قبل سنوات!.
الجماهير الفلسطينيّة، والعربيّة، والإسلاميّة، وفي العالم، رفعت علم تركيا، وهي بهذا كرّمت قيادة جديرة بالاحترام، وحكمت بالخزي على الكذبة (العرب) المتقاعسين عن نصرة الفلسطينيين في الضفّة، وقطاع غزّة.
تركيا تخرج من عباءة التبعية الأمريكيّة، وتتقدم لأخذ دور تخلت عنه مصر!.
ملايين العرب يحزنهم المشهد، فإيران تصعد، وتركيا ترفع علم حضورها عاليا، والكيان الصهيوني يعربد، وأردوغان التركي يصيح زاجرا، منذرا ببسالة، وحوله ملايين الأتراك يزمجرون بجدّية...
يوعز حاكم مصر بفتح معبر رفح، والجماهير العربيّة تعرف أن هذا للامتصاص، وكل المعلومات تدلل على التنسيق مع الكيان الصهيوني بهدف الامتصاص حتى تنتهي (الهوجة)!.
حين يرفع ملايين العرب العلم التركي فإنهم يعربون عن الاحترام والتقدير والوفاء، و..احتقار قيادات أخزتهم، وخذلتهم، وأذلتهم، وباتت عقبة في طريق تقدمهم، وتحقيق أهدافهم، عقبة يجب إزالتها من طريق أمتنا...
www.deyaralnagab.com
|