تَغاريبُ (أُمي)!!
بقلم : فاطمة عبيدات ... 02.05.2010
أيّها العائدُ من بقاعِ الغيمِ، مُتشدِقاً لأكمامِ (أمي). هناكَ مُتسعُ جوعٍ يَقتادنا إليها. إلى تغاريبِ اللوتسِ في مُتكئِ ثغرها، وإغفاءةِ الفننِ فوقَ نقشِ حصادها..
وكثيراً إلى تراتيلِ الدمعِ في جرارِ الورقْ. نَعمْ؛ هناكَ مُتسعٌ وذاكَ يصطحبنا، يقتادنا عُنوةً مثلما يُساقُ زِقاقُ الروحِ. زقاقٌ بزغَ أصيصُ صبحهِ في هضابِ مقلتيها.
وحينها، في قيدِ الفجأةِ تعبثُ أناملُ الطفولة بتقاسيمِ أسئلتي. وأسئلتي تهربُ نحوَ شفاهِ الإجابة. تلكَ شفاهُ (أمي).
و(أمي) عرشُ نورٍ، تُجالسهُ أجنحةُ الفراشاتِ الراقصة. وتَرتِقُ رقاعُ فؤادهِ، أذيالُ عطرٍ مُضمّخَةٍ بالمسكِ والحناء.
فاختبئُ في جلبابِ الهمسِ، قابضةً عُنقَ صوتي. وأعودُ أحاكي (أمي).
(أَ أُمي)؟، دعينا نعودُ قِطافاً يتهاطلُ في أرجوحةِ عضديكِ. وَخذينا إلى محرابِ تُرابكِ، فذاكَ شوقٌ تَتلْمَذَ من على جِيْدِكِ. وأعلمُ أن جعبةَ جِيْدِكِ مليئةٌ بسلالِ الرمانْ. حُبلى بأهوالِ البحرِ وأمواجِ الدفءِ وضوضاءِ الطفولةِ المتمردة.
فالموجُ تتهادى أوراقُ رمالهِ في كلِّ حينْ. مُعلِنةً رَسْمَ يَدٍ تقتربُ من حائطِ جسدي!. هذا الجسدُ الذي يلفهُ الصخرُ، مغرورقاً فوقَ تشققاتِ الذات. وتلكَ اليدُ تقتربُ أكثرَ فأكثرْ. يدكِ (أمي)، إنَها عباءةُ سدائلٍ من الشَعْرِ النائمِ.
وأتوجسُ طريقي إليكِ. لأجدَ بابكِ يُزهِرُ ذاتَ ربيعٍ في جيبي. ينتظرُني بأبهى الحُلّلِ، كما عهدتهُ يفعلُ مع أناملِ الشمسِ الهاربةَ.
(أُحبكِ)، أقولها وأتشعلقُ فيكِ (أنتِ)، (أنتِ). وأستحلِفكِ بِزُخرُفِ الكواكبِ، التي تصطفُ من على وجنتيكِ.. مما أنتِ (أمي)؟.. ففي لَحظها أضيعُ في إدراكِ عدمِ معرفتي، لأعودَ طيراً إلى ديجورِ التيهِ في شغفِ صدركِ.
ذاكَ الصدرُ الذي تنامى منهُ سائرُ الأنام. وانطلقوا يَعُبّونَ الحياةَ بِنَهَمِ الحاجةِ للامتلاء. ربّما هيَّ حاجتنا إلى الامتلاءِ (بكِ). والانتحاءِ نحوَ (تغاريبِ) صلالةِ العطفِ وأجيجِ العطاء.
باللهِ أو بالآآآآآآهِ مما أنتِ (أمي)؟!؟..
كيفَ تتناثرينَ مع فتاتِ الخبزِ، على عتباتِ النوافذ؟. وتتخذينَ من أوهامِ حطامنا جسراا؟. أتُراكِ كيما تخيطينَ الأملَ، سنابلَ كعكٍ وقرنفلْ.
كيفَ ولماذا ومما؟، يَضجُّ رأسي بِسفنِ الإلحاحِ (أمي). ولا أمتلكُ ثوبَ حرفٍ إلا ويقولُ: (أمي، أمي)..
فعلامَ الإجابةُ و (أنتِ) منتهى الارتضاء؟!..
إذ تنبثقُ من وهجِ أعمدتكِ ركائزُ المدائنِ والأمصار. وَتعلو قِبابُ الآثارِ لتتخِذَ حيّزاً في آفاقِ التاريخِ المجنون. علّها تنادي جهراً
- كلنا لِحافُ تعاضدٍ ورِكابُ حضارةٍ ما انفكت تغتسلُ طقوسها- .
ما انفكتْ تغتسلُ في حوضِ (إيمائكِ). وأحياناً لا تتجرأُ الأحبارُ مُتسعاً كي تَميدَ القولَ وهجاً أمامَ (حضوركِ).. فامرأةٌ كنتِ ولم تزلِ ..
أمُّ التكوينِ ونشأة الارتحال. هكذا تمتطينا العودةُ لتلكَ (التغاريبِ) الجاثمةِ على محياكِ.
تغاريبِ (أمي)..
ومما أنتِ (أمي)؟ مع كاملِ السبقِ وإصرارِ التَرصدِ، لا أدري .وما أهميةُ أن تدري، إن كنتَ تمتلكُ بذرةَ الحياةِ ومستودعها؟!..
أَمِنَ الغباءِ إطاحةُ تجسيدِ أساورُ الطهارة، والانسياقُ في سذاجةِ الاغورارِ المعهودة؟. أن نتركَ روحَ (الأنثى) في كأسِ الاعتيادية؟!..
تباً للاعتياديّةِ، إذاً.
هناكَ مساحةُ فضاءٍ تغزو قوالبَ الأجسادِ، وَتنبِشُ مكامنَ الإبداعِ فيها. تُطلِقُ عنانها نحوَ صراخِ الجياد. وتأخذُ بيدها تارةً، إلى طبقِ الألمِ الراضعِ من أثداءِ (أمي) بضعاً.
تلكَ مساحتي، وأقصاعها منكِ أنتِ.
فمما أنتِ (أمي)؟. هكذا يتسائل الانحسار في ميقاتِ براثنِ الانتهاء.
أما يَكفيكَ الكفى أيها الانتهاء؟.
هيَّ تغاريبُ (أمي).
وكفى
القدس المØتلة
www.deyaralnagab.com
|