logo
العراق : سعاة المرجعية والعناوين الطائفية الخاطئة!!

بقلم : علي الكاش ... 25.03.2010

عندما اصدرت المرجعية الشيعية بيانا أكدت فيه بأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الكتل السياسية وإنها لا تدعم قائمة معينة. وتلتها بآخر عن إعتذار السيد السيستاني من إستقبال أي من رؤساء الأحزاب والكتل السياسية ولغاية إعلان نتائج الإنتخابات. تفاءل البعض مستحسنا هذا التوجه السليم وأعتقدوا ان المرجعية عادت إلى وعيها وصوابها بعد الخطيئة التي ارتكبتها بحق العراقيين من خلال دعم ومباركة القوائم التي أذاقت العراقيين الويل خلال السنوات الأربع السابقة. وسكوتها المريب والمشبوه عن فضائح الكتل السياسية بإستثمار عناوين آل البيت في دعاياتهم الإنتخابية فجاءت النتيجة ولادة طغمة حاكمة هي بحق أبشع ما عرفه العراق في تأريخه.
لكن العقلاء أدركوا بأن هذا الموقف ليس موقفا طبيعيا للمرجعية ففي ظل وجود التقية لا يمكن الركون والقناعة بموقفها. فالمرجعية حاولت التغطية إعلاميا فقط بحياديتها تجاه القوائم الإنتخابية وليس بقناعة بأن هذا الطريق هو المسقيم والأخلاقي الذي يتوافق مع قيم السماء والأرض. كما أن قيامها بطرد وكيل أو أثنين من وكلاء السيد السيستاني بسسب ترشحهما للإنتخابات جاء في توقيت مثير قبل التصويت بأيام معدودة في حين كان المرشحان يروجان لدعاياتهما الإنتخابية منذ اليوم الأول للفترة التي حددها المفوضية العليا للإنتخابات في ظل صمت المرجعية عنهما. أي ان العملية مفبركة أيضا وذات طابع إعلامي للإستهلاك المحلي.
مواقف المرجعية من الإنتخابات غريبة فهي تتأرجح بين نقطتين متباعدتين وهذا ليس موقفا جديدا. فمن يرجع إلى تأريخها منذ تأسيس العراق الحديث سيلاحظ مواقف متباينة تتسم بالفوضى والتناقض رغم تشابه أو تقارب الظروف نوعا ما. فأثناء الإحتلال البريطاني للعراق كان المراجع يصفون حكومة العراق السنية بأنها" حكومة إحتلال"! وهكذا يعيد التأريخ نفسه مع إختلاف الموقف جذريا من الإحتلال الأمريكي! وفي عام 1922 خلال وزارة محسن السعدون الذي أمر المحافظون بالتحضير لإنتخابات الجمعية الدستورية. إعترض المراجع أيضا على الإنتخابات ووصفوها بأنها أشبه" بحكم بالإعدام على الأمة الاسلامية" لإنها تجري في ظل الإحتلال البريطاني! لكنها عندما جرت في ظل الإحتلال الأمريكي باركتها ودعمتها بكل ثقلها! حينذاك أفتى المرجع الأكبر أبو الحسن الاصفهاني وكذلك مهدي الخالصي وحسين النائيني بعدم شرعيتها بل وتكفير كل من يشارك فيها! والأنكى منها ما جاء في فتوى الخالصي" قد حكمنا بحرمة الأنتخابات. والمشارك فيها يعتبر معاد لله ورسوله وأئمة المسلمين، ولا يدفن في مقابر المسلمين". الفرق إن المشارك فيها ليس عدوا لآل البيت فقط كما جرى عام 2005 وإنما عدوا لله ورسوله! كما تضمنت فتوى الاصفهاني عجائب هي نسخة طبق الأصل ما جرى في إنتخابات عام 2005 كفتواه بأن " أي مسلم يشارك فيها تحرم عليه زوجته ويمنع من دخول الحمامات العامة وينبذه سائر المسلمين". كما يلاحظ نفس الإسطوانة شغتلها المرجعية في إنتخابات قائمة( آل البيت)عام 2005! يا لبؤس المرأة الشيعية فمصير حياتها الزوجية مرهون بمشاركة زوجها في الإنتخابات منذ تأسيس العراق ولحد الآن! ولا نعرف رأي المنظمات الدولية والعربية المعنية بحقوق المرأة من هذه الفتاوي. فلم نسمع من يدافع عن حقوق المرأة حتى من قبل وزارتي المرأة وحقوق الإنسان في العراق! الطريف أن الكثير من اتباع آل البيت عزفوا عن المشاركة آنذاك في الانتخابات تحت خيمة الإحتلال البريطاني، ليس بسبب طاعة الاصفهاني وبقية المجتهدين فحسب! ولكن خشية من إستثمار الحكومة لسجلات الانتخابات لأغراض تجنيدهم!
في إنتخابات عام 2005 وصلت المغالاة بأنه يستوجب على أتباع آل البيت تحضير عذرهم يوم القيامه عندما يسئلوا عن سبب إمتناعهم من المشاركة. ونستذكر بهذا الصدد فتوى الشيخ اليعقوبي بأن إنتخاب قائمة الحسين" أفضل من الصوم والصلاة". ونفس المأساة جرت في الإنتخابات الحالية لكن بصورة خفية كما سيتبين لاحقا. إنها احدى تجليات ازمة الوعي التي تتفاقم في معظم أنماط الخطاب المذهبي الذي لم يفشل في إضاءة سراج العقل فحسب و إنما اطفأه بقصد زيادة العتمة.
بدأ التحرك المشبوه لحوزة النجف بوقف نشاطاتها كافة بما فيها الدراسة وتفريغ الطلبة للتحرك على العشائر والمناطق ذات الأغلبية الشيعية والنائية أيضا بغية توجيه الناخبين لأنتخاب قوائم آل البيت وبشكل محدد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة. وهما جناحا الحوزة العلمية اللذان تحلق بهما في سماء العراق المكفهرة. ومهما كان حجم الأختلافات الظاهرة في السطح بين المجلس وحزب الدعوة لكنهما ينبعان من صدر واحد ويصبان في مصب واحد وهو إيران. وسيدخلا في إئتلاف بعد ظهور نتائج الإنتخابات حتما وهذا ما سيكشف عنه المستقبل القريب. بنشاط مميز تفاعل الطلبة مع توجيهات المرجعية فإنتشروا بسرعة الريح بين الأوساط الشيعية ولا سيما الجهلة والبسطاء.سلاحهم في ذلك تخويف الطائفة من عودة العبث وما يسببه من تعطيل لمراسيم النوح واللطم والممارسات السادية في عاشوراء.
هذا الإدعاء الأجوف كالطبل مثير للسخرية فمن المعروف أن البعث حزب علماني يضم كل الأديان والطوائف ولا يمكن أن يحصر في خانة أعداء الشيعة! بل إن الشيعة تمثل غالبيته على الأقل قبل الغزو الأخير. كما أن معظم كوادره المتقدمة من الشيعة أيضا. والأمر الثاني ان البعث له موقف معلن وصريح برفض المشاركة في اية إنتخابات تجري تحت الإحتلال. ولا يوجد مرشحون من البعث في القوائم الإنتخابية لأن هيئة المساءلة والعدالة كفيلة بأجتثاثهم. وحتى السيد صالح المطلك فقد أجتث تحت هذه الذريعة! رغم إن إجتثاثه طائفي وليس سياسيا. فكيف يعود البعث عبر هذه الأنتخابات وهو أصلا لم يشارك فيها؟ أما إذا اعتبر مراسلو آل البيت أن أياد علاوي وقائمته من البعث فهذا الامر يدعو للسخرية! لأن موقف أياد علاوي من البعث معروف كما أن موقف البعث من علاوي معروف أيضا. وإذا افترضنا جدلا بأن علاوي يمثل واجهة بعثية حسب ما يروج له مراسلو الحوزة فان تقدم قائمته في الإنتخابات تعني جملة أشياء من أهمها إن العراقيين مازالوا مصطفين مع البعث! وهذا دليل كاف بأن الوسائل التي أتبعتها الكتل السياسية وهيئة المساءلة والعدالة قد فشلت فشلا ذريعا رغم قسوتها في إجتثاث البعث. كما أنه بحد ذاته إعتراف خجول بأن البعث ما يزال يمثل البعبع الذي يرهب تلك الأحزاب الحاكمة ويؤرقهم. وهذا الأمر يعني أن هذه الاحزاب رغم كل الإستقطاب الطائفي المقيت الذي مارسته فشلت في جذب العراقيين مقارنة بقوة جذب البعث.
أما موضوع عودة المقابر الجماعية فلم يعد أحد يتحدث بها خلال السنوات الماضية لأنها أستهلكت لعدة أسباب أهمها الكشفت عن المحاولات الرخيصة التي اتبعتها أحزاب الإسلام السياسي لشراء الجثث من مقابر النجف وكربلاء ودفنها من جديد والإدعاء بأنها من المقابر الجماعية. والأمر الثاني ان المقابر الجمايعة في زمن حكومة الإحتلال أمست شاغل التراقيين فمايزال مئات الآلاف من أبناء الشعب قتلى في مقابر لا يعرفها إلا الضالعتون في العمالة والإجرام. والأمر الأخيرالشكاوى التي يتحدث بها أسر الضحايا فهم خرجوا من مولد المالكي بلا حمص.
الإدعاء الثاني المتعلق بتعطيل ممارسات عاشوراء أمر يصعب هضمه لأنه يعني أمورا في غاية الخطورة! أهمها الإستهانة بعقلية شيعة العراق وتصويرهم كسذج وجهلة تنحصر كل آمالهم وتطلعاتهم في البكاء واللطم والنحيب وإيذاء النفس. بمعنى إن التقدم الحضاري والنهضة الإقتصادية والتنمية الثقافية والإجتماعية والرخاء وحتى الأمن لا يشغل في خارطة تفكيرهم إلا مساحة ضيقة في ظل تمدد مساحة عاشوراء وطقوسها الشاذة. وهذا يقودنا إلى نتيجة أخطر وهي إن الحس الطائفي لدى الشيعة يسمو على الحس الوطني! وهذا أمر لا يقبله لبيب سيما العشائر العراقية الشيعية البعيدة عن تأثير اللوبي الإيراني والرافضة له والمعروفه بمواقفها الصريحة. لذلك كان النفس الطائفي هو الموجه الأساسي لطلبة الحوزة في التحرك على الطائفة بحجة المحافظة على مذهب آل البيت. ولكن هنا تبرز مشكلة عويصة وهي إذا أصر البعض بأن إنتخاب قوائم الأحزاب التي يروج لها طلبة الحوزة الغرض منه المحافظة على المذهب! فهذا إعتراف بأن مرشحين تلك القوائم هم حماة المذهب وحراسه! فأن كان حراس المذهب هم مجموعة من المجرمين واللصوص والعملاء والطغاة كما عهدنا معظمهم خلال السنوات الأربع المنصرمة. فأي شرف ينال المذهب بهكذا حماة؟ عندما تودع كنز لدى مجموعة من المجرمين واللصوص ماذا تنتظر؟ أليس من الظلم بل العار أن تلصق تلك الطفيليات المؤذية بمذهب آل البيت؟
قبل الإنتخابات إنتقد احد المراجع الأربعة أداء الحكومة والبرلمان وطابع الفساد المستشري فيهما. ولكن المرجعية حادت عن موقفها بعد أيام معدودة لدعم نفس تلك الوجوه الفاسدة التي إنتقدتها! فما الذي غير موقفها! سيقال سلامة مذهب آل البيت كالعادة؟ لكن هل سيبقى آل البيت بوصلة بيد المرجعية الأجنبية توجهها كيفما تريد؟ وهل تبقى المرجعية كقارب تبحر به حكومة نجادي إلى عقول العراقيين بأمان؟
أحد سعاة السيستاني يخاطب عقول الجهلة والسذج بقوله" إننا تنازلنا عن الخدمات. وتنازلنا عن الحقوق. وتنازلنا عن النفط. وتنزلنا عن مصير الأجيال. لكننا لا نتنازل عن الكرامة حتى آخر قطرة من دماءنا! وهذه الكرامة تصان بالولاء لقوائمنا الشيعية ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي"! أي ذل أشد من هذا؟ وعن أي كرامة يتحدث هذا المفتري؟
هل أولئك المجرمون واللصوص والفاسدون في إئتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي يصونون كرامة الطائفة والمذهب! وهل بقت قطرة كرامة بعد كل هذه التنازلات الخيالية؟ أن كلامه لا يقل بشاعة عن شعار(هيهات منا الذلة) فهل هناك حياة ذليلة أكثر من التي يعيشها العراقيون منذ الغزو ولحد الآن؟ هذا الواعظ المتهور يتنازل دون تخويل من أحد ليس عن حقوقة فحسب، بل حقوق الطائفة بكل وجوهها ومن أجل قرة عيون طغمة العمالة والفساد والإنحراف. بربكم هل هذا وكيل مرجع ديني أم وكيل للشيطان؟ من خول هذا الأمعي وغيره من عصابة المكر والخديعة والدجل التحكم بملكوت الشعب وثروته ومصيره ومصير أجياله؟ من نصبه وغيره أوصياء على المذهب يحكمون ويوجهون ويقررون و يأمرون و ينهون دون رقيب او حسيب؟
لقد كانت أورق المرجعية مكشوفة للمبصرين فقد جانبت الحياد في ما أعلنته وسيبقى بيان السيستاني ومسطرته المعوجه حجة بيد المبوقين لدحض المعارضين لولاية الفقيه التي لا يعترف بها كما يدعي سماحته ولكنه يمارسها بكل حذافيرها. فمنذ الغزو الأمريكي الصهيوني الإيراني لم تمر شاردة وواردة في شئون العراق إلا وكان للسيستاني اليد الطولى فيها، إبتداءا من مباركة الغزو والحث على التعاون مع الغزاة إلى تشكيل مجلس الحكم والأنتخابات السابقة واللاحقة وصياغة الدستور والتصويت عليه والأتفاقية الأمنية ومع هذا فأن سماحته لا يعترف بولاية الفقيه، فأي ضحك على الذقون هذا! وماذا نسمي تدخلاته تلك؟ وإن كان حريصا على الإنتخابات في البلد الذي يستضيفه فلماذا لم نسمع له صوتا في الإنتخابات الإيرانية الأخيرة؟ اليس هو مواطن إيراني وبلده أحق بصوته ومشاركته! فلماذا لم يشارك في الإنتخابات الإيرانية في حين يحشر أنفه في إنتخابات العراق؟ وإذا كان يتدخل بصفة المذهب! فالعراق فيه طوائف وأديان ومذاهب أخرى ترفض هذا التدخل. الوطن ليس غنيمة ليستأثر بها أتباع السيستاني أو غيره. العراق لجميع العراقيين والكل شركاء في الوطن ولا فضل لعراقي على آخر إلا بمقدار وطنيه وحرصه على مصالح وطنه وشعبه.
إن إصرار المرجعية على التدخل في الشئون السياسية سواء بشكل معلن كالسابق أو مستتر كما جرى في هذه الإنتخابات إنما يكشف حقيقة دورها المشبوه والتآمري على مصالح العراق وإنقيادها الأعمى لإرادة ولاية الفقيه في طهران.
كلمة أخيرة لسعاة الحوزة الذين تفرغوا لخدمة الطائفية. نقول لهم بأن بيضة المذهب التي يحفظها نوري المالكي وعمار الحكيم كما تشيعون سواء كانت مسلوقة أو مقلاة فانها ستكون في فم نجادي! فلا هنيئا ولا مريئا...ورحم الله الرصافي بقوله:
سحقا لكم يا من عمائمكم كمـا بزاتكم شكــــــل بليد باطـل
مـــــا أنتم إلا بناء ساقــــــــط نتن ملـيء إرضـة متآكـــــل
فهنــــا عميل ضالع متآمـــــر وهناك وغد حاقد متحامــــل

كاتب ومفكر عراقي

www.deyaralnagab.com