logo
الضرائب في غزة تسلب الأطفال الباعة براءتهم ورزقهم!!

بقلم : ابتسام مهدي  ... 16.08.2010

"الله يخليكي ويخليك أولادك اشتري مني ارجوكي بس بشيكل كل هذه الربطة ارجوكي مشان الله "هكذا يستنجي وسام المارة من المتسوقين أن كانوا رجال أم نساء لبيع ما يحمله بين ذراعية الصغيرتين والتي وضعها في كرتونه وتحتوي علي بعض ربطات النعناع .
تقدمنا نحوه لنشتري ربطة نعناع وناولنا وسام الشيكل ,فإذا برجل يفوق وسام طولا بأربع مرات يخطف الشيكل من يده بكل وحشية وقال له "هذا ليس من حقك انه لنا ,أخيرا بعت شي ".
امتلأت عيون وسام بالدموع وارتجفت يداه ولكن لم نري هذه الدموع علي خديه فقد حبسها في دخلة مع الكثير من الحرقة والألم أحسسنا بأنه رجل كبير.
سئلنا ابن التاسعة أعوام من هذا ولماذا تعامل معك هكذا واخذ منك الشيكل ,فأجاب "انه مسئول الضرائب في البلدية فهو يلاحقني منذ صباح اليوم يريد أن يحصل علي الشيكل وأحيانا 2 شيكل ضريبة ما سوف أبيع اليوم حتى ولم أبع شيئا يجب أن ادفع لهم".
ويكمل بصوت خافت والحسرة في حديثة " لم يدعني افرح في أولا شيكل أجنية اليوم فلقد أخذه مني كما راءيتم ".
وليحصل وسام علي ما سوف يبيعه عليه أن يستيقظ كل يوم من الساعة الخامسة صباحا ويتوجه إلي مزرعة أبو محمد حتى يحصد النعناع ,ومن ثم يقوم بتقسيمه إلي عدة ربطات حتى يتسنى له أن يبيعه بسهولة .
ويشتري هذه الربطات من أبو محمد طبعا علي حسب الكمية التي يحصدها كل يوم من 3 إلي 4 شواكل يدفع قيمتها بعد عودته من نهاره الطويل,حيث أبو محمد يرأف بحاله ولا يطلبها إلي بعد أن يعود من السوق .
ويكسب وسام ما يقارب 10 شيكل أو يزيد قليل أو ينقص علي حسب كمية النعناع المباع ونترك لكم حسب الربح الذي يجنيه بعد خصم الضريبة و قيمة النعناع المشتري من أبو محمد .
يمكن أن يرى بعض القراء بان الشيكل لا يعد شيء ولكن لو حسبتم بدقة ماذا يكسب وماذا يدفع لتجد أن الشيكل يمكن أن يكون هو كل ما يكسبه خلال النهار بالإضافة إلي سوء التعامل مع هذا الطفل .
الحسرة والمرارة
بعد أن انتهينا من الحديث مع وسام تنقلنا في السوق وهو احد الأسواق الشعبية والتي تقام كل يوم في محافظة من احد محافظات قطاع غزة.
تناقل خبر وجودنا كصحفيين وعن رغبتنا في عمل تقرير عن وضع الباعة من ناحية الضرائب التي تفرض عليهم ,فتجمهر بعض الأطفال الباعة ليحدثونا عن ما يعانوه وعن الموافق التي مرت عليهم إثناء حصد الضريبة من قبل مندوب البلدية أو كما يسمونه الجلاد .
كل العيون الصغيرة تنظر لنا وكأننا منجدين أو معنا العصي السحرية التي ستنقذ هولاء الأطفال من الجلاد الذي يلاحقهم في لقمة العيش .
أنهم يخسرون طفولتهم وبارئتهم ولا يتمتعون كأطفال العالم بالعب فكل هولاء الأطفال يستيقظون من الساعة 5 صباحا ويستمرون في العمل حتى الساعة 2 مساءا بعد أن يتنهوا من بيع ما جلبوه ويساعدون الباعة في إرجاع بضاعتهم لعلهم يكسبون عدة شواكل أخري يفرحون بها .
يطاردونا ويلاحقونا
من بين هولاء الأطفال الباعة مراد الذي لم يتجاوز ألثمان سنوات كان يحمل كيس فيه عدة ربطات من البقدونس وكان يحمله والجهد يظهر علي وجهه البريء من ثقل الكيس عليه .
" المسئول عن الضرائب يلاحقني ويطارد فينا من الصباح , ولم أبع شيء حتى أعطية الضريبة فوجدت شيكل علي الأرض ففرحت به وأسرع له حتى أعطية لأبيع بأريحية "
ويكمل "ولكنة فاجئني بطلب 2 شيكل بدل من شيكل يقول بان بضاعتي كبيرة ويجب أن ادفع 2 شيكل ,أنا لا اربح من البيع طوال النهار أكثر من 10 شيكل" مراد أيضا هو من يحصد بضاعته ويدفع لصاحب الأرض ثمنا لربطات البقدونس"".
ويضيف "والله حرام كل شيكل اشعر بحسره فيه عندما أعطية له, ولكن أذا لم ادفع فسيصادر بضاعتي هكذا دائما يهددني".
يأخذون من قلوبنا رزقنا
وهاني ابن الرابعة عشر والذي كان يحمل كيس علي ظهره وهو من كان يبحث عنا حتى يحدثني.
حيث قال " اعمل في الأجازات وفي بعض الأحيان اعمل في يوم الجمعة, فانا ادرس بالمدرسة واعمل في الأجازة حتى أساعد والدي فانه لا يعمل ".
ويتابع " أحاول أن اجمع بعض المال حتى اشتري ما يلزمني أنا وأخوتي الثلاثة من مستلزمات المدرسة ,لأنه لن نجد أي مستلزمات أذا لم اعمل ".
"أبيع الملابس الداخلية لرجال واعمل كل يوم في محافظة علي حسب موقع السوق , واكسب باليوم ما بين 40 إلي 50 شيكل وهو مبلغ اشكر الله عليه ".
ويقول والحسرة في قلبه "إلا أن مسئول الضرائب هو من ينكد علي حيث يأخذ مني ما بين 10 إلي 15 شيكل في اليوم ضريبة على حسب أين اعمل, ففي كل محافظة مسئول ضرائب يضع رقما بمزاجه"
كلما عطيته أحس باني أعطية شيء من قلبي وكأنه انتزع هذا المبلغ من دمي لأنني اتعب فيه كثيرا, لماذا لا يرحموننا إلا يكفي إننا لا نعيش كأطفال العالم ".
ولم يختلف عنه بائع الخبز الناشف الذي لم يتجاوز بعد الثانية عشر عاما حيث شكي لنا سوء الحال بسبب مسئولين الضرائب حيث يلاحقونهم كثيرا ويضغطون عليه وفي بعض الأحيان يشتمونه بألفاظ لا تليق بوضعهم ومسئوليتهم .
ويضيف سامي "أكثر شيء مزعج هو أنهم يأتون إليك في الصباح ولم تكن بعد قد حصلت علي أي مبلغ فلم أبع شيء وأشرح لهم ولكن لا حياة لمن تنادي لا احد يسمعك.
والله في بعض الأحيان يأتون لي من 7 إلي 10 مرات وأكون لم أبع شيء حتى أعطيهم الضريبة, كلما رأيتهم اشعر بمرارة بقلبي "
فهم يكسروني في الضريبة حيث يأخذوني مني ما يقارب 15 شيكل أو أكثر في بعض الأحيان ,وأنا لا اكسب أكثر من 40 شيكل في أحسن الظروف.
يأخذون مني في بعض الأحيان أكثر من نصف ما اكسب, كثيرا ما ادعي عليه وابكي لأنني اشعر بأنهم يأخذون تعبي ورزق أهلي فهم يعتمدون علي في مصروفهم ".
تحدثنا إلي مسئول الضرائب الذي كان يجمع الضرائب من الأطفال والذي رفض ذكر أسمه وهددنا إذا ذكرنا اسم البلدية التي يعمل بها "لا نعرف لماذا هذا التهديد " "هذا قانون ويطبق علي الجميع أن كانوا صغار أو كبار لا نستطيع أن نلغي احد أو نتجاوز عنه" .
كل من يستفيد من البيع في السوق يجب أن يدفع الضريبة بغض النظر عن ماذا يبيع, أو كم يربح غير أننا نتعاطف مع الأطفال المتجولين في الأسواق ولا نأخذ منهم الكثير بل شيء رمزي ".
"تأكدوا إذا لم نأخذ منهم سيبدأ الجميع بسؤال لماذا لا تأخذون منهم, الجميع يجب أن يدفع للحصول علي مكان جيد لكي يبيع فيه وحتى يستفيد من خدمات البلدية التي تقدمها لهم ".


www.deyaralnagab.com