في امتلائنا حد "التخمة" !!
بقلم : ريم عبيدات ... 29.06.2010
“أفرغ كوبك” حكمة صينية: هي الذات المتمحورة حول ذاتها على طول الطريق، وهي الفكرة التي ترفض مجانبة غيرها، والعقلية التي لا سبيل إلى تغيير أو تعديل أو تطوير لأي من أركانها، وهي الحقيقة المحتكرة من عهود ولقرون قادمة .
فالعبارة الصينية ملخص شاسع لطريقة متعنتة في التفكير، ومتشددة في الاحساس . هذه العبارة تقول الكثير من الذي يكتنف حياتنا النفسية والاجتماعية من ممارسات رافضة للتغير، ومقاومة حتى للاستماع ومقتلعة للآخر من جذوره .
فنحن الخبراء بكل شيء، ونحن الأقدر دوماً على تحليل الأمور، ونحن أصحاب الحِكَم الخالدة في كل شيء . ومن غيرنا يعرف الحقيقة، كل الحقيقة، وبامتياز واتساع نادرين؟
والفكرة باختصار هي التوصيف البسيط لامتلاء الذات، وإدعاءاتها غير المحدودة بالصواب المطلق، والأرفع الدائم، ختم التجارب البشرية وانتهاءاتها لدى ما نعرف.
منهج وأسلوب في التفكير يشيان بعدم الاستعداد، ولو على صعيد المحاولة، للنظر إلى زوايا جديدة في الحياة لم نعرفها بعد . هو الأسر بكل ما تعنيه كلمة الأسر لتجاربنا السباقة التي نصبح سجناءها بامتياز . والاستكثار على الآخر الحق ذاته . ومصادرة الحق بالاختلاف حتى مع أبسط الحقائق الإنسانية .
طريق مربك يعبّده التعصب، ويؤثثه شعور عميق بعدم الأمان المستمد من أشكال تفكير وحياة وجدت طريقها إلى حياتنا صدفة فاستعبدتنا باستسهالنا لها، حتى عدنا غير قادرين لا على مراجعتها ولا حتى على التعرف إلى أنفسنا الحاملة لها، بل وحتى الخوف الذي يعبر عن نفسه بارتفاع صوته وعصبيته الشديدة من مجرد المحاولة .
لتتحول مع الأيام إلى سجون وأطر تحشرنا حتى تتضاءل فرص معرفتنا الحقيقية حتى لذواتنا القابعة وراءها، وبالتالي انعدام مطلق لرؤية الآخرين . لنضل مشهدنا الحقيقي وملامحنا التي لم نمنح ولا حتى فرصة تأمل واحدة لنعرف . فمنذ الولادة تعيش خلايانا برمجة مقصودة وعفوية ضمن مجموعة من الأسوار التي ما تلبث أن تصبح أثوابنا التي نتوارى خلفها، بل نتوارى فيها حد الذوبان والتبخر، وتخيم علينا بمجموعة من الأسوار العالية التي تصبح مغادرتها فعلاً محفوفاً بالمخاطر، أولها خطر الضياع بين ذواتنا التي نتخيل أو نرغب التخيل وبين التي نعيش.
وليتحول الآخر الى شريك ثقيل الظل في حياة ننعزل في ثنايا زاوية صغيرة من زواياها، لتخنقنا بشروط التنفس المنخفض والتي قد تتناقص بفعل مخاوفنا المتصاعدة إلى تناقص يصل حد الموات . .
ولعلنا مررنا بتجارب مختلفة تلفظ حقنا في الفهم، أو القبول لتتداعى الكثير من الأفكار حول أنماط إنسانية تقابلنا باستمرار، مملوءة بذاتها وبأفكارها وبما تعرف وبمواقفها عن الحياة وحولها، بحيث لا يمكن على الإطلاق أن تقتنع بأية فكرة جديدة أو حتى تفكر فيها، تعطيك هذه الكائنات مليون شارة تحذير تقول كلها “إياك أن تقترب من هناك”، إياك أن تعتقد ولو للحظة واحدة أنك هنا أو أن أفكارك يمكن أن توجد من قريب أو بعيد ضمن حتى قائمة ممكناتها للتفكير .
www.deyaralnagab.com
|