هل هم جادون في محاربة الفساد؟!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 07.07.2010
فجأةً أصدر رئيس السلطة ( أبو مازن) قرارا بتشكيل لجنة لمحاربة الفساد، وملاحقة الفاسدين، وإشهار السؤال: من أين لك هذا؟! وتمّ اختيار، أو تعيين، رجل معروف بنظافة اليّد، والسمعة، هو رفيق النتشة، عضو اللجنة المركزيّة السابق.
شاهدت السيّد رفيق النتشة على فضائية فلسطين مساء 27 حزيران، في مقابلة مطولة، تحدّث فيها بجديّة عن عزمه ملاحقة كل من تورط بأعمال الفساد، ونهب المال العام، لأنه مال الشعب الفلسطيني، ووعد بجديّة الملاحقة والمحاسبة، وإخضاع أي متهم للتحقيق كائنا من كان، دون ظلم أو تجن، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته!
وأضاف الرجل جّادا: من يتهم شخصا ما بالفساد، بسرقة المال العام، بالإثراء من مال الثورة، عليه أن يقدّم البيانات والأدلة، وإلاّ فإنه سيحاسب على تشويه سمعة الناس، فالظلم مرفوض، وكرامات الناس يجب أن تُصان.
الفساد في الثورة الفلسطينيّة قديم، بدأ بعد انطلاقتها، عندما تدفق المال على القيادة الوارثة للمنظمة، وتحديدا بعد معركة الكرامة، وانتشار العمل الفدائي، وبخاصة من دول الخليج، ومن الفلسطينيين الذين فرض عليهم -والحق أنهم استجابوا راضين ومتحمسين بالتبرّع بـ 7% من رواتبهم.
قبل ملاحقة أي فاسد -وما أكثرهم- يفترض أن يطرح سؤال: من أين بدأ الفساد، وكيف بدأ، ومن شجّع عليه؟ ولعل الأسئلة تتوالد، وتتابع، وتتلاحق: ولماذا انتشر الفساد؟ ثمّ: لماذا لم تشكّل لجنة للملاحقة، والتحقيق، والمتابعة، منذ سنوات، خاصة وحديث الفساد لم يتوقف، والمطالبة بالمحاسبة تواصلت من أيّام الفاكهاني، يعني منذ مطلع السبعينيات!
الفساد عدد من الأشخاص، فقد تفشّى كالوباء، والفاسدون ومنذ زمن بعيد، ما عاد يقلقهم التهديد والوعيد، فهم محصنون بشبكة علاقات، عربيّا، و.. من الكيان الصهيوني، ولا أتردد في القول بأنهم محميون أمريكيّا، فالجنرال دايتون بنى أجهزة مهمتها غير وطنيّة، وقادة السلطة يتباهون بأنها –الأجهزة- تقوم بدورها في ملاحقة المقاومين وبالتنسيق مع أجهزة الكيان الصهيوني المُحتّل لكّل فلسطين.. فهل هناك فساد أفدح من الفساد؟!
لقد استعان ( أبو عمّار) وهو محاصر في المقاطعة "بالقدس العربي"، لتهّب للوقوف معه، بعد أن تمرّد عليه شخص تربّى في كنفه وبرعايته.. واستحوذ على الملايين التي كانت مودعة، وتعمل، بإشرافه -أي ذلك الشخص- وأغلق هاتفه وهو في القاهرة، وما عاد يرّد على هاتف القائد الرمز.. المحاصر، والذي ما عادت سلطته تصل إلى القاهرة التي تحصّن فيها ذلك الابن الآبق، وقد وجد من يحميه، ويشاركه في.. المال السائب!
نحن نعرف أن الفرد تحكّم بالمال العام، وأنه نثره يمينا ويسارا وفقا لهواه، بهدف الهيمنة، واجتذاب الأتباع والمحاسيب، ولا من حسيب ولا رقيب!
لو كان هناك ( تنظيم) وأطر، ورقابة، وقيادة جماعية، وشفافية، وصلاحيات محددة، لما تفشّى الفساد، ولكن النفاق حلّ محل النقد، وسيادة سلوك: دبّر راسك.. وأنا ما علاقتي لأورّط نفسي، انتشرت في الضمائر، والسلوكيّات، وباتت ثقافة عامة، فروح الفداء والفدائي، والشجاعة، والشرف، والاستقامة، وقول كلمة الحّق، توارت، وشعر المناضلون الحقيقيون بالغربة، والعجز، فغادر منهم من غادر، وصمت منهم من صمت، و.. استشهد منهم من استشهد بحسرته، وقرفه، وغضبه العاجز، وحيرته، وحزنه.
اندفع إلى الثورة بعد هزيمة حزيران خيرة أبناء وبنات الشعب الفلسطيني، حتى فاضوا عن قدرة الفصائل على استيعابهم، وفصيل فتح تحديدا، فبقي السقف والجدران على حالها، وسادت الشعارات، وانتشرت روح الاستشهاد، و.. لكن لم تنشأ مؤسسات، فتسيدّت ( العفوية)، والارتجال، و.. الفوضى المقصودة التي تمنح ( الفرد) مساحة بلا حدود ليكون الآمر الناهي، وصاحب الكلمة الفصل، و..الذي بالمال بات يُحرّك، ويعّز ويذّل، يرفع، ويمتهن، ينبذ، ويقرّب..ولا من رادع تنظيمي مؤسسي!
مبكرا نشأت الديكتاتوريّة، والاستفراد، والإنفراد، وسلطة الحكومة المستبدة بلبوس( الثورة) من الخارج، بينما الجوهر نقيض لفكرة الثورة، ولأهدافها، وكان هذا هو مرض الثورة الفلسطينيّة المبكّر، وهو مرض مركّب، فالقائد يقود التنظيم القائد الذي قياداته تقف عاجزة لأسباب يطول شرحها، عن التغيير، بل وينصاع بعضها للقائد ليكسب ويحفظ ( موقعه)، تراه ينتقد في السّر، ويبرر في العلن، إمّا قولاً، أو فعلا.
ولأن تشكيل اللجنة الجديدة، لجنة مكافحة الفساد، ورفع شعار: من أين لك هذا، جاء مفاجئا، فلا بد أن تكون له أسباب، فما هي يا ترى؟!
بحكم معرفتنا بالحال الفلسطيني المتردّي، المتهالك، المريض، وفتح هي قائدة الحال، صحةً وعافية، أو مرضا وتحللاً، فإن هذا القرار قد جاء وفتح في حالة ترد تكاد تبلغ الحضيض -ولست أعفي بقية الفصائل- فهو ليس قرارا ثوريا إصلاحيّا جذريا، ولكنه لامتصاص غضب ( قواعد) فتح التي تعيش حالة ضياع، وتيه.
السلطة و( رموزها) متهمون بالفساد، والإثراء، وحياة البطر، و..امتلاك الشركات، والمشاريع، و.. وأرى أن تشكيل اللجنة ليس أكثر من ذّر للرماد في العيون داخليّا.. فلسطينيّا، و.. تطمينا للجهات المانحة بجديّة السلطة في محاربة الفساد، والحّد منه، و.. ملاحقة من فسدوا سابقا، ومن سيفسدون لاحقا، فاللجنة ستكون بالمرصاد، وستنهمك بتحضير الملفات للمحكمة..من هي المحكمة؟ من السلطة، أم من فتح؟!
إن لجنة ومحكمة في زمن الضعف، وانهيار الحركة، وبؤس حال السلطة، لا يعدو أن يكون ( تسلية)، فحركة فتح التي فقدت دورها القيادي، والتي كرّس مؤتمرها السادس حالة التفكك في صفوفها، وهيمنة قادة الأجهزة، والتابعين، والمعادين للمقاومة - أي لروح فتح، ومنطلقاتها، وأسباب ومبررات انطلاقها - لا يمكن أن تتغيّر إلاً بثورة في صفوفها، تنهي حقبة التيه منذ بدا الرهان على أوهام ( التسوية) و..السلام، وإمكانية الحصول على دولة فلسطينيّة مستقلة برضا العدو الصهيوني، وبممالأة أمريكا، و..بالارتماء في أحضان نظم حكم عربيّة تابعة.
الفساد سياسي، تنظيمي، وقد استشرى في صفوف الفصائل جميعها، ففي كل فصيل قائد متحكّم، أو مجموعة متحكمة، وهذا، وهؤلاء، أفسدوا، وهم لا يعيشون إلاّ في الفساد، وبالفساد.
لدي الكثير الذي يقال، وكنت كتبت عن الفساد والفاسدين منذ أيّام الفاكهاني، وبعد الفاكهاني، وأحسب أن الفساد والفاسدين، هم أعداء حقيقيون للمقاومة، ولثقافة المقاومة، وأخلاق المقاومة.
الخلاص لا يتحقق بلجنة محاربة فساد، ولكنه يبدأ من تغيير عقلية القيادات المتحكمة، وبإعادة البناء، وبثورة على فساد العقل السياسي الفلسطيني السائد، وكل أساليب العمل التي نجمت عن هذا الفساد.. فإلى متى يستمّر صمت من يفترض بهم أن يهبّوا للإنقاذ والتغيير؟!
www.deyaralnagab.com
|