logo
ثورة يوليو في الوثائق البريطانية!!

بقلم : د.هدى جمال عبد الناصر * ... 22.07.2010

تعتبر الوثائق البريطانية مصدرا مهما وثريا للدراسات في تاريخ مصر وخاصة منذ الاحتلال البريطاني عام 1882، حيث تدخلت بريطانيا في جميع الشئون الداخلية المصرية، فحوت تلك الوثائق ادق تفاصيل مختلف اوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الخاصة، في مصر، واستمر ذلك حتى توقيع اتفاقية الجلاء في 18 تشرين الاول1954 ، وتصفية القاعدة البريطانية في منطقة القناة، والقضاء على النفوذ البريطاني برمته بعد العدوان الثلاثي على مصر في 1956.الصراع بين الثورة والاحتلال البريطاني لمصر
لقد دخلت الثورة المصرية بعد قيامها بعدة اشهر في مفاوضات مع الحكومة البريطانية تتعلق بالوضع في السودان والجلاء عن مصر، هاتان القضيتان اللتان ظلتا محورا للحركة الوطنية المصرية منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى، وجرت حولهما مفاوضات متعددة وصلت الى طريق مسدود.
1- المفاوضات المصرية البريطانية الخاصة بالسودان:
تتضمن الوثائق البريطانية الخاصة بهذا الموضوع تسجيلا تفصيليا لكل ما دار من محادثات بين المسئولين المصريين والبريطانيين حول وضع السودان، الى أن تم توقيع اتفاقية السودان في 1953. كما تتضمن ايضا كل الاتصالات التي تمت بين الجانبين لتنفيذ بنود الاتفاقية بعد توقيعها. وتكشف الوثائق البريطانية عن الدور الذي قامت به بريطانيا في انفصال السودان عن مصر، من خلال تقديم الدعم الى القوى السودانية المنادية بالانفصال، ووضع العراقيل امام جميع الصيغ الوحدوية التي اقترحتها حكومة الثورة او الصادرة عن القوى السودانية المؤمنة بفكرة الوحدة بين شطري وادي النيل. وقد بدأت المفاوضات حول السودان في نهاية عام 1952، وتحديدا بعد قيام ثورة يوليو بخمسة اشهر، وهذه المفاوضات مسجلة في سلسلة من الملفات يبلغ عددها 16 ملفا في عام 1952، وقد تم الكشف عن محتوى هذه الوثائق بصورة كاملة. وقد تم استكمال المفاوضات بين الجانبين في عام 1953، وهذه المفاوضات مسجلة في 25 ملفا. وبالرغم من مرور ما يقرب من نصف قرن، الا أن جزءا لا 2- مفاوضات الجلاء عن مصر:
بدأت هذه المفاوضات عام 1953 بعد توقيع اتفاقية السودان مباشرة، وتكشف الوثائق البريطانية عن التناقض في اهداف كل من الطرفين المتفاوضين، فقد كان هدف مصر النهائي من هذه المفاوضات هو توقيع اتفاقية تضمن جلاء القوات البريطانية عن منطقة قناة السويس، بينما كانت بريطانيا تهدف الى ضم مصر الى التحالف الغربي المناهض للاتحاد السوفييتي تحت ذريعة الدفاع عن الشرق الاوسط، في محاولة منها للحصول على غطاء شرعي يضمن بقاء القوات البريطانية في منطقة القناة. وتكشف الوثائق البريطانية عن وجود اتصالات اسرائيلية بريطانية من اجل تنسيق المواقف فيما بينهما فيما يتعلق بالمفاوضات مع مصر. فلقد ابدت اسرائيل في هذه الاتصالات قلقها العميق من جلاء القوات البريطانية عن قاعدة قناة السويس، وطالبت بضرورة أن يتم التشاور معها قبل توقيع اي اتفاقية مع مصر، حيث ظهر أن اسرائيل كانت تعتبر الوجود العسكري البريطاني في منطقة القناة بمنزلة المنطقة العازلة بينها وبين الجيش المصري. وقد تم الكشف عن جزء من هذه الاتصالات الاسرائيلية، البريطانية، الا أن هناك العديد من الوثائق التي تتناول هذا الموضوع مغلقة لفترة 50 عاما، واغلبها يشمل الضمانات التي قدمتها بريطانيا لاسرائيل، خاصة فيما يتعلق بقيام بريطانيا بالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية بتقديم مبادرة سلام لانهاء الصراع في المنطق.
3- العدوان الثلاثي 1956:
تمثل حرب السويس نقطة فارقة في تاريخ مصر ومنطقة الشرق الاوسط والعالم، حيث انها الغت تعهدات مصر في اتفاقية الجلاء، فيما يتعلق باعادة استخدام القوات البريطانية لقاعدة قناة السويس في حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على أي بلد يكون طرفا في معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية او تركيا. وفي نفس الوقت تعتبر هذه الحرب بداية النهاية للوجود الاستعماري البريطاني، الفرنسي في المنطقة. كما اكد فشلها دور ثورة يوليو المحوري في قيادة دول المنطقة وتقديم الدعم لحركات التحرر في المنطقة العربية وفي افريقيا، واصبحت مصر نموذجا يحتذى به في العالم الثالث لمقاومة السيطرة الاستعمارية وتحقيق الاستقلال. وتبرز الوثائق البريطانية بالتفصيل قصة حرب السويس من بدايتها الى نهايتها، وتكشف عن وجود مخطط بريطاني، فرنسي، امريكي لتحجيم دور مصر الثورة في المنطقة منذ بداية عام 1955. ولقد كان السبب الرئيسي في وضع ذلك المخحطط هو رفض مصر الانضمام الى سياسة الاحلاف، التي حاولت الدول الثلاث اقامتها في المنطقة لمواجهة الاتحاد السوفييتي. وتشير الوثائق بوضوح الى أن قرار جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس لم يكن السبب الرئيسي لشن العدوان الثلاثي على مصر، وانما كان الغطاء الذي احتمت به الدول الثلاث ليوفر لها شرعية شن الحرب. فقد تم الكشف عن وثائق بريطانية يرجع تاريخها الى عام 1951 تؤكد حق مصر المطلق في تأميم شركة قناة السويس، لأن ذلك حق سيادي لمصر يتوافق مع ما جاء في اتفاقية القسطنطينية 1888 الخاصة بقناة السويس. وتكشف الوثائق تفاصيل التخطيط بين الدول الثلاث المعتدية الذي لم يتم، كما اصبح معروفا، عن طريق الوسائل الدبلوماسية المعتادة، وانما تم عن طريق اعلى مراكز صنع القرار في الدول الثلاث، اي رؤساء الوزارة، حيث لم يكن سفراء الدول الثلاث في الخارج على علم بهذه الخطط. وكذلك اختفاء الوثيقة الرئيسية التي تم التوقيع عليها في فرنسا بين رؤساء الحكومات الثلاث بشأن العدوان على مصر، لأن رئيس وزراء اسرائيل اصر على الاحتفاظ بها في تل ابيب، خشية أن تتركه فرنسا وبريطانيا وحده في مواجهة مصر، كما اعلن عند نشر اسرائيل هذه الوثيقة. ولقد تناولت الوثائق البريطانية ايضا حالة العزلة التي وجدت الحكومة البريطانية نفسها فيها داخليا وخارجيا اثناء حرب السويس، فقد عارض غالبية الشعب البريطاني هذه الحملة العسكرية، في الوقت الذي نجحت فيه مصر في حشد تأييد الرأي العام العالمي لموقفها، كما اتضح ايضا وجود مصلحة لبعض القوى الاقليمية، بجانب اسرائيل، في القضاء على الثورة المصرية، فقد كان نورى السعيد، رئيس وزراء العراق، احد ابرز مؤيدي الهجوم العسكري على مصر، املا في ايجاد نظام بديل فيها يؤيد سياسته في اقامة تحالفات مع الدول الاستعمارية. وترصد وثائق وزارة الدفاع البريطانية بصورة تفصيلية احداث العدوان العسكري على مصر، بدءا من الهجوم الاسرائيلي على سيناء في التاسع والعشرين من اكتوبر، وعدم قدرة اسرائيل على تحقيق اي نصر عسكري حاسم حتى يوم 31 تشرين الاول، وهو يوم صدور القرار المصري بالانسحاب من سيناء، ثم الهجوم على المطارات والقواعد الجوية املا في اخراج السلاح الجوي المصري من المعركة في الاوقات الاولى من الحرب، ثم عملية الانزال البري التي قامت بها القوات الفرنسية والبريطانية في بورسعيد، والمقاومة الباسلة التي قام بها الجيش والشعب المصري في مواجهة القوات المعتدية.
الثورة المصرية كمصدر تهديد للنفوذ البريطاني والمصالح الغربية
خرجت مصر بانتصار سياسي في 1956 بعد فشل العدوان الثلاثي عليها، وهنا بدأت مخططات جديدة بهدف تحقيق ما عجز السلاح عن فرضه، فأصبحت منطقة الشرق الاوسط محور صراع سياسي ضار بين الغرب وقوى التحرر العربية. وهنا تظهر قيمة الوثائق البريطانية فهي تكشف تلك المخططات وتسجل تفاصيل ذلك الصراع، وبصفة خاصة خلال معركة الاحلاف العسكرية، وبعد تحقيق الوحدة المصرية السورية، وخلال مرحلة المد التحرري العربي الذي ساندته مصر بكل قواها في اليمن والخليج العربي وجنوب شبه الجزيرة العربية. وقد وصل الامر في منتصف الستينيات الى التآمر لتوجيه ضربة عسكرية من اجل القضاء على نظام عبد الناصر تماما، ولما لم يتم ذلك، عندما رفض الشعب العربي الهزيمة بعد ضربة حزيران 1967، استمر العداء بين مصر والغرب الذي القى بثقله بجانب اسرائيل سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وذلك حتى رحيل جمال عبد الناصر في 28 ايلول 1970
وسوف نتوقف هنا عند نقاط اساسية في هذه المرحلة لنستعرض ما تعكسه الوثائق البريطانية بصددها:
الوحدة المصرية السورية 1958، 1961
حركات التحرر العربي والافريقي
عدوان 5 حزيران 1967.
1- الوحدة المصرية السورية 1958- 1960:
بالرغم من استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وبريطانيا منذ العدوان الثلاثي في 1956، الا أن الوثائق البريطانية تحتوي على معلومات دقيقة توضح اهتمام بريطانيا والغرب عموما بتتبع عملية الوحدة، كما تكشف، وهو الاهم، مدى خطورة الوحدة المصرية السورية ليس فقط على المصالح البريطانية والغربية في منطقة الشرق الاوسط، بل ايضا على مصالح الكتلة الشرقية التي وقفت من الوحدة منذ البداية موقفا معاديا. واخطر ما في الوثائق البريطانية المتعلقة بالوحدة المصرية السورية التفاصيل التي ذكرت عن مخططات الدول الغربية لمنع انضمام اي من الدول العربية الاخرى الى دولة الوحدة، ومختلف الوسائل التي استخدمت من اجل تحقيق هذا الهدف، فلقد قدم الغرب الدعم المالي والعسكري للدول المجاورة لمصر وسوريا، بالاضافة الى تغذية شكوك جميع دول المنطقة حول الدولة العربية الوليدة، فلقد كانت بريطانيا هي المحرك الرئيسي لاثارة مخاوف كل من العراق ولبنان والاردن من احتمال تعرضهم لهجون عسكري من جانب الجمهورية العربية المتحدة. وتكشف الوثائق البريطانية اسرار حملة الدعاية المضادة لدولة الوحدة التي لم يكن لها اساس من الصحة، وانما كانت تهدف الى تشويه صورة الجمهورية العربية المتحدة ورئيسها امام الجماهير العربية. ومما يثير مزيد من الشكوك حول الدور المشبوه الذي قام به الغرب لاحباط تجربة الوحدة بين مصر وسوريا وابعاد الدول العربية الاخرى عنها، هو وجود 50 ملفا مغلقا من هذه الوثائق لمدة خمسين عاما، استثناء من قاعدة فتح الوثائق السياسية بعد ثلاثين عاما، بالاضافة الى وجود 4 ملفات مغلقة لمدة قرن من الزمان! ومما يدل على مدى الانزعاج الذي سببته الوحدة المصرية السورية للقوى الاستعمارية هو أن معظم الوثائق البريطانية المتعلقة بها محفوظة تحت اسم "ازمة الشرق الاوسط". وبالطبع لقد حظى انفصال سوريا عن مصر وانتهاء تجرب الوحدة الاولى في التاريخ الحديث في 28 ايلول 1961 بمساحة كبيرة من الوثائق البريطانية، فلقد كان هناك رصد دقيق لكل جوانب الوضع الداخلي في كل من مصر وسوريا، كما قامت بريطانيا بتبني مطالب بعض الفئات السورية التي اضيرت من القوانين الاشتراكية، وفي النهاية تشير هذه الوثائق الى أن انفصال سوريا عن مصر يمثل ضربة شديدة للفكر الثوري في المنطقة، والتي كانت ثورة يوليو في طليعته.
2- حركات التحرر العربي والافريقي:
احدثت ثورة يوليو انقلابا في خريطة المنطقة العربية والقارة الافريقية، من خلال قيامها بمساعدة حركات التحرر ضد الاستعمار، مما اثار حفيظة الدول الاستعمارية الغربية ودعاها للتكتل لضرب الثورة المصرية وتحجيم نفوذها المتزايد، سواء في الوطن العربي ام افريقيا ام في حركة عدم الانحياز. وتقدم الوثائق البريطانية رصدا دقيقا للمساعدات التي قدمتها مصر لحركات التحرر في المنطقة العربية وافريقيا والعالم الثالث، ويبرز دور مصر في مساعدة تونس والمغرب لنيل استقلالهما في منتصف الخمسينات، ثم الدور المصري الحاسم في مساندة الثورة الجزائرية، والذي كان احد اسباب تآمر فرنسا ضد مصر في عدوان 1956، حيث كانت مصر تمد الثورة الجزائرية بالسلاح والاموال، اضافة الى الدعم الاعلامي، واستضافة المناضلين الجزائريين في القاهرة. وتحتل مساندة مصر للثورة اليمنية مساحة كبيرة من الوثائق البريطانية المتعلقة بمصر في بداية الستينيات، نظرا لاهمية موقع اليمن الاستراتيجي في جنوب البحر الاحمر وقربه من منابع النفط في الخليج العربي، اضافة الى حجم الدعم الذي قدمته مصر، حيث انها كانت المرة الاولى التي تخرج فيها قوات مصرية بهذا الحجم لمساعدة دولة عربية. وتذكر الوثائق البريطانية التي تم الكشف عنها أن المساعدات الضخمة التي قدمتها مصر للثورة اليمنية تجاوزت الخطوط الحمراء للقوى الاستعمارية، لانها كانت بمنزلة تهديد مباشر وصريح لاهم مصالح القوى الغربية في المنطقة، والتي تتمثل في النفط والتحكم في الممرات المائية. وقد حفزهم ذلك الى محاولة استنزاف قدرات مصر الاقتصادية والعسكرية في اليمن، من خلال اطالة زمن الحرب. وقد لعبت الحملات الدعائية البريطانية دورا كبيرا في تأجيج نار الخلافات( العربية- العربية) من خلال تشويش صورة مصر، وابرازها بمظهر الساعي للهيمنة على المنطقة العربية باسرها، وقلب انظمة الحكم فيها بما يتوافق مع سياساتها هي. ولم يتم الكشف بعد عن جزء كبير من وثائق حرب اليمن، خاصة تلك التي تتعلق بالسياسة البريطانية تجاه اليمن وجنوب شبه الجزيرة العربية، او التي تتعلق بالمساعدات العسكرية التي قدمتها المخابرات البريطانية بالتعاون مع جهات اخرى للقوى الرافضة للدور المصري في جنوب شبه الجزيرة العربية. كما تذكر الوثائق البريطانية أن مساعدة مصر لحركات التحرر في القارة الافريقية والعالم الثالث ادى الى تنامي علاقات مصر الخارجية بصورة كبيرة، مما وفر لها دعما سياسية هائلا في معظم قضاياها. كما أن هذا الدور، تحديدا، مكنها من اجهاض معظم المحاولات الاسرائيلية المتكررة لمد نفوذها في دول القارة الافريقية لتطويق الدول العربية من جهة الجنوب. وتقدم الوثائق البريطانية استعراضا شاملا لعلاقات مصر الخارجية مع القارة الافريقية ودول العالم الثالث في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية. كما تسجل الوثائق تفاصيل المفاوضات المصرية البريطانية المتعلقة بعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1959، خاصة ما يتعلق بمطالب مصر افتتاح بعض القنصليات لها في افريقيا ومنطقة الخليج العربي، وكيف أن الخلاف في هذه النقطة قد عرقل استئناف العلاقات بين البلدين لمدة تقترب من العامين، الى أن تم التوصل في نهاية عام 1960 الى اتفاق يسمح لمصر باقامة قنصليات لها في كل من نيروبي ودار السلام وفري تاون والكويت. كما ابرزت الوثائق زيارات جمال عبد الناصر للدول الافريقية، والاستقبالات الشعبية الحافلة التي حظى بها خلالها، ومن ابرز الامثلة على ذلك هو زياراته لكل من السودان عام 1960، وغينيا وغانا عام 1965.
3- عدوان 5 حزيران1967:
بالرغم من انقضاء ما يقرب من خمسة وثلاثين عاما على حرب حزيران 1967، الا أنه لم يتم الكشف عن كثير من الوثائق البريطانية المتعلقة بها، لأن غالبيتها مصنف تحت بند سري للغاية ويتطلب 50 عاما للكشف عنه. ان الوثائق المتاحة للاطلاع هي فقط المتعلقة بمقدمات هذا العدوان، بالاضافة الى سرد يومي لتفاصيل العمليات العسكرية خلال ايام الحرب، ثم بعض المحادثات السياسية التي جرت بعد انتهاء العمليات العسكرية، خاصة بين الدول الكبرى، واسفرت عن قرار مجلس الامن رقم 242. وبالرغم من أن وثائق عام 1967 لم يتم الكشف عن الجزء الاكبر منها، الا أن هناك بعض الوثائق التي يرجع تاريخها الى نهاية عقد الخمسينيات، تلقي مزيدا من الضوء على الهدف الاساسي الذي سعت اليه وعملت من اجله القوى الاستعمارية، وهو القضاء على الثورة المصرية. ومن اخطر تلك الوثائق المذكرة التي قدمها "جوليان امري" مساعد وزير الدفاع البريطاني، عام 1958 الى رئيس الوزراء الذي صدق عليها، ثم تم الرجوع اليها مرة اخرى في عام 1966 اثناء المحادثات الامريكية البريطانية عن الشرق الاوسط في ذلك الوقت. وهذه المذكرة تتضمن مجموعة من الخيارات للتعامل مع نظام جمال عبد الناصر، وانتهت الى أن السبيل الوحيد لضمان المصالح البريطانية والغربية في منطقة الشرق الاوسط هو التخلص من جمال عبد الناصر من خلال استخدام الوسائل العسكرية. وتمثل هذه المذكرة الاساس الذي ارتكزت عليه السياسة البريطانية تجاه مصر خلال العشر سنوات التالية. وقد سجلت الوثائق البريطانية بالتفصيل الموقف السياسي في مصر في اعقاب عدوان 5 حزيران، وخاصة قرار جمال عبد الناصر بالتنحي عن الحكم، ورد الفعل الهائل من قبل الجماهير العربية برفض الاستقالة ومطالبته بالعودة مرة اخرى من اجل ازالة اثار العدوان. كما رصدت تقارير السفارة البريطانية في الخرطوم الاستقبال منقطع النظير من قبل الجماهير السودانية للرئيس عبد الناصر عند زيارته للمدينة لحضور مؤتمر القمة العربي الذي عقد في اب عام 1967، اي بعد شهرين فقط من العدوان. وترصد الوثائق الجهود التي بذلتها مصر لازالة اثار هذا العدوان، من خلال اعادة بناء الجيش المصري، حيث يذكر احد تقارير السفارة البريطانية في حزيران 1968 أن الجيش المصري اصبح اكثر قوة وتنظيما مما كان عليه قبل عدوان حزيران 1967. كما اولت هذه الوثائق اهمية كبرى لحرب الاستنزاف، ليس فقط من خلال متابعة العمليات العسكرية المتبادلة بين الجانبين، وانما من خلال دراسة اثر هذه الحرب الاقتصادية والنفسية على كل من مصر واسرائيل، وموقف الدول العربية منها. وقد تابعت الوثائق البريطانية الموقف الاقتصادي في مصر من خلال تقارير نصف شهرية، واكدت هذه التقارير صمود الشعب المصري خلف قيادته السياسية بالرغم من الصعوبات الاقتصادية الجمة التي يواجهها. كما أنها رصدت التضحيات الغالية التي بذلها الشعب في سبيل الاعداد لمعركة التحرير. واخيرا، تم فتح بعض وثائق عامي 1970 و 1971 للاطلاع، وهي التي تتناول الموقف في منطقة الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي بصفة عامة، الا انها ركزت بصفة خاصة على الاحداث المأسوية التي شهدها الاردن والتي تعرف باسم "احداث ايلول الاسود" تعبيرا عن المصادمات الدموية التي حدثت بين الفصائل الفلسطينية والجيش الاردني. وترصد الوثائق البريطانية هذه المأساة منذ بدايتها، لان بريطانيا لم تكن بعيدة عن مسار الاحداث، فقد كان اعتقال السلطات البريطانية للفدائية الفلسطينية ليلى خالد اثر محاولتها اختطاف طائرة اسرائيلية هو الدافع لمجموعة فدائية فلسطينية لاختطاف ثلاث طائرات والهبوط بها في قاعدة جوية اردنية وتفجيرها بعد اطلاق سراح جميع ركابها.

المصدر : موقع الفكر القومي العربي

www.deyaralnagab.com