الذين لا يشعرون بالحرج!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 18.08.2010
هذا العنوان مهذب، بل شديد التهذيب، والحق أنه غير مناسب، فـ(الجماعة) عندنا، ولا أقول (جماعتنا)، فهم ليسوا جماعتنا، ما عادوا يشعرون بالحرج مما يفعلون، وما لديهم من جديد يقدمون، فهم سادرون في (خيارهم)، سيّارة بلا كوابح، ولا مقود، ولا وجهة، ولا قلق من سوء المآل الذي نحن فيه، والذي إليه ستنتهي قضيتنا ما دام هذا نهجهم.
لا حساب يحسب لرأي فلسطيني عام، استغلالاً لتشتت الفلسطينيين في بلاد الدنيا، عربيّة، وغير عربيّة، فلا استطلاعات للرأي تثير قلق وهواجس من يمسكون (بالقرار)، رغم كل المؤشرات على رفض كل ما فعلوا ويفعلون.
(الجماعة) ـ وأنا هنا لا أحيل إلى المسلسل المثير الذي كتبه السيناريست وحيد حامد عن (جماعة) الاخوان المسلمين، ولا إلى فرعهم في فلسطين، ولا سيّما الممسك بقبضته على القطاع المحاصر.. ولكنني أتحدث عن.. جماعة (أوسلو)، الذين هم ماضون إلى حيث سيهوون بالحافلة التي تقلنا الى الهاوية، التي قد تؤمن لهم خروجا منها سالمين غانمين، أو قد ينّط من شبابيكها من يتميزون بحاسة الحيوانات تجاه الزلازل، فيفوزون بما غنموا، وتبوء القضيّة بسوء المصير.. وماذا ستجدي معاقبتهم عندئذ؟!
إنهم لا يشعرون بالحرج، وهم قد صعّدوا، وصعدوا عاليا، فطالبوا بمرجعية، ووقف الاستيطان، وباعتراف الكيان الصهيوني بالحدود، أي حدود الدولة، والتي هي حدود الـ67.. وتحديد وقت المفاوضات!
أمريكا لم تمنحهم مظلة للهبوط، أو تسهيل القفز عن الشجرة، فبقوا فوق الشجرة، وداخوا من الانتظار، فبدأوا بإطلاق الصراخ: الحقونا.. نحن علينا ضغوط.. نحن مضغوطون، نحن في حالة انضغاط، الضغوط تزداد!.. نحن نغرق تحت الضغوط.. انضغطنا فهبطنا.. قدّروا ما تحملناه من ضغوط. انظروا إلى صائب كيف آلت حالته بعد ازدياد الضغوط عليه! صحيح أنه يواصل الظهور أمام الكاميرات بتمام عافيته، بوجه يتفجّر عافية من أثر الصيام والسجود و..سهر الليالي فوق الشجرة في هذا الشهر الفضيل!
يبدو أن الجماعة لم يصعدوا على قمّة شجرة نخيل ريحاوي، بل اختاروا عن دهاء شجرة برتقال، أو بومل، أو ليمونة، لتسهيل الهبوط السلس، دون أن تصاب أعضاؤهم بأي أذى، بفضل خبراتهم المتراكمة في النّط. العجيب أنهم لا يشاركون في بطولات ألعاب القوى، وخاصة في النّط بـ(الزانة)، والقفز العريض، والقفزات الثلاثيّة.. رغم الخبرات، أقله كانوا سيعودون لنا بميدالية ولو برونزيّة، وليس بدستة خوازيق بعد أوسلو، وما بعد بعد أوسلو!
بعد عشرين عاما على مسيرة مدريد وأوسلو، وبيانات الرباعية: الأمم المتحدة، أمريكا، روسيا، أوربة.. وطابا، القاهرة، شرم الشيخ، والمؤتمرات الاقتصاديّة، والوعود بالمليارات، و.. تقسيم الضفّة إلى (أ..ب..ج) ، ثمّ إعادة احتلال (أ) و.. تدمير المطار في غزّة، والميناء.. والبنى التحتيّة، بإشراف الجنرال باراك، وما بعد باراك من جنرالات.. وتناول ما لذّ وطاب من طعام (كاشير) في بيوت القيادات الفلسطينيّة المحدثة النعمة ـ كله من مال الشعب الفلسطيني، شعب الشهداء والبطولات! ـ وبعد ضياع الأرض الفلسطينيّة التي كانت تتكلم عربي قبل ظهور السلطة، وسيل التصريحات الحامية عن رفض العودة للمفاوضات المباشرة..ها هم يستعدون للعودة..ما أحلى الرجوع إليها..فقد استوحش لها المفاوضون المضغوط عليهم، أكثر مّما يستوحش المؤمنون العابدون الصائمون لرمضان في أواخر أيّامه، فتلهج قلوبهم قبل ألسنتهم: لا أوحش الله منك يا رمضان.
وحشتينا يا مفاوضات.. يا كاميرات.. يا جلسات، ويا تصريحات.. باعتقادي أن.. لا، لا يمكن أن.. في الحكيكة نحن انضغت علينا، ولكننا صمدنا.. وها نحن نعود.. ولكن بضمانات من الرباعية.. بفضل الصديك ميتشل.. ميتشل ـ رجاءً لا تبوحوا بالسّر ـ عربي الأصل.. لبناني.. متعاتف (معنا).. و.. لا تصغوا لمن يشككون به، انطلاقا من أن السلطات اللبنانية قبضت على عشرات الجواسيس والعملاء، من شتى الطوائف، يعملون في خدمة (الموساد) رغم أنهم لبنانيون!..لا..لا ..لا يجوز النظر للرجل ك..أوmk ..يعني مثل الطيّارة التي رصدت تنقلات الرئيس الراحل رفيق الحريري!.. الرجل مبعوث.. وهو مبعوث العناية الأمريكيّة، فلولاه لبقينا فوق الشجرة، ونحن وضعنا صعب، وبصراحة: لا نتمتع باللياقة البدنية التي تساعدنا على القفز حتى من فوق شجرة دانية من الأرض كشجرة البرتقال.. فلنقدّر للرجل تعاتفه معنا!
بماذا ستعد الرباعية؟ بما لا ينفّذه نتنياهو، بالأحرى بما يساعد نتنياهو على تنفيذ ما يناسب الكيان الصهيوني: الاستمرار في الاستيطان، حربه على الفلسطينيين من عمق النقب إلى القدس إلى ما تبقّى من أرض الضفة، والقدس.
هل الرباعية كفيل قد كلمته؟ وهل هي كفيل وضامن صادق وجاد، وذات مصداقيّة؟!
علمنا أهلنا بالمثل: ما حكّ جلدك غير ظفرك.. والمشكلة أن جلدنا، وجلد القضيّة.. يحتاج للحّك، في حين من يفترض بهم حّك جلدنا وجلد قضيتنا.. تمسحت جلودهم، ولذا تراهم لا يشعرون بالحرج، فهم يقولون ما لا يفعلون، وهم يقولون القول وينقضونه بعد ساعة، وأحيانا ينقضونه وهم يقولونه.. وبلا حرج !
أليست هذه هي مدرسة المفاوضات الفلسطينيّة الوادعة اللطيفة الدمثة التي لا توتّر من تفاوضهم، والتي تتميّز بالطمأنينة، فلا تتوتّر، ولا تقلق، ولا تأبه لاستحواذ الاحتلال على مزيد من الأرض، ولا لزحف المستوطنات، فهناك ما يروجه هؤلاء: كل ما يبنيه الاحتلال سيؤول (لنا)!
اللهم إني صائم، وإلاّ لقلت فيهم ما يستحقون، فهم يُخجلوننا بما يفعلون، ويؤلموننا بما يقترفون، ويهينوننا بما يسلكون، ويقللون شأننا في عين العدو والصديق.
اللهم لا تجعل إفطارهم وغداءهم وعشاءهم، وما يتناولون من لذائذ الطعام آناء الليل والنهار.. هنيئا مريئا، فهم لا يعرفون جوع أهلنا في الضفّة والقطاع ومخيمات اللجوء، ولا يشعرون بالفاقة التي تذّل أسر الشهداء، والأسرى المنسيين.
اللهم إنك تعرف بأننا نحن الفلسطينيين نشعر بالخجل نيابة عمّن لا يخجلون، ونتألم نيابة عمن لا يتألمون، وأن أرضنا تنوح من أنياب الجرّافات، فما العمل يا رب مع هؤلاء الذين كلما أمعن الاحتلال في نهب الأرض أمعنوا في المفاوضات؟!
الرباعية!
إذا كان كل طرف من الأطراف الأربعة معروف المواقف، والانحيازات، والتردد في قول كلمة الحّق.. فما حاصل جمع الأربعة؟!
أمريكا أوباما لن تحيد عن الانحياز الدائم الاستراتيجي والتاريخي والعقائدي، ثمّ ما الذي يستفيده أوباما من (فلسطين) إن هو اختار مواجهة نتنياهو؟! أتريدونه أن يخوض حرب عصابات ضد اللوبي الصهيوني، والكيان الصهيوني.. ومن أجل جماعة (الحياة مفاوضات).. والحقوني.. أنزلوني من فوق الشجرة؟!
ستستأنف المفاوضات المباشرة، مهما كان بيان الرباعيّة، ورغم أن الاستيطان يستشري هذه الأيّام عمدا، تحديا للرباعية، واستباقا لبيانها، واستهتارا بجماعة المفاوضات حياة.
هل توقفت المفاوضات سرّا وعلنا؟
تضيّع القضيّة في عتمة (الطريق) الذي اختاره مفاوضون منذ البداية أداروا الظهر لشعبنا، وما زالوا يراهنون على (شيء) ما من (أمريكا).. يشبه أن يكون (دولة)..حتى وإن لم تكن الدولة على الأرض..فالمهم أن تكون لها رئاسة، وحكومة، و.. سجون، وأجهزة، وعلاقات حسنة مع أمريكا التي تريد من (الجماعة) العودة للمفاوضات المباشرة.. لتباشر مرحلة جديدة من أعمالها في أمكنة غير بعيدة عن فلسطين التي تريدها هادئة، ساكتة، لتتفرغ لمآربها.. و(الجماعة) والله يعرفون ما يفعلون، وما يقترفون!!
www.deyaralnagab.com
|