logo
هل ستقوم القيامة قريبا؟!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 25.08.2010

أتذكّر بإلحاح هذه الأيّام مشاهد من فيلم (القيامة الآن)، المأخوذ عن رواية (قلب الظلام) للروائي البولوني الأصل جوزيف كونراد، الإنكليزي الكتابة، والتي نقلها إلى السينما (كوبولا)، وغيّر مكان الحدث، مع الحفاظ على جوهر الفكرة.
تلك الرواية ترجمها إلى العربيّة الصديق صلاح حزّين، ونشرت قبل ثلاثين سنة في بيروت، وصدرت عن دار ابن رشد في طبعة متواضعة شعبيّة، وأعادت إصدارها دار (أزمنة) الأردنيّة، وبمقدمة قرأتها من جديد قبل أيّام استذكارا لصديقي صلاح حزين الذي رحل قبل عام وهو في أوج شبابه وعطائه، فهالني ما قرأت.
يُعبّر بطل رواية (نوسترومو) ـ وهي مكان وهمي، ولكنه قريب الشبه ببلدان أمريكا اللاتينيّة ـ وهو أمريكي، وتاجر، عن طموح أمريكا لدور تسعى إليه حثيثا للهيمنة على العالم: 'في وسعنا أن نجلس ونراقب، وذات يوم سوف نتدخل. طبعا لا مفر من ذلك. ولكن ليس ثمة ما يدعونا إلى العجلة. إن على الزمن ذاته أن يقف على خدمة أعظم بلد في كون الله الواسع. ستكون لنا الكلمة في كل شيء: في الصناعة والتجارة والقانون والصحافة والفنون والسياسة والدين. سوف يكون لدينا من الوقت ما يمكننا من الاستيلاء على الجزر والقارات القصيّة من الكرة الأرضيّة. سنقوم بإدارة أعمال العالم سواء راق ذلك للعالم أم لم يرق. ليس في وسع العالم أن يمنع ذلك.. وليس في وسعنا نحن أيضا'.
هذه الفقرة التي كتبت في رواية صدرت قبل مائة عام، أي قبل أن تمتلك أمريكا تكنولوجيا الفضاء، والأسلحة المدمّرة، والأساطيل، و..التحكّم باقتصاد العالم، هي بمثابة (رؤية) من كاتب عايش الحقبة الاستعمارية، أذهله مدى تدمير(الإمبرياليات) لحياة وثقافات شعوب لا تمتلك ما يمكنها من الذود عن بلدانها، فسقطت تحت أقدام الغزاة، وتشوهت حياتها.
أمريكا كانت تستعّد للهيمنة على العالم، بعد أن تكونت على حساب أهل البلاد الأصليين. أبادت الملايين بالكوليرا، والجدري، والرشاشات التي حصدتهم حصدا، وطاردتهم حتى الأقاصي التي لجأوا إليها، ومن بعد حشرت من تبقى في معازل، وهذا يتكرر حاليا في فلسطين، بأيدي من يشكلون امتدادا لأمريكا وثقافتها الاستعمارية، وانتحالها لحق إلهي يبيح الإبادة، والتحكّم في مصائر البشر.
في الفيلم، كما في الرواية، وقبل أن يُقطع رأس كورتز الذي أغوى السكّان الأصليين بعبادته ..يردد: إنه الهول.. الهول!.
هو رأى الهول هناك في قلب أفريقيا، والمخرج كوبولا نقل رؤيته إلى فيتنام التي أبيد فيها البشر والشجر والحجر.
نشاهد في الفيلم الجنرال الأمريكي يفتح أبواب الهيلوكبتر، بينما موسيقى فاغنر تدوي مع نيران الجحيم التي تطلقها الرشاشات في حفلة صيد على طريقة الكاو بويز. لا عجب، فعقلية الأبناء متوارثة عن عقلية الآباء المؤسسين لأمريكا!
قبل أيّام ظهر فيدل كاسترو، القائد الثوري الكبير، وخطب أمام البرلمان الكوبي لمدة 13 دقيقة فقط، هو الذي كان يطلب من الجماهير الكوبية، في زمن مضى، أن تحضر معها طعامها وماءها ليخطب لساعات، لأن خطاباته كانت ندوات تثقيفيّة، ومما قاله في خطابة القصير، وهو أوّل إطلالة جماهيرية له بعد سنوات عانى فيها من المرض، وأجريت له عملية جراحية في الأمعاء، وتخلّى عن السلطة ، ليتسلمها رفيقه وشقيقه ـ ليس وراثة ، ولكن لأنه يستحق بجدارة، فهو قائد ثوري صلب ميداني ـ راؤول كاسترو.
في خطابه المركّز ناشد كاسترو كل قادة العالم أن يضغطوا على الرئيس أوباما، كي لا يستخدم القنابل النووية ضد إيران!
العجيب أن مناشدة كاسترو مرّت دون صدى. لماذا؟!
ببساطة لأن العالم الذي تتحكم فيه أمريكا وفقا لرؤية ذلك التاجر الأمريكي في رواية جوزيف كونراد بات بليدا جدّا، وجبانا وخانعا!
قبل أيّام مرّت الذكرى الـ65 على حرق هوراشيما وناغازاكي اليابانيتين، بقنبلتين ذريتين أمريكيتين، ومع ذلك فأمريكا لم تعتذر حتى اليوم عن جريمتها، هي الدولة الوحيدة في التاريخ البشري المعاصر التي استخدمت القنابل الذريّة لحسم الحرب.
بمناسبة الذكرى الـ65 شاركت أمريكا وللمرة الأولى بإرسال دبلوماسي غير مهم لحضور الاحتفال، ودون اعتذار عن الجريمة البشعة، والتي كتب عنها الجنرال إيزنهاور في مذكراته بأنها لم تكن ضروريّة، لأن الإمبراطورية اليابانية كانت على وشك الاستسلام!
في سهرة رمضانية ضمّت بعض الكتّاب والمثقفين الأصدقاء، تساءلنا عن سّر جبن العالم، وتقاعسه عن قول كلمة الحق في وجه الجور الأمريكي. تهجينا الأجوبة. منّا من حيّرته مواقف الدول الأوربيّة القويّة اقتصاديا: ألمانيا تحديدا..والدول العريقة ديمقراطيّا: فرنسا..ومرّ بعضنا على عوامل الضعف التي تنهك أمريكا، لا سيّما الاقتصاد، فهي غارقة في الديون الداخلية، ولو اضطرت لتسديد ديونها لهوت إلى مرتبة الدول الأقل من نامية، يعني لتساوت مع بنغلاديش!
وكان السؤال: ما سبب استخذاء وتبعية أوربة ـ نستثني بريطانيا التابع دائما، والمحرضة على الحروب باستمرارـ الأعرق ثقافيا، وحضاريا، وغير المحتاجة للحماية عسكريا بعد انتهاء الحرب الباردة، والمستقلّة اقتصاديا، والقريبة من الأسواق المستهلكة عالميّا؟!
طبعا نحن نقفز عن تبعية دول العرب، وحكّامهم، فلا هم في العير ولا في النفير، بل هم في الجيبة الأمريكيّة، يؤمرون بشراء الطائرات الأمريكيّة ودفع ثمنها بالمليارات ..لتكون جاهزة، لا لتحرير فلسطين، ولكن لتدمير إيران، دون التفكير بأن النار ستلتهم (الجيران)، وليس الولايات الأمريكيّة البعيدة، فالقواعد هنا، وفي مرمى ما تعده إيران من صواريخ، وطائرات بدون طيّار، وكل ما ستدافع إيران عن نفسها به!
يبدو أن ما جاء في خطاب القائد كاسترو غير بعيد عن تفكير قادة إيران، ولذا فهم يوجهون الرسائل لأمريكا وللكيان الصهيوني، بكل ما ينجزونه عسكريا، ويعلنون عنه حتى يحسب أعداء إيران حساباتهم جيدا!
أما (العربان) فلا حسابات، فهم يسيرون نياما، أمرهم ليس في يدهم، فأيديهم تستمتع بما ملكت(أيمانهم)، ليس من قوّة ورباط خيل، ولكن بما لذّ وطاب، في المخادع، لا في المصانع!
نحن في الشرق الأوسط نجانا الله من السيول، والفيضانات الجارفة التي دمرّت حياة أخوتنا في باكستان، ومن الوحول الزاحفة في الصين، ومن الأمطار الغزيرة في جهات من العالم، تبدأ من بولونيا، وتمّر بواشنطن، و..ما زالت تهطل بغزارة جارفة الأرض الزراعيّة في السودان، وأمكنة لم نسمع بها من قبل..ولكن هل سننجو إن قامت القيامة (الأمريكيّة)؟!
العالم على كف عفريت، والحياة مهددة. في العراق تتواصل التفجيرات والموت والدمار. وفي أفغانستان تحصد الطائرات بدون طيّار أرواح العشرات يوميّا. وكل هذا من نعم هيمنة أمريكا على العالم، وتدميرها للغابات، وإشعالها لحروب النهب، والهيمنة، والسيطرة على مصائر البشر، فقط لأنها قويّة، وقوتها قوّة الظالم الذي يغرق العالم بشرّه، وجشعه، وقسوته.
العالم يضيع في الفوضى، فوضى الطقس بعد تدمير الغابات، وإشعال الحروب التي استخدمت فيها أسلحة تدخل فيها الذرّة. انظروا إلى جريمة ولادة أطفال العراق بتشوهات مرعبة، ونهب الثروات بجشع لا يوقفه صراخ بشري واحد، بصوت البشر أجمعين: هذه الأرض لكل عباد الله، كفّي يا أمريكا عن تخريب العالم. لن نقبل بأن تستخدموا أسلحة الدمار من جديد. أنتم أفسدتم الحياة أيها اليانكيون.
آن للبشرية أن تحمي نفسها من أمريكا، حتى لا تقوم القيامة، وينتهي عالمنا الذي لم يعد جميلاً بسبب حروبها ونهبها.


www.deyaralnagab.com