ما بين يوم الأرض ومسيرة العودة!!
بقلم : علي حيدر ... 21.04.2010
أحيت الجماهير العربية في الداخل خلال الشهر الأخير ذكريين هامتين ومركزيتين في تاريخ الشعب الفلسطيني، الأولى هي الذكرى الرابعة والثلاثون ليوم الأرض، والثانية هي مسيرة العودة، والتي تنظم في السنوات الأخيرة في يوم "إنشاء إسرائيل"، تذكرًا للنكبة الفلسطينية التي حلّت بشعبنا نتيجة لتحقيق المشروع الصهيوني. تجدر الإشارة هنا، إلى أن الذكرى الفلسطينية للنكبة تقع في الخامس عشر من شهر أيار من كل عام.
ما يبعث الأمل ويقوّي العزيمة، هو المشاركة النشطة والحضور الجماهيري الكبير في المسيرتين اللتين أقيمتا في سخنين وقرية "مسكة" المهجرة، خصوصًا مشاركة الشباب والأطفال.
لقد سبق يوم الأرض هذا العام سجال وجدال واسعان بين بعض الأحزاب والحركات السياسية، حول ضرورة إعلان الإضراب في هذا اليوم، أو الاكتفاء بالمسيرات والفعاليات، ومن ثم أتبع هذا النقاش بمسألة أخرى حول الحزب أو الجهة التي أسست لهذا اليوم.
إن هذين الجانبين للنقاش لهما دلالات وأبعاد هامة حول عملية تأريخ مسيرة نضال المجتمع الفلسطيني وطبيعة المؤثرين عليها، كما أنهما يطرحان محاولات للربط بين فهم الماضي، التعاطي مع الحاضر والتخطيط للمستقبل.
ولكن بالرغم من النقاش المتوتر والمشحون أحيانًا، فإن جميع الأطراف والجهات والهيئات التزمت بقرار لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية بالرغم من تحفظ بعضها على جزء مما جاء فيها ونقدها لذلك، كما شارك عشرات الآلاف في إحياء الذكرى تكريمًا للشهداء، حماية للأرض ووضع لبنة جديدة في صيرورة بناء الجماعة الفلسطينية وتقويتها، وتحديًا للسلطة وأذرعها التي تعمل وبشكل منهجي ومستمر على قمع واضطهاد المجتمع الفلسطيني في الداخل والاستيلاء على أرضه وممتلكاته ومحو ذاكرته الجماعية وخصوصيته القومية والثقافية عن طريق القوانين والقرارات العنصرية المحرضة على كراهية العرب، وعن طريق الممارسة اليومية من خلال هدم المنازل العربية، مصادرة الأراضي، تهويد الحيّز العام وعبرنة أسماء البلدات والجبال، والشوارع والمواقع والوديان والمقدسات والاستيلاء عليها وتدميرها وملاحقة قيادات المجتمع العربي لتقييد إمكانيات الحراك السياسي.
مسيرة العودة الثالثة عشرة، لذكرى النكبة، قد أجريت هذا العام في قرية مسكة المهجرة بمنطقة المثلث الجنوبي، بالتعاون ما بين مهجري مسكة، لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين ولجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية، وشهدت نجاحاً كبيراً من خلال المشاركة الواسعة، النظام وإعداد المعلومات والمواد المصورة والتوضيحية حول القرية وتاريخها وتهجيرها بلغات مختلفة. وأيضاً من خلال إيصال رسائل واضحة بأننا باقون هنا، ولا تنازل عن حق العودة، وما من أحد يستطيع منحنا أو حرماننا من تذكر نكبتنا أو حرماننا من التواصل مع أرضنا، أو سرد روايتنا التاريخية. ويحضرني في هذا السياق ما قاله الراحل محمود درويش في وداع ذكرى النكبة الخمسين: "لعلنا لا نحتاج في هذه الذكرى إلى أكثر من معرفة أن للغد علينا حقاً، وأن لنا حقاً في الغد، ولكن الغد لا يولد إلا من الحاضر".
وقد كان للمسيرة هذا العام رمزية وخصوصية هامتان نتيجة للمصادقة على ما يسمى بـ "قانون النكبة" والذي يهدف إلى منع الفلسطيني في الداخل من إحياء ذكرى النكبة ويستهدف أيضاً قيادة المجتمع العربي ومؤسساته، ويصبو إلى محو الذاكرة، تقييد وتضييق الحراك السياسي، والمسّ بحرية التعبير والتظاهر، ولذلك عبّرت المشاركة الواسعة في المسيرة عن حالة تحدي القوة، الهيمنة والغطرسة السلطوية، والتأكيد على أنه لا يوجد أقسى وأصعب من النكبة ذاتها إلا محاولة إنكارها، وعدم الاعتراف بها وتولّي المسؤولية حيال نتائجها، كما جسّد الوعي الجماعي، وخصوصاً لدى الشباب بخصوص دلالات الذكرى ومعانيها.
في معرض تأكيده على أهمية التذكير بمجزرة دير ياسين قال إدوارد سعيد ذات مرة: "إن الذاكرة الجماعية لشعب ما هي إرثه، لكنها أيضاً قوة دافعية يجب تفعيلها كجزء من هوية الشعب وشعوره بما له من حقوق وامتيازات، من هنا فإن تذكر دير ياسين لا يعني مجرد العودة إلى الكوارث الماضية، بل فهم من نحن وإلى أين نتجه وبدونها نكون في حال من الضياع وما يبدو هو أننا بالفعل في ضياع".
من هذا المنطلق، فإن هاتين الذكريين تستدعيان وتتطلبان الإجابة على بعض الأسئلة: هل مفهوم لنا جميعاً من نحن وإلى أين نتجه، وخصوصاً على خلفية الوضع الرديء الذي تمر به القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وهل يترتب علينا مراجعة وسائل وآليات واستراتيجيات النضال التي نستخدمها (بثابتها ومتحولها) فنحافظ على ما هو ناجع ومفيد ويقدمنا في تحقيق أهدافنا الوطنية وتطوير ما أصبح مكروراً ومألوفاً. باعتقادي هذه المراجعة ضرورية وهامة، وتلزم أيضاً بناء مؤسسات مثل "مؤسسة يوم الأرض" و"مؤسسة إحياء ذكرى النكبة"، اللتين بدورهما تعملان على تكريس معاني ورسائل ودلالات هذه المناسبات وتنظمان مشاريع وفعاليات بشكل دائم ومستمر بحيث يشكل إحياء الذكريين تتويجاً لهذه النشاطات.
كما يترتب علينا أن نقيم "متحف يوم الأرض" و "متحف النكبة" من أجل تجميع الحقائق، والذكريات والمعلومات والصور التي تحفظ الذاكرة. المطلوب أن تشكل هذه المتاحف مراكز للزوار من داخل وخارج البلاد لإطلاعهم على جزء من تاريخ نضالنا في الدخل.
بالإضافة إلى ما ذكر سابقاً، تبقى القضية الأساسية هي الحاجة إلى إطلاق مشروع عودة لاجئي الداخل ومهجريه إلى بلدانهم (كمقدمة لتطبيق حق العودة بالكامل) وهذا المشروع يتطلب تخطيطاً ، وعملاً وقيادة تؤمن به وتعمل على تنفيذه على أرض الواقع. وخصوصاً أن لاجئي الداخل يشكلون ربع فلسطينيي الداخل ويعيشون بالقرب من بيوتهم وأراضيهم في ضائقة سكنية هائلة، كما ينبغي العمل على قيادة مشروع وطني لاستعادة جزء من أراضينا المصادرة وليس التصدي للمصادرة فقط.
مما لا شك فيه، أننا نعيش مرحلة صعبة وشاقة ولكن بإمكاننا أن نفرض الأمر الواقع، مع فهم أن الأمر يتطلب تضحيات وإرادة قوية، ومؤسسات قادرة وقيادة جماعية حكيمة ومخلصة ومسؤولة تمنح الجماهير الأمل في إمكانية التغيير، بالرغم من حالة التشاؤم والإحباط والقهر، وأن تعبئ المجتمع وتحفزه للعمل والإنجاز وتوسيع وتحشيد قطاعات أوسع من الجمهور. إن الحرية واستعادة الأرض وحمايتها تتطلب حركية وفعالية ومبادرة، ولا يمكن أن تتأتى بعفوية.
*Ù…Øامي Ùلسطيني
www.deyaralnagab.com
|