الهجوم على الإسلام في الضفة الغربية!!
بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 05.09.2010
لم يكن من المتوقع أن تقوم سلطة الحكم الذاتي المنبثقة عن أوسلو وتبعاته بنشر الإسلام أو تشجيعه، أو نقله نقلة نوعية من ممارسات الكهنوت إلى المضامين العملية التي تشجع العلم والعمل والاعتماد على الذات، وعلى الجهاد في سبيل الله في كافة المجالات، أو أن تعتمده كمنهج حياة تهتدي بهديه في تخطيط برامجها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والسياسية والأمنية والعسكرية. وفعلا لم تخيب السلطة الفلسطينية التوقع، وسرعان ما بدأت تتخذ إجراءات قوية وحادة ضد من ترفضهم من المسلمين، وضد مؤسسات تديرها جماعات إسلامية، ومن ثم ضد الإسلام نفسه. الآن، هناك إجراءات تمس الإسلام نفسه، وتخرج عن إطار الحرب على حماس أو حزب التحرير لتدخل ضمن العداء للإسلام نفسه.
أشير بداية إلى أن السلطة الفلسطينية لا تختلف عن أنظمة عربية كثيرة أو عن دول أجنبية مثل الدول الأوروبية في تقبلها للدين إذا كان طقوسيا، وانحصر في المساجد والطواف حول الكعبة، وربما تشجعه إذا بقي ضمن هذا الإطار. لا مانع من أن يصلي الناس، وأن يقيموا صلاة التراويح، وأن يذهبوا للعمرة ويصوموا، إنما شريطة أن تخلو هذه الشعائر من مضامينها العملية وتبقى طقوسا صماء بدون انعكاسات عملية على أرض الواقع. ومن المعروف تاريخيا أن الأديان التي تتحول إلى طقوس تفقد معناها وقيمتها، وتتحول إلى آلية أفيونية تخدر الناس، وتجعلهم يتوهمون أن الجنة بانتظارهم. أما تلك الشعائر التي تقود إلى تقوى الله فيشمر المرء عن ساعديه ويعمل ويكد ويتعب، ويمتشق سلاحه ليجاهد ضد الأعداء، ويشق الصخر بفأسه ليزرع الشجر فغير مطلوبة لأنها تجعل للدين معنى وقيمة تؤثر في حياة الناس أفرادا وجماعات.
لم يكن من المتوقع أن تهادن السلطة الفلسطينية الإسلام العلمي والعملي على مستوى الأفراد أو الفكرة للأسباب التالية:
أولا: اتفاق أوسلو يتناقض تماما مع الإسلام لأنه يشرعن وجود الغزاة على أرض إسلامية مقدسة، ويعطيهم حقا فيها على حساب حقوق فلسطينية. الإسلام ليس عدوانيا، ولا يتخذ من الحرب منهجا إلا في حالات الدفاع، لكنه لا يقبل أبدا الظلم، ولا التسامح مع الذين يحتلون أرض المسلمين أو يخرجونهم من ديارهم، أو يظاهرون على إخراجهم. أوسلو انتهك قيمة إسلامية عظيمة وكبيرة، وهو لا يمكن أن يتعايش مع نقيضه.
ثانيا: إسرائيل ومن معها من الدول الغربية التي عملت نحو صك اتفاق أوسلو لا تهادن الإسلام الحقيقي (الإسلام الذي يعتمد العلم والعمل) والمسلمين العمليين، وإنما تعمل على ملاحقة ذلك الإسلام وأولئك المسلمين. إنها تعتبر الإسلام نقيض الهيمنة الغربية العسكرية والاقتصادية، ولا بد للمسلمين أن يتحولوا عن قيمهم الدينية الحقيقية العملية لصالح دين طقوسي يمجد كثرة الصلاة وكثرة الصيام بدون مردود عملي.
الإسلام بالنسبة لهذه الدول عبارة عن أذى كبير يقض المضاجع، ويقلق المنام، ويهدد بإحداث تطورات جذرية تؤدي إلى استقلال المنطقة العربية الإسلامية، ووضعها على طريق التقدم العلمي والتقني. ولهذا خلت برامجها ومقارباتها من تقديم أي دعم لإسلاميين، واشترطت ملاحقة المسلمين العمليين والفكرة الإسلامية العملية لتقديم الدعم المادي والمالي.
ثالثا: عدد من المسؤولين الفلسطينيين ينتسبون لجماعات أو لمدارس فكرية معادية للإسلام. منهم من ينتمي للماسونية التي ترى في الإسلام دينا متخلفا ظلاميا يعادي اليهود ومخططاتهم في إقامة هيكل سليمان، ومنهم من هو بهائي يرى أن المحبة والسلام في العالم لن يتحققا إلا بإقامة هيكل سليمان، ومنهم من هو تحرري (ليبيرالي) متغربن يرى أن العرب لا يمكن أن يتقدموا إلا إذا تبنوا القيم الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية الغربية، ولن يتمخض عنهم خير ما دام الإسلام يعشعش في نفوسهم. هذا العدد معادي للإسلام أصلا، وليس بحاجة إلى تحريض إسرائيلي وغربي، بل هو يلتقي مع أهل الغرب وإسرائيل في نظرتهم للإسلام، ولديه الاستعداد المسبق لتنسيق العمل معهم لمواجهة الإسلام والمسلمين.
رابعا: هناك من الفلسطينيين من ارتبطت مصالحه بإسرائيل والدول الغربية، وهم ليسوا على استعداد للتضحية بهذه المصالح من أجل شيخ جليل متواضع يرى في الاعتراف بإسرائيل جريمة كبيرة بحق الشعب الفلسطيني. هناك من حصلوا على الكثير من متاع الدنيا مثل الرواتب والسيارات وال VIP من الإسرائيليين والغربيين، ولا يستطيعون التخلي عنها من أجل قيمة وطنية.
أما عن الممارسات ضد السلمين العمليين والإسلام العملي فتتعدد بالأوجه التالية:
1- الاعتقالات المستمرة في صفوف الحركة الإسلامية بخاصة حركة حماس. يبرر بعض المسؤولين في السلطة أن هذه الاعتقالات ناجمة عما حصل في غزة، لكن الاعتقالات حقيقة في صفوف حماس والجهاد الإسلامي مستمرة منذ عام 1995، وقبل أن تسيطر حماس على قطاع غزة. هذه اعتقالات مبنية ومنصوص عليها في اتفاقيتي أوسلو وطابا، وهي مطلوبة من قبل إسرائيل وأهل الغرب في كل اجتماع تفاوضي مع السلطة الفلسطينية. ملاحقة الإرهاب والإرهابيين، وفق تعبيراتهم، عبارة عن جزء من متطلبات أمن إسرائيل، واعتقال الإسلام العملي مطلوب باستمرار.
2- الهجوم على خطباء المساجد والأئمة واستبدالهم بعناصر ذوي انتماء سياسي يقبل الاتفاقيات مع إسرائيل. لقد اتم إزاحة العديد من خطباء المساجد الذين كانوا يتناولون قضايا الشعب والأمة بالتحليل بخطباء غير قادرين وشبه أميين لا يتقنون سوى بعض الكلام عن الغيبيات ومحاسن الجنة ومخاطر جهنم. وقد لاحظت الأخطاء الكثيرة التي يقعون فيها بخاصة في تفسير بعض الآيات أو في مدلولات الأحاديث. وقد عبر عن هذا الوضع البائس أحدهم عندما قال لي: "توقف الناس عن الصلاة بعدما وظفوني في هذا المسجد."
3- السيطرة على خطبة صلاة الجمعة بطريقة أخرجت الخطبة عن مقصدها والمتمثل بتناول قضايا الأسبوع التي تهم جمهور المسلمين. أغلب الخطب في صلاة الجمعة لا قيمة لها، ولا تضيف شيئا لمعارف جمهور المصلين، وهي في الغالب موجهة من أوقاف رام الله، وقد سبق أن اقترحت على السلطة إلغاء الخطبة لترتاح هي ولنرتاح نحن من سماع خطباء جهلة يسيؤون للدين.
4- شتم الذات الإلهية وشتم الدين الإسلامي والرسول محمد عليه الصلاة والسلام. هذا الشتم يتكرر في التحقيق مع المعتقلين، وأثناء الاعتقالات ومداهمة البيوت، وأثناء اقتحام المساجد والجمعيات الخيرية. من المألوف أن يدخل جند من هذا الجهاز الأمني أو ذاك موقعا، ويبدأ بسب الذات الإلهية والتهديد والوعيد. هذه ظاهرة موجودة ومتكررة، ولدي من الشهود من يكفون لإسماع العالم وصفا لهذه التصرفات.
5- التدخل بشأن الأذان الموحد أو قراءة القرآن قبل الصلاة. رأيي واضح تماما بهذه المسألة وهو أنه لا حق لأحد أن يستعمل السماعات الخارجية لغير الأذان إذا عبر الناس أو بعضهم عن احتجاجهم. هناك أناس مشغولون، أو مرضى، أو يطالعون دروسهم، وهناك من لا يريدون السماع. لا يحق للمسلم أن يجبر أحدا على سماع القرآن أو التراتيل أو التبريكات، ومطلوب من المسلم، وفق الأخلاق الإسلامية، أن يراعي ظروف الآخرين وأن يحترمها ما دامت لا تعتدي على المسلمين.
السلطة الفلسطينية تدخلت بأمر لم تقم حوله ضجة، ودون أن يتقدم الناس باعتراضات، وكأن تدخلها كان يهدف إلى المس بسلوك تقليدي لدى بعض المدن الفلسطينية. وهذا مس لا بد أن يقود إلى مس آخر، وهكذا.
6- مراجعة الخطباء والأئمة ومدرسي الدين والناس العاديين وسؤالهم عن أفكار طرحوها أو ناقشوها بالمساجد أو المدارس أو الساحات أو جلسات عادية. هناك إرهاب واضح تقوم به أجهزة سلطوية من أجل قهر الكلمة، وكبت الناس، وتحويلهم عن قناعاتهم. الجهاد في الإسلام ضد الغزاة والمعتدين واجب ديني مقدس، وكل من يتخلى عنه يكون قد اقترف إثما عظيما، ويكون قد ساهم مساهمة مباشرة في إذلال الأمة وتطويعها لأعدائها. هذا كلام إسلامي لا يجوز الوقوف بوجهه أو منعه، وكل سياسة تعمل على إلغائه أو تثبيطه أو إحباطه إنما هي سياسة ضد الإسلام والمسلمين.
والخلاصة أن السلطة الفلسطينية لا تدخر عملا يرتد عليها سلبا إلا وتقوم به. إنها تعاكس التاريخ، وتهدد أمن الشعب الفلسطيني، وتعتدي على العديد من قيمه الأصيلة، وتساهم بتصفية القضية الفلسطينية. إنها تعمل ضد نفسها باستفزاز الناس ومشاعرهم وانتمائهم، وإذا كان هناك ما يسعفها فتلك الأموال التي تأتي من دول الغرب، والغرب يعي تماما لماذا يقدم الأموال.
المسلسل طويل وخطير، لكن الحكيم من يتدارك الأمور. لقد جربتم أيها السلطة حظوظكم مع الغرب، وأنتم أكثر من يدرك أن شعب فلسطين في ظل محاولاتكم لم يحصد سوى المزيد من المتاعب والأحزان. حان الوقت للمراجعة.
www.deyaralnagab.com
|