logo
ذهول تالا قرّش ودّم الشيخ إبراهيم أبوالسعيد!!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 15.09.2010

هذه الحكاية حقيقيّة، بالكلمات، والصور.
وهي حكاية مقدسية.
وصلتني في ثالث أيّام العيد، صور من صديق يوافيني دائما بكّل ما يضعني في حالة استنفار..كأنما ينقصني مزيد من الألم، والغضب، والتوّتر!
وصلته الصور من جهة مقدسية تحمل اسم (باب العرب)، صوّرت احتلال بيت أسرة فلسطينيّة من عائلة قرّش.
يوميّا نسمع عن طرد أسر مقدسيّة، بقوّة السلاح، ورميها إلى الشارع، في سياق عملية تهويد القدس، واقتلاع عربها مسلمين ومسيحيين.
الصور بليغة القول، وأفصح من أي كلام، وهي تصدم من بقي لديه إحساس، وانتماء، في كل بلاد العرب والمسلمين، وحيث يوجد بشر لديهم إحساس إنساني، وتعاطف مع المظلومين.
عدّة صور متتابعة تسرد الحكاية، كأننا نشاهد فيلما صامتا، لكنه ناطق، بل وصارخ، ولا يحتاج للشرح بالكلمات، رغم أن من صوروا الحدث المأساوي علّقوا بكلمات قليلة على الصور والمشاهد المتتابعة.
أسرة قرّش تعيش في بيتها بحارة السعديّة، في القدس القديمة منذ عام 1940، وتعّد قرابة أربعين فردا.
دوهمت الأسرة والبيت، واقتلعت بقوة من جيش الاحتلال، والشرطة، ولكن الأسرة اعتصمت في الزقاق أمام البيت.
في الصورة الأولى: البنت تالا قرّش بفستان أحمر، عمرها سنتان...
جندي أشقر بنظّارة داكنة تخفي عينيه، تلتصق به مجندة بملابس الشرطة، وجندي يقف بشكل مائل ويستند إلى الدرجات التي يصعدها أصحاب البيت إلى بوّابة بيتهم.
المجندة تبتسم ابتسامة شامتة، والجندي ينظر إلى تالا الواقفة أمامهم، والمندهشة مما يجري، نظرة لئيمة، ساخرة.
في الصورة الثانية: تزداد ابتسامة الشرطية، بشعرها الأجعد، وملامحها السمراء ـ تبدو يهودية شرقيّة..من أين ؟! بينما يرسم الجندي الأشقرـ من أي البلاد قدم هو وذووه؟!ـ شارة النصر وهو يشمل تالا بنظرة مستعلية، لا تعاطف فيها مع براءة طفولة ذاهلة، لا تعرف الحقد، ولا الغضب، وإن كانت تحدس بأن شيئا ما يحدث، شيئا انتزعها من حوش البيت حيث كانت تلعب مع أشقائها، وبنات وأبناء عمومتها، و..جعل ذويها يرتمون في الشارع حزانى، مقهورين، صامتين، لا يبتسمون، ولا يلاعبونها كالعادة.
تالا لا تبتعد عن بوابة البيت، وأهلها يجلسون وقد الصقوا ظهورهم بجدار البيت الخارجي، محاطين بعدد كبير من الجنود، ورجال البوليس، و..المجندة!
صورة للمحامي وهو يسلّم رئيس الشرطة قرار المحكمة والذي يخوّل الأسرة الحّق بالعودة إلى بيتها وإنهاء المصادرة، و..لكن رئيس الشرطة يرفض تنفيذ القرار!
أطفال العائلة المرهقون ينامون في الشارع ، بينما تالا تتأملهم.
واضح أن تالا لا تستوعب ما يحدث. في عينيها نظرة يمكن استشفاف تساؤلها المندهش: لماذا لا ينامون في حوش البيت، في غرف البيت، كما كنّا ننام جميعا قبل هجوم هذه المخلوقات الغريبة التي اقتحمت البيت، بملابس غريبة، بسحن غريبة، ببنادق تختلف عن بنادق لعب الأطفال؟!
أتساءل: لو أن هذه الطفلة كانت يهودية، ونشرت صورها في العالم، في أمريكا، وأوربة تحديدا، ماذا سيكون رّد الفعل؟!
تالا قرّش طفلة فلسطينيّة، لا يهم أين ستنام!
تالا في الصور تضع مصّاصة في فمها (لهّاية) .. وهذا يعني أن الجيش والبوليس، لم يسمحوا لذويها بحمل علبة الحليب ورضّاعتها!
مع هؤلاء تتواصل محادثات السلام، وهكذا تُحمى القدس..والتي سيكون ما لن يتبقّى منها عاصمة للدولة الفلسطينيّة السرابيّة!
تأملت الصور كثيرا، ولم أبعث بتهاني بالعيد للأصدقاء، فهذا العام قررت أن اضرب عن إرسال التهاني، واستقبالها.
في هذا العيد قّتل بقصف صاروخي الشيخ الطاعن إبراهيم أبوالسعيد.
هذا الشيخ المزارع قتل في أرضه، في ثالث أيّام العيد.
هذا الشيخ يبلغ الـ91 من عمره، يعني ولد قبل أن تولد دولة الكيان الصهيوني بثلاثين سنة.
كأنما أوجدت هذه (الدولة) لتقتل الفلسطيني الشيخ إبراهيم أبوالسعيد.
كأنما وجدت لتشرّد تالا قرّش، وتحرمها النوم في سريرها كأطفال العالم!
كأنما (الغرب) الاستعماري الحقير يُدّفع تالا والشيخ إبراهيم ثمن جرائمه وعنصريته وجشعه ونهبه!
ثمّ، في أيام العيد الباهت الحزين، نستذكر صبرا وشاتيلا.
ففي أيام ثلاثة من شهر أيلول/سبتمبر عام 1982 تمّ ذبح مئات الفلسطينيين واللبنانيين، بأيد خائنة، بتخطيط ومشاركة صهيونية، وبإشراف الجنرال المجرم شارون.
نتذكر ونشاهد الصور، ونقرأ، و..ماذا؟!
اسمحوا لي أن لا أعلن ابتهاجي بالعيد، وأن لا أرسل التهاني والأماني، فالأماني لا تجعلنا نعيش عيدا سعيدا، بينما نحن نعيش في بلاد يهيمن عليها الخنوع والتفاهة، إلى حد أننا نسمع تصريحات وزير خارجية أكبر دولة عربيّة، التي يبشّر فيها الفلسطينيين بتعويضات تبلغ خمسين مليارا بدلاً من أرضهم التي ستضم للكيان الصهيوني..ولا يُحاكم على تصريحاته بتهمة خيانة أنبل وأعدل قضيّة!
اتبسطوا يا شعب فلسطين، فوزير كامب ديفيد يحسدكم على المليارات القادمة، وسيبوكم من فلسطين، والمقاومة!
هل كانت فلسطين ستنكب، ويطول عذاب شعبها، لولا وجود أمثال هذا الوزير، ونظام الكمب ابن الكمب الذي يوزّره؟!
حزن تالا، ودم الشيخ إبراهيم، وآلام أسرانا، وصراخ أرضنا تحت أنياب جرافات المستوطنين الغزاة، و..استغاثات القدس التي تشوّه عروبتها يوميّا، تصرخ في وجوهنا، وأسماعنا: لا سلام مع هؤلاء القتلة، ولا غفران لمن يضع يده في أيديهم، ولا سبيل سوى المقاومة، فإن قاومنا سنكون بخير، وستكون أعيادنا في ميادين المعارك، وإلاّ ستباع فلسطين نهائيّا، وبمليارات تقبضها نظم حكم السماسرة، من شرم الشيخ إلى..


www.deyaralnagab.com