القدس، كل القدس!!
بقلم : محمود صالح عودة ... 30.09.2010
عندما وقعت عملية الخليل بداية الشهر الجاري، التي أدت إلى مقتل 4 مستوطنين، سارع كل من الأمم المتحدة وأمريكا وإسرائيل وأبي مازن لإدانتها. لم يستنكر أحد منهم مقتل الشاب سامر سرحان على يد حرّاس المستوطنين، كما لم يستنكروا مقتل الطفل الرضيع محمد أبو سارة، الذي استشهد إثر اختناقه في سريره نتيجة إلقاء القوات الإسرائيلية قنابل الغاز على بيوت المواطنين الفلسطينيين، تم كل ذلك خلال الأسبوع الماضي في أحياء القدس.
أصبح صمت الفريق الفلسطيني المفاوض على جرائم الاحتلال عاديًا للغاية، فلا نسمع أحدًا يستنكر الجرائم اليومية بحق المواطنين، إلا وقت الحاجة لتخفيف "سواد الوجه". وإن استنكروا فلا نصدق استنكارهم؛ فإن من يخطف ويعذب أبناء شعبه ويسلمهم للاحتلال، ويقترف الجرائم جنبًا إلى جنب مع قوات الاحتلال على الأرض، يُعتبر استنكاره بمثابة "بيع كلام" ليس إلا.
ثمة من يرفض استخدام صفة "الخيانة" لمن يفاوض –بغير حق- باسم الشعب الفلسطيني ويقدم التنازلات للأعداء بلا حدود، ونقول إن كلمة "خائن" لا تعبر بما فيه الكفاية عن هؤلاء، فالمصطلح "مخانة" يعني لغويًا: "خون النصح، وخون الود"، وقيل عن الخائن أيضًا: "أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح". ولقد تجاوز فريق سلطة المقاطعة هذا المعنى منذ زمن طويل، ودخلوا مرحلة "العداء" لشعبهم. ثم إن الدفاع عن هؤلاء، صفة وعملاً وتفاوضًا، هو بمثابة تضليل للناس حول حقيقة مكشوفة ومفضوحة أصلاً، وعلى من يدافع عنهم أن يراجع موقفه بشكل جدي.
إن الاعتداءات المتكررة لقوات الاحتلال على أهل القدس في ظل المفاوضات الجارية، إضافة إلى استئناف بناء المستوطنات –التي لم تثبت حقيقة تجميدها- تعبّر عن نوايا الاحتلال الحقيقية واستمراره في المشروع الصهيوني، وتمسكه بعقيدته التوراتية والتلمودية للاستيلاء على ما تبقى من الأرض، وتهويد المعالم العربية والإسلامية.
لم يسلم المسجد الأقصى كذلك من الاعتداءات في ظل المفاوضات، فقد رصدت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" عمليات حفر جديدة وبحجم أكبر تحت ساحات المسجد الأقصى المبارك، خاصة المسجد القبلي، وكشف مؤخرًا مفتي القدس الشيخ تيسير التميمي عن قيام الاحتلال بوضع مواد كيميائية تحت المسجد الأقصى لتسهيل انهياره عند أول هزة أرضية. ولا يُستغرب أن تزرع قوات الاحتلال بعض المتفجرات تحت الأقصى وتدعي فور انفجارها أنها "هزة أرضية"، ثم تبدأ بمشروع "الترميم".
لقد انتهى حل الدولتين نهائيًا، وإن من يحلم بهذا الحل يوهم نفسه ومن حوله ويضللهم بعلم أو بغير علم، وكل الوقائع على الأرض تثبت ذلك. وبإمكان الفريق المفاوض أن يستمر بمفاوضاته وتنازلاته، وإن وقّع على كل الأوراق التي ترضي الصهاينة وحلفاءهم، سيحرقها أطفال القدس واللاجئون.
في ظل المفاوضات الجارية، والاعتداءات التي تتزامن معها، والمخططات من ورائها، تبقى القدس مركز القضية وأساسها ورمزها الأكبر، وإن الصهاينة ماضون في طريقهم لتهويد المدينة وطمس هويتها العربية والإسلامية. وإن لم يرض اليهود بجزء معين من القدس ويريدونها "موحدة"، وإذا تنازل المفاوض الفلسطيني عن أغلبها، ورضي ببعض المباني في شرقها، فسيبقى في هذه الأمّة من لا يقبل إلا بالقدس، كل القدس!!
www.deyaralnagab.com
|