ماذا تبقّى من الشرف العسكري؟!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 27.10.2010
نقل موقع فلسطيني ما نشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت)، يوم الجمعة 22 تشرين الأول/اكتوبر الجاري، نبأ زيارة عشرة ضبّاط (رفيعي) الرتب من قادة الأجهزة الأمنيّة للسلطة، لزملائهم و(رفاقهم) في السلاح ضبّاط الاحتلال، حيث استقبلوا بالحفاوة والترحاب في (تل أبيب(!!
وتأتي الزيارة، وتناول الغداء، والاستماع لوصلة عسكريّة عن حياة الجنرال رابين، مُكسّر عظام الفلسطينيين، ومقتحم القدس يوم 6 حزيران/ يونيو 67 مع قائده دايان، في ذروة انهماك حكومة نتنياهو في تهويد القدس، وتدمير المزيد من بيوت أهلها، إن في سلوان، أو الشيخ جرّاح، أو حي البستان، أو مقبرة (مأمن الله)، حيث لا أمن للأحياء ولا للموتى في الزمن الأُسلوي!.
يوم 12 الماضي نقل موقع (وكالة فلسطين اليوم) ما نشرته صحيفة (هآرتس) عن زيارة رئيس (الشاباك) يوفال ديكسن لمدينة جنين البطلة، ومكوثه في ضيافة أجهزة أمن السلطة يوما كاملاً. وبحسب الصحيفة فإن زيارة ديكسن لم تكن الأولى، فقد زار من قبل مدن الضفّة، وتجوّل فيها. وديكسن هذا هو المشرف على ما يُسمّى بـ(رزمة بناء الثقة)، وهو حلقة الاتصال بين قيادة السلطة ونتنياهو شخصيّا.
زار الضبّاط الاحتلاليون زملاءهم في مدن الضفّة، ولا سيّما(جنين) التي ما أن يذكر اسمها حتى نستعيد بطولات لاجئي مخيّم جنين، والأبطال الذين أذلّوا جيش الاحتلال، واستشهدوا مقاومين في أزقّة المخيّم.
الصحيفة قالت ان ضبّاط أمن السلطة طلبوا أن تبقى زيارتهم سريّة، حتى لا تصل للإعلام!
هؤلاء الضبّاط ضمائرهم لا تؤرقهم، هم فقط قلقون من الإعلام، يعني من افتضاح أمرهم، وهم ينفّذون النصيحة: إذا بليتم فاستتروا..وهم مبتلون، ولكنهم لا يتوقفون لمراجعة أنفسهم، فالضمير في إجازة، والانتماء لفلسطين وشعبها في إجازة، والعداء مع ضبّاط الاحتلال انتهى في زمن (السلام)..فمحاربة التطرّف تُقرّب بين الطرفين، كونهما معا في معركة واحدة، ضد عدو واحد: أي فلسطيني يحمل السلاح، كائنا من كان، وأيّا كان انتماؤه!
في نفس يوم الزيارة أُعلن عن اكتشاف مخزن سلاح لحماس في رام الله. ولكن حماس نفته بحماس!..في نفس الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر يلّح على إشراك حماس في العملية السلميّة، ولجنة الحكماء تشجّع على هذا، وموسى أبومرزوق يصرّح بأن الحركة أبلغت اللجنة إياها بأنها لا تعارض المبادرة العربيّة!
وفد الضبّاط (الضيوف) ردّ الزيارات للأصدقاء والجيران، ومرّ بجوار المعتقلات والسجون التي يحشر فيها ألوف الفلسطينيين والفلسطينيّات، و.. لم يسأل عن سبب اقتلاع أشجار الزيتون، وموت ألوف الأشجار المحرومة من مياهنا: أين يذهب ماء فلسطين؟ فالوفد لبق، لطيف، داجن، ومتحضّر، ومتربي بإشراف ضبّاط أمريكيين على التعايش مع زملائهم ضباط الاحتلال!.
أولئك الأشخاص الذين يوصفون بأنهم ضبّاط.. لا يعرفون، ولم يسمعوا بالعقيد عبد الله صيام الذي قاتل جيش العدو في(خلدة) عام 82 ومعه 125 شابا كلهم من عناصر الميليشيا، بعضهم تدرب في ساعتين على كيفية الرماية على ال B7، وبهؤلاء أوقف تقدّم جيش العدو المتفوّق تسليحا وعددا وعدّةً باتجاه بيروت، مما اضطره لتغيير خطّة اقتحامه لبيروت، والالتفاف من الجبل.
العقيد البطل عبد الله صيام، وهو عقيد حقيقي، برتبة حقيقيّة، خاض معركة صور عام 78، وغيرها من معارك الجنوب، استشهد في الميدان، وبجواره سقط 9 من خيرة شباب فلسطين .
هؤلاء الأشخاص الممنوحون رتبا لا يستحقونها لم يسمعوا ببلال(الأوسط)، قائد القطاع الأوسط، من خيرة أبناء فتح وعسكرييها، والذي بقي يقاوم وراء خطوط العدو عام 82، ويتنقّل في قرى الجنوب، بين الجنوبيين الذين يحبونه، ويحترمونه، والذين احتضنوه..حتى استشهاده، لم يهرب من الميدان ليرفّع، وتوضع على كتفيه رتبة لا يستحقها مكافأة على جبنه، وهربه!
لم يسمع هؤلاء بالعسكريين الفلسطينيين الذين استشهدوا في (تل الفرس) في حرب تشرين 1973 إلى جوار رفاق السلاح السوريين، ولا سمعوا عن أبطال عين جالوت على قناة السويس، ولا عن أبطال قوّات بدر الذين انتقلوا من الأردن إلى سورية ودخلوا بيروت، وصمدوا مع المدافعين عن بيروت.
لم يسمع هؤلاء بعبد القادر الحسيني، ولا بسعيد العاص الذي استشهد في معركة فوكين قرب الخضر، هو العربي السوري الذي رأى أن حريّة فلسطين، وعروبتها، تستحق أن تفتدى بالدّم...
هؤلاء لا يسمعون أنين القدس التي تدمر يوميا، وتغيّر ملامحها، ولا يسمعون أبدا بما يحدث للخليل، ونابلس، والحصار المضروب على أهلنا في قطاع غزّة.
ضبّاط السلطة لم يروا وهم يهرولون متسابقين لنيل رضى جنرالات العدو، قطعان المستوطنين التي تنهب ما تبقّى من أرض الضفّة، فجنرالات السلطة لهم مهمة واحدة: مطاردة (الإرهابيين) - المقاومين، والوشاية بهم، وإعانة المستعربين وأجهزة الاحتلال على تحديد أمكنة المقاومين كائنا من كانوا، وحتى من عندهم نوايا مقاومة، سواء أكانوا من الجهاد، أو أبوعلي مصطفى، أو حماس، أو أبناء فتح الذين يفجعهم ما آلت إليه حركتهم الأم، واندثار وعودها بتحرير فلسطين، وتحولها إلى عقبة!
العجب العجاب أن (هؤلاء) الموظفين الأمنيين لخدمة العدو، وتأمين الراحة للاحتلال، يحرجهم أن يُفتضح أمر زيارتهم إلى.. كيان نتنياهو وشركاه، الذين يطالبون بأن تكون(دولتهم) يهوديّة، بحيث يكون مليون ونصف المليون عربي فلسطيني صامد، صابر، غرباء في وطنهم!
أي حضيض يهوي إليه هؤلاء، وما يمثلون؟!
اقّل عقاب لهؤلاء نشر أسمائهم، وصورهم، لتلحق بهم الفضيحة والعار أبد الدهر، بل ومطالبة ذويهم بالتبرّؤ منهم، فهم عار على كل من له صلة بهم.
هؤلاء يعرفون أن الأرض تضيع، وأن شعبـــــنا مُذّل مهان على الحواجز، وهم مرّوا بسلاسة من عند تلك الحواجز، كونهم في معـــــيّة ضباط الاحتلال، إذ لا يهمهم ما يعــــانيه شعبنا - ولا أقول شعبهم- فلو كانوا يشعرون بالانتماء لشعبنا العظيم لما ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا وشاة على (أبطاله)، ولوجهوا سلاحهم إلى صدور المحتلين الغزاة!
أما رأى أولئك الأشخاص - والعسكريّة شرف - ولذا يقال: الشرف العسكري..كيف كان يرقص ذلك المجنّد الصهيوني على إيقاع زملائه وهم يطبلّون له، حول السيّدة الفلسطينيّة، التي يُفترض أنها (أختهم)؟! أما أوجعهم المشهد..أم تراهم مُسحوا نفسيا، وعقليا، ووطنيّا؟!
لعلها مناسبة لمناشدة من تبقّى وفيّا لفتح الرصاصة، والشهادة، والبطولة، أن يهبّوا لإنقاذ شرف حركتهم التي لم تعد قائدة للثورة والشعب، بل باتت غطاء للثورة المضادة، وسندا للاحتلال، ومنصاعة لمخططات أمريكا!
أمّا أولئك المعنيون بالالتحاق بمسيرة التسوية، فإنني أقول لهم، لا بلساني، ولكن بلسان ملايين الفلسطينيين، والعرب، والمسلمين: عودوا للمقاومة، وأنقذوا وطنيتكم من هاوية المنافسة على دور هو تفريط بفلسطين، وانتحار سياسي لن يُغفر لكم.
من (عبد ربّه) إلى (الأجهزة) إلى..نحن نمضي إلى (أم النكبات) إذا لم نتصدّ وبحزم، ونوقف الانهيار بكّل طاقاتنا، بدأ من العودة لثقافتنا الوطنيّة، ثقافة الانتماء، ثقافة فلسطين العربيّة الواحدة، قلب الأمة والوطن العربي الكبير..إلى أقصى طاقاتنا على المقاومة بكّل أشكالها.
في كل بلدان العالم وجد منحرفون وساقطون باعوا أنفسهم للمحتّل، ووجد مقاومون بواسل قاتلوا بالكلمة والفكرة والبندقيّة، فحرروا أوطانهم رغم فداحة التكلفة والثمن..وكل ثمن يرخص على درب تحرير أمنا فلسطين!!
www.deyaralnagab.com
|