هل تحقّق حلمهم؟
بقلم : محمود صالح عودة ... 02.12.2010
لم يكن إيهود أولمرت صريحًا تمامًا عندما ادّعى عام 2008 بأن "حلم إسرائيل الكبرى قد انتهى"؛ إذ تثبت الممارسات والتصريحات الإسرائيلية والشواهد على أرض الواقع نقيض قوله.
كان لزامًا على رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ادّعاء ذلك، فتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" بشكل رسمي وعلني أمر شبه مستحيل، والمؤسسة الإسرائيلية لم تستطع منذ نشأتها تبرير وجودها حتى في الأراضي المحتلة عام 1967 - ناهيك عن جدل قرار التقسيم عام 1947 - ولم يساعدها كذلك رفض التطبيع من قبل شعوب الدول العربية ذات العلاقات الرسمية معها.
ففي الوقت الذي تتجه فيه المؤسسة الإسرائيلية نحو التطرّف الديني (علنًا)، وتضع "يهودية" القدس على رأس سلّم أولوياتها، وهو ما تجلّى مؤخرًا بمشروع قرار لجعل القدس "عاصمة الشعب اليهودي"، لا نظنّ أنها ستتنازل عن الأرض "الموعودة" كاملة من النيل إلى الفرات، وإن تفاوتت التعريفات الدقيقة لتلك المنطقة.
كانت تصريحات رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يدلين خلال تسليمه خلفه الجنرال آفيف كوخافي مهامه واضحة حول التدخل الصهيوني بالشؤون العربية، بحيث ذكرت مصادر إعلامية متعددة قول يدلين: "في مصر نجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائمًا، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلّف والوهن المتفشّي في مصر"، وأضاف: "إن العمل تطوّر حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979، فلقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع".
أما بالنسبة للسودان فقال: "في السودان أنجزنا عملاً عظيمًا للغاية؛ لقد نظّمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه، ودرّبنا العديد منها، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية لمساعدتهم".
وأضاف: "نشرنا هناك في الجنوب ودارفور شبكات رائعة قادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حاليًا على تنظيم "الحركة الشعبية" هناك، وشكّلنا لهم جهازًا أمنيًا استخباريًا". كما صرّح رئيس "أمان" السابق بوجود شبكات إسرائيلية في سورية ولبنان والعراق المحتل، إضافة لعديد من الدول العربية الأخرى.
لم ينسَ يدلين الإشادة بمواقف رفاق إسرائيل كذلك، قائلاً: "يجب تحيّة الرئيسين حسني مبارك ومحمود عبّاس كل يوم، لما قدّماه لاستقرار دولتنا وانطلاق مشاريعها".
إن وجود أنظمة لا تعارض إسرائيل - بل تخدمها - بين النيل والفرات، تغنيها عن إعلان دولتها "الكبرى"، فجنود أمريكا اليهود وغيرهم يقيمون طقوسهم الدينية في قصور بغداد المحتلة، ويدور الحديث الآن عن مشاريع استيطانية يهودية في العراق تحت ذرائع عدّة، منها زيارة "الأماكن المقدّسة لليهود". ولا حاجة لذكر دور النظام المصري لصالح إسرائيل، إذ يكفي قول بن إليعزر - الذي كان مسؤولاً عن مقتل 250 أسير مصري في حرب 1967 - بأن الرئيس مبارك "كنز استراتيجي" لإسرائيل. أضف إلى ذلك مشروع تقسيم السودان الذي أصبح حقيقة قريبة المنال، والذي من شأنه أن يؤدي إلى سلبيات لا تحصى؛ منها فتح المجال لنزعات انفصالية أخرى، والتضييق على المد العربي والإسلامي في أفريقيا وحصاره.
لم تنته النكبة عام 1948، فممارسات المؤسسة الصهيونية من هدم البيوت، وطرد سكانها الأصليين وإدخال قطعان المستوطنين مكانهم، وحديثها العلني عن "الترانسفير" وتدريبات الجيش الإسرائيلي من أجله، والتحريض العنصري المتتالي على العرب، تثبت لنا أن المشهد لم يتغيّر كثيرًا.
وإن أكثر ما يعزّز حلم "إسرائيل الكبرى" ويثبته، هو إلغاء البعد العقدي للصراع القائم، الذي يشكّل القوّة الأعظم، والدّافع الأكبر، والرّادع الأصلب.
www.deyaralnagab.com
|