logo
هي ثوابت وحقوق فلسطينية.. أم جمل متحركة ومتغيرة؟!

بقلم : نايف جفال  ... 21.12.2010

كثير هي التصريحات التي يطلقها الساسة الفلسطينيون والتي يصورون بها أنفسهم بالمحافظين على الثوابت الفلسطينية، وبقائهم صامدين رغم السيل الجارف من الضغوطات والإغراءات المتكررة للتنازل والتفريط، إلا أنهم بعيدون كل البعد عن دروب المساومة وباقون في صفوف النضال المبدئي الثابت على الثوابت والقابض على الجمر، والمستمرين بالنفس الثوري النضالي حتى بلوغ الحلم وإنجاز الحقوق الوطنية والوصول للثوابت الفلسطينية وعدم تخطيها.
تتكرر كلمة الثوابت الفلسطينية بشكلها المبهم على اعتبار أنها بديهية للكل الفلسطيني ويسهل على جميع أبناء الشعب ومن خلفهم كل متابع ومهتم بالقضية الفلسطينية بأن الثوابت واضحة وضوح الشمس، إلا أن متاهة الانقسام وكثرة المنظرين والمجتهدين السياسيين باختلاف انتماءاتهم السياسية وارتفاع أسهم المنتفعين الخارجيين أوقعونا في فخ الثوابت، وافقدونا الرؤية الصحيحة للثابت والغير ثابت، فحين نقول بأن الدولة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وتقرير المصير هي مرحلية الثوابت، ويلازمها حرمة الدم الفلسطيني على أخيه الفلسطيني، وحق الشعب الفلسطيني بالنضال ضد الاحتلال بكل السبل وعلى رأسها الكفاح المسلح، وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، وتعزيز الحياة الديمقراطية وتطبيقها في كافة مناحي الحياة، ونشر الحريات العامة والمساواة، ومنع كافة قوانين التعاون والتطبيع مع المحتل الإسرائيلي، مع الإسهاب بشرح كل نقطة على حدى لإيضاح معناها ومغزاها والى أي حد تصل، قاصدين بلورة الفكرة الرئيسية بمعناها الواضح والثابت الرئيسي بعروبة وحرية ارض وشعب فلسطين، والخلاص من الاحتلال، وهكذا يكون الثابت فقط وعلى أساسه يجب أن تسير كل القوافل لكي تصل بالنهاية لأرض فلسطين حرة عربية يحكمها وينعم بخيرها شعب فلسطين على كامل التراب الفلسطيني (ولو كان بالأسلوب المرحلي المتبع) بحسب ما أقرته الأنظمة واللوائح الداخلية الفلسطينية وعلى رأسها الميثاق الوطني الفلسطيني المقر في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة في 10/7/1968 م، والبرنامج السياسي المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية المقر في الدورة الثانية عشرة المنعقد في القاهرة بتاريخ 1ـ8\6\1974م.
لكن الحديث الذي يدور في هذه الأيام لم يعد يفهم بهذه الصيغة ولم يعد يعني هذه الحقوق والثوابت التي لا يمكن التنازل عنها، فحين نسمع بان رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر وتحرير بعض الأسرى من الممكن أن يحقق استقرار ضمني للكيان الصهيوني من قبل الجانب الغزي المسيطر عليه من قبل حركة حماس، وحين أخر نستمع بأن الدولة الفلسطينية بمقاساتها التي لم ترد لحد اللحظة، وفتح بعض الشوارع ورفع القليل من الحواجز من الممكن أن يخلق هدوء للكيان الصهيوني مع الجانب الفتحاوي في الضفة الغربية المسيطرة طبعا على منظمة التحرير، وحين آخر نستمع بان الوحدة هي خط أحمر لا يمكن التخلي عنه لكننا نستمر بالنهج المفرق وفي كل يوم نصنع عائق يضاهي بارتفاعه جدار الفصل العنصري لكي نبتعد عن الوحدة، فأي ثوابت هي التي نتحدث عنها وأي وضوح بالنضال هذا الذي نتحدث عنه؟! وفي كل يوم نجد البديل لنفسنا ونساعد الاحتلال، فملاحقة المناضلين ومنع المقاومة واردة أن كانت في غزة أم في الضفة مع تحفظي بأنه ليس بصحيح أن كل من يعتقل في غزة أو في الضفة هو "مناضل" فكثيرون هم من يسعون لزعزعة الأمن المجتمعي وبث الفتنة وإعاقة الأخر واستغلال حالة الفوضى بسبب الانقسام، وحين آخر نستمع لفصائل تطالب بتعزيز النضال المطلبي والمقاومة الشعبية والاستغناء عن المقاومة المسلحة وصقلها بالغير مجدية والمدمرة وإتباع النضال الشعبي المحدد في ملاعب معينة وبسقف واضح لا يتعدى الحجر والاعتصام (ومثالاً لذلك: نعلين، وبلعين، والمعصرة) وفي أحيان أخرى نبحث عن وسائل التواصل والتفاوض مع المحتل الإسرائيلي ونضع العراقيل إمام طاولة الحوار الوطني الشامل، فهكذا يصبح الموال جاهز و"الكل يغني على ليلاه" مع كيل العديد من التصريحات التي تخرج من القادة بفرعيهم، والتي تأخذ صفة الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وعلى قولت المثل الشعبي المحرف "بين حانا فتح ومانا حماس ضاعت الأرض وتاهت الناس".
فما نحن بحاجته هو لحظة يقظة فعلية، توضح لنا بأي درب نسير وما هي الغاية التي نود الوصول لها وبأي طريق يمكننا أن نسلك، وبغير هذا سنبقى في حالة هستيرية من التخبط وتشرذم رأس البوصلة وضياع كل مُشرع لثوابته على حدى، فمن الواجب تحديد من هو المشرع للثوابت وكيف يمكننا تأكيد ثوابتنا الوطنية لكي نحدد اولوياتنا ونحدد طريقنا، وهنا يكون الدور لأساس الشرعية وملهم التمثيل، هنا يكون دور الشعب باختيار ممثليه، فهو المعنى بالحرية والمحدد للثوابت الأساسية، فضروري ان يؤخذ قرار الشعب الفلسطيني بكل أماكن تواجده بما هي الثوابت الحقيقية التي لا يمكن للفلسطيني التنازل عنها، والاتفاق على كامل الدروب النضالية والسياسية وحتى الاجتماعية التي تسهل المشروع التحرري وتخلق من كافة أطياف الشعب مكملين له وتحديد ما هي الخطوط الحمراء التي لا يمكن الوصول إلى إطرافها، لكي يبقى الكل الفلسطيني في مساره الصحيح، وبغير هذا سيبقى الكل يراوغ مكانه ويعمل من اجل نفسه مع تناسيه لضياع شعبه، فالربط هنا ما بين العمل السياسي المبرمج مع ثوابت الشعب ضرورة فلا يعنينا كثيرا أن تكون ثوابتنا محفوظة في كتيبات ومحاضر بل من مهم جداً إبقاء السلوك النضالي والسياسي مقترن مع روح الثوابت والحقوق وعدم الابتعاد عنها بحجج الحنكة السياسية والدبلوماسية الجبانة والاجتهاد الشخصي مثلما حصل مع الميثاق الوطني الفلسطيني الذي اسقط منه أكثر من 26 بند من اصل 30 ما بين تعديل وشطب لكي نخوض غمار العمل السياسي "المحنك"، فالنضال حق وواجب؛ وعلينا تعزيزه؛ وعدم الاستغناء عنه، وعلى كل حقوقنا ينطبق نفس المنهج، وهنا لا أتنكر من الثوابت الفلسطينية ولكني استعجب أمرها فكل جهة تشرع ثوابت محددة تقترن مع أهدافها وتطلعاتها ومصالحها وحتى ارتباطاتها الخارجية في بعض الأحيان، والكثير يلحظ التناقض ما بين ثوابت فلان وعلان لهذا وجب تخير الشعب وتحديد الرأي وتصحيح المسار.

القدس

www.deyaralnagab.com