دراسات في الثقافة البدويه في النقب!! "1"
بقلم : زهير ابن عياد ... 14.03.2010
*المقدمة
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله عليه ازكي صلاة وتسليم وعلى آله وصحبه الكرام الميامين , ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
فهذه بعض علوم البدو وكان منطلقي في جمعها وتوثيقها من قول البدو "الشيء رغبة" هذا مع نشأتي البدويّة الصرفة وحبي العميق لقضايا التراث والعربية التي أتت كمحفزات دفعتني لمحاولة لملمة خيوط التراث بروافده المتعددة والتماهي مع تياره كونه من دواعي حفظ الانتماء والأصالة بما يحمله من قيم وآداب عظيمة , وقد سبقني في هذا المضمار أساتذة أجلاء قدموا لقرّاء العربية ركناً هاماً تناساه العرب والمجتمعات ألا وهم عرب النقب الذي بدأت أحس وكأن التاريخ القديم والحاضر اخذ يتناساهم ويشعرهم بتلك الغربة , وابرز هؤلاء الأساتذة الشاعر صالح زيادنة الذي نهض بجل أعباء هذا العمل بمساهماته الرائدة في هذا المجال .... قد تتقارب عندي الأفكار وتتوارد عليّ الأهداف العديدة لهذا العمل والتي ما هي في معظمها إلا دلالات على عروبة بدو النقب الاقحاح وعراقتهم في التاريخ وامتلاكهم لأدب وثقافة جذورها أزلية تترجم هويتهم القومية وانتماءهم الأصيل , انطلقت بالعمل في هذا المجال وصوب عيني أهداف عديدة منها:
1. الاتجاه نحو رؤية ثقافية أفضل تستمد أفكارها وآدابها من التراث الشعبي , وان تكون مرتبطة ومتواصلة بعاداتها الشريفة وبالتالي إبراز الهوية كشعب أصلاني عريق .
2. أن نستدعي مناخ شيوخنا وأسلافنا القدامى وروايته لهذا الجيل لمن دواعي الرقيّ وإنارة الدرب , خاصة أن العالم اخذ يتجه للتراث ويشهد صحوة آنية في لملمة التراث والاستفادة من تجارب الماضين , وذلك على صعيد أرقى الجامعات العالمية فتنشر الأبحاث والدراسات الهادفة التي تبحث في تراث وتقاليد الشعوب , فحريٌ بنا كشعب أزلي عريق استنساخ الأمر نفسه .
3. نحن أمام بناء قاعدة راسخة تتناول حيثياتها قراءة التاريخ واستنباط ما هو صالح منه وذلك بالطبع باستحضار لقضايا التراث ومعالجتها مع الواقع.
4. هناك ثقافة وآداب وسلوك عند بدونا تعتبر تفاصيل صغيرة قد عَزَمَ التاريخ على نسيانها أصبحت بمثابة شوارد وربما أخذت تخرج عن المألوف أحيانا ...فأحببت توثيقها قبل فوات الأوان.
5. التأكيد على ان اصول المد العروبي في بلادنا اصول عربيه خرجت من صميم البلاد العربيه .
6. اثراء المكتبه العربيه بمساهمات تاريخيه واعيه لادوارها المستقبليه , تنبثق عن عقيدة سليمة ونية مخلصة.
7. نحو اكتشاف واستحياء تاريخ بدو النقب وهويته الأزلية وثقافته العريقة وجذوره الموغلة.
8. ان توثيق ادب النقب بتفصيلاته كلها يساهم في ضحض الافتراءات والهمسات القائله بعدم اهلية بدو النفب لنقبهم او بكلمة البعض "غزاة" , ان عدم توثيق السلف لتاريخ العشيرة على ارضها وتأريخ ذاتها قد فتح المجال للمزاعم بوجود فراغ قديم في هذه المنطقة , وما هو الافراغ مصطنع غذته السياسات المعاصرة .
وضربه عميقا في حضارة العروبة , وذلك بتتبع لأثر البيئه الجاهلية بآدابها وبقايا طباعها وحياتها التي ما زالت سائرة عند بدو النقب , تلك الآثار والترسبات التي تعتبر كأنماط تقليدية متوارثة أصبحت ثقافية وآدابية بمرور الوقت , وتحولت كتربية لبدو النقب تعتمد على الجذور والجاهلية , جذور تاريخية تحوي على الثقافة والأدب والحكايات والعقائد والعادات والتقاليد والتصورات بمفاهيمها الداخلية البعيدة تدل على عروبة بدو النقب تلك العروبة التي صورها الجاحظ في قوله وفي معرض وصفه لهذيلاً بأكراد العرب قال " ومع ذلك فكلهم عرب لأنهم استووا في التربة وفي العفة والشمائل والهمّة وفي الأنفة والحميّة وفي الأخلاق والسجية فسبكوا سبكا واحداّ وافرغوا افراغا واحدا"..
قال لي معلم قدير من النقب في تضاعيف كلام يومي ونقاشات عادية ليس للبدو أدب أو ثقافة , وهذه صور رسمتها العقلية الحديثة وكأن البدو شعب منسلخ من لا شيء , فتحركت فيّ الحمية لتبيان جذور البدو العريقة في العرب وأدبهم المفعم الذي يرسمه البدوي بصور غير مقصودة أحيانا , يرسمه في كل خطوة يخطوها فإذا ضلت ناقته أو عطشت .... وصف ذلك شعرا أو نثرا يبقى على مدار التاريخ .
انه وفي خضم هذه الظروف الآنية نشأت تلك العلاقة المتخبطة بين الحفاظ على الموروث التقليدي الاصيل أو الانخراط في بوتقة الحداثة التي لا تراعي معايير الشرف والقيم والآداب وهمها الوحيد المادة , طرأ لي أن أرسل برسالة أخلاقية هادفة للأصالة وتوعية القيم والروح التاريخية لعرب النقب , وذلك بالنبش عن أصول عاداتنا الحاضرة التي اكرر أنها من آثار وترسبات الجاهلية التي تميزت بالحلم والصبر والحكمة والطيبة , واستخراج التقاطات وصور قديمة وحديثة من بيئة البداوة , تلك البداوة التي اختفى نمطها الترحالي وبقي فكرها ونبضها حيا في النفوس بتأصل انساقه المتعدده في حياتنا المعاصره, انها الروح البدويه ما زالت حيه في النفوس وقد تستثار بسرعة , فتجد أن الرحم وصلته المعروفة عند البدو قديما موجودة وكامنة في النفوس وتستثار عند الفراق مثلاً. اذا فلا بد من خلق جو تراثي يعيد الرونق القديم للبداوه بعيدا عن سموم العصر والافكار الحديثه التي طمست معالم جميله في حياة البدو.
وفي ظل الحملة الشرسة الهادفة لتقويض البنى عند البدو وترحيلهم بحجج واهية كالبناء غير القانوني , فبهذا الكتاب نصرخ " نحن هنا على ارض الاباء والاجداد".
انها اذاً استمرارية العادات في بيئة البداوة تلك البيئة التي عناها المستشرقين بمنبع الرجولة وكذلك كانت في مفاهيم اجدادنا فتراهم يحتقرون الفلح واهل القرى لبعدهم عن مكامن الاخلاص والرجوله , عادات تدل "مدى رقي وسلامة ذوق البدوي وتربيته بصورة فطرية متوارثة" ((العبادي ص 26)) والبدو شعب يمقت الانحراف والبعد عن المنهج الرباني وحياتهم تتسم بالزهد الايماني العفيف الاصيل ذا الجذور التاريخية في العربية والاسلام, انها حياة ما هي الا استنساخ لحياة العرب القدامى , فان ما خطه ابو تمام في الحماسة وطرقه من ابواب الرثاء والادب والاضياف والفروسية والعصبية نجده يتجذر ولو بصورة ذهنية لدى ابناء النقب ...يتبع
النقب
www.deyaralnagab.com
|