دراسات في الثقافة البدوية في النقب!! "2"
بقلم : زهير ابن عياد ... 21.03.2010
العادات عند عرب النقب او بدو النقب تسمى الاعراف ومفردها عرف ويقولوا عنها ايضا عوايد او عادات او تقاليد او العلوم الاولة او السلوم او سبر,او كار وهي مألوفه متعارف عليها عندهم بالعادة القبيحة , عقيدة , ويقولوا سجايا او سجية وهي الخلق او الطبع , وكلها مجموعة تقاليد موروثة , اصولها جاهلية ثبّت الاسلام بعضها وانكر بعضها وهناك امور عديدة لا تعجبني ولكنها الواقع الحي والحقيقة التاريخية اخترعها البدو لتفسير امر معين يناسب فكرهم وعاداتهم رغم عدم شرعيتها واساسها الغير صحيح.
من سيقرأ عن البدو والبداوة
سؤال خطر ببالي عالجته بقناعتي ان البدو هم من اقدم شعوب التاريخ لهم ماض عريق لو ارتكزوا عليه بصورة سليمة لارتقوا مرتقا طيبا . والبادية كانت في الحقب الفائتة قبلة العلماء في دراسة تحول المجتمعات , وقبلة لعلماء الاثار والتاريخ , وقبلة لعلماء اللغة .... ولا شك في ان البادية لها متذوقيها , وانا بصراحة اجريت هذه الدراسة لمسح تلك الشوائب التي تحيط بهويتنا الازلية , وقد استفزني احدهم " بدوي من النقب " عندما قال وأي ادب وأي ثقافة لاهل النقب ومن هم اصلا بدو النقب في التاريخ.
ومن الجدير بالذكر انه من النادر ألا يواجه الباحث في هذا المجال صعوبات عدة فشح المصادر وقلة الحيلة والتخبط الحاصل بين الماضي والحاضر كانت له ادوار سلبية عديدة فكان علي لملمة شوارد لا شعورية ما زلنا نعيشها لكي أكوّن ما أزعمه بالادب وابن عبد ربه يقول في العقد الفريد " اختيار الكلام اصعب من تأليفه" فكانت تمر علي العبارات والجمل العادية فاحاول استكشاف ابعادها وجذورها وما تنطوي عليه من فكر , وقد كنت اكتب في الشيء فتتفتح على الافاق وربما كتبت شيئا وفاتتني اشياء وظني ان كتابي هذا سيمر بمراحل تعديلية كثيرة لما اكتشفه يوميا من خبايا ادبية لدى عرب النقب , وما واجهت من هذه الصعوبات هي ان ادبنا غدا تراث يحتاج الى توثيق ولك ان تتخيل امور لم تعشها يوما وصعوبة ادراكها , وهي تقاليد بعضها غدا تراثاّ كما قلت علينا احياؤه بلملمته وتوثيقه , ونحن بأمس الحاجة الى غربلته ورسم منهاجه الصحيح , خاصة انه يتطابق مع الشرع الاسلامي بأغلب تفاصيله من حياء البدوية والصدق واغاثة الملهوف والوفاء بالعهد وتوقير الجار والقيام بواجبه وحقه , والتكافل الاجتماعي والاقتصاد الذاتي الذي مكننا من العيش في هذه الدولة دون اساسيات الحياة الحالية من كهرباء وماء فانها طبيعة الحياة التي تعد في صالحنا لانها بالتالي تكون من دواعي التمسك بالارض والمحافظة على بحبوحتها الصحراوية, ومن تلك الصعوبات التي واجهتني محاولة التقليل من القصص والحكايات التي تعد بمثابة دلائل على طبيعة الحياة وما ذلك الا لاحتوائها على اسماء لعشائر وقبائل , حتى لو ذكرتها فقد يعرف البعض المقصود لهذا تجنبت قدر الامكان سرد قصص وحكايات نوعية لها اثر في الادب وذلك لمنع تلك الحساسيات والاحقاد والعنصريات المقيتة . واعتقد ان بحثي سيكون غنيا وموثقا اكثر لو اتيح لي عشائريا مساحة حرة نوعا ما في التحدث عن الحقيقة التاريخية والادب القبائلي وذلك التراث الذي لزاما على الجميع الحفاظ عليه , قد كنت اعمل في اوقات مختلفة وفي كل درب مشيتها فاذا سمعت او اطلعت على شيء له دور في الادب وتاريخ اهل النقب دونته على ورقة او في مسودة هاتفي , كنت اتلقى الكلمة وابحث عن خفاياها وخلفيتها ورغم بساطتها عند البعض ومن انه كلام عادي الا اني قد وجدت له مردّه الخاص الهادف . كنت اسمع الكلمة في السوق في الشارع في البيت في المجالس والشقوق , اسمعها من الناس العاديين في المدرسة في الشارع من الصغار والكبار والمصدر الاولي الذي استقت منه هذه الامور هم الشيبان خاصة في الشقوق ومجالس القوم , كانت هناك امور تستوقفني كثيرا وربما اكتشفت فيها اشياء اعجز صراحة عن تدوينها واصبحت كحراش اذ :
تفرقت الظباء على حراش _ وما يدري حراش ما يصيد
انها اشياء تحمل خفايا عميقة ومعاني معقدة وامور اثبتت في قناعتي تلك الخلفية الكامنة للبدوي الضاربه في عمق العروبة والتعصب لها , سواء كان ذلك بوعي اودون وعي حملتها شدة الملاحظة عند البدوي وقراءته للاذهان , وان كانت هذه الامور دون وعي فهي امور متوارثة عن السلف العرب الذين كانوا بدورهم متعصبين.
انها امور ادبية تعتمد على التقاليد والعادات والافكار تجدها متناثرة في حياتهم , وصعب على باحث مثلي ايجادها وذلك لانني منهم وواحد من البدو ومثلهم استعمل هذه الامور بشكل اعتيادي ويومي فيجب علي اذا بذل جهد اكبر لالتقاطها وبالتالي تمييزها فالصورة كانت عندي ضبابية وتحتاج الى بحث وتقصي ونفس طويل .... اما لو كان احد من غير البدو فانه لا ريب ستكون الصورة واضحة امامه والامر اسهل لاطلاعه بشكل كلي على الحياه البدوي لغرابة الامورعنده وبالتالي سهولة اكتشافها.
اذا على الباحث ان يرى ما يروا ويشعر بما يشعروا لكي ينفذ الى اعماقهم ويكشف نفسيتهم ونظرتهم الفلسفية للحياة. هذا وهناك علوم عديدة لم نلحقها أو نعيش ظروفها أنا وجيلي كله وقد تعمدت تركها لان العقول لم تعد تستسيغها ولم اطلع حقيقة على اغلب تراث البدو القديم فهذه الدراسة لا تعد أكثر من قراءة في سواليف الشيبان الحالية وذلك كتأريخ أقصى هو في الخمسين سنة الأخيرة أي بداية إسرائيل تقريبا هذا وكان لاندثار بعض الأمور أثرا سيئا فاحتجت إلى جهد مضني للإزالة الغبار عنها وإعادة رسمها كصورة تراثية حية فهناك أمور مدسوسة في ثنايا كلمهم وتصرفاتهم اليومية تحتاج إلى تمحيص وتدقيق في محاول لتوثيقها .الشيبان في هذا الوقت لم يعودوا يحدثوك باخبارهم التي خلت , ويتداولونها بينهم ويستغربوا كل الاستغراب سؤال هذا الجيل لهم عن احوالهم وفوق ذلك فقد يتعنتوا في الاجابه , وقد كنت استرق السمع منهم استراقا , وعلى كل فقد كانت مهمتي شاقه مع لذة اجدها والبدو تقول لذة الحياه في شقاها .
*المصادر ونطاق تحليلها
هذة الدراسة استنبطت من فترات زمنية متفاوتة ، فترات مرّت بتحولات وتناقضات عسيرة ، مليئة بالروايات والاحداث الغامضة ، وفوق ذلك شح المصادر وقلتها.
لا شك ان مصدر اداب بدو النقب هو ثقافة واحدة للعروبة أيّاً كانت بامتداد ترابها الطويل وتواتر الاخبار سلف عن سلف فكان من مصادري الاستماع الى الروايات والسواليف الملقاة في مجالسنا فأغربلها وانظر خفاياها وان كان لها علاقة بالموضوع ام لا وهي سواليف تتنوع بين حكايات التاريخ والقصص وماضي العشيرة او حكايات وقصص اجتماعية او قصص عن المعروف ورد الجميل وغير ذلك مما تختنزه البادية من نماذج وذخائر انسانية راقية, وفي هذا النطاق اعتمدت على الشيوخ الثقاة وهم الذين عنيتهم في الكتاب بالشيبان وعنهم نقلت اغلب العلم ومحصته ، هؤلاء الشيبان الذين ما زالوا في بادية النقب يتمتعوا بتوقير واحترام خاص ، فهم بمثابة اعلام تركوا بصماتهم واثّّروا في من جاء بعدهم فكانوا ملمين بالادب وحسن الذوق والشعر والنسب وايام الناس ومتمرسين في احاديث التاريخ ومبدعين في احاديث السمر والمجالس .
ونحن اليوم نقف على اعتاب مرحلة انقراض الشيبان وهي ظاهرة تشكل قلقاّ لما يصاحبها من انقراض للثقافة البدوية الاولى الاصيلة وذلك على كافة الاصعدة من لهجة وتراث وعقائد ولباس تقليدي ، وفي عصر لم تعد مفاهيم توريث الافكار فيه قائمة ، وتواتر الافكار ساريا ، فالخشية كل الخشية تضييع ذلك التراث وبالتالي انعدام التاريخ والهوية الاصلانية والمشكلة بحد ذاتها هي ان هؤلاء الشيبان وكأنهم اجبروا على هذه الحياة في ليلة وضحاها ولم يجدوا من يسألهم عن الماضي والتاريخ الفائت الذي يحنّوا له ايما حنين , فكم من شيخ مات وماتت معه اسرار عديدة حول الماضي .... وان الاهتمام بهؤلاء الشيبان ومحاولة تحصيل ثقافتهم وتوثيقها لم تجد المهتمين وأولي العناية بها فذاك في اعتقادهم عصر قد ولّى ، عصر ربما ولّت معه هويتنا وحضارتنا واصبحنا " نتخبط بين ماضٍ وحاضر " فلا اصالة وانتماء حقيقي كمعين محتضن لنا ولا تجديد عصري يواكب بنا العصر ، فقد نتج هناك نوعا من الاستغناء عن الماضي بما يحويه من ارث حقيقي كالطب الشعبي والقضاء والمعاملات ونصرة المظلوم...يتبع
www.deyaralnagab.com
|