logo
دراسات في الثقافة البدوية في النقب!! "4"

بقلم : زهير ابن عياد ... 11.04.2010

*التراث
التراث انه الارث الحضاري لأي شعب كان , والاسلام عندما جاء حافظ على ذلك التراث الاصيل وذلك بالطبع بعد غربلته واستخراج ما هو صالح منه وتحريم الفاسد.فعلينا اذا تفعيل آليته الصالحة واستثمارها في النظم الحديثة ودمجها بالواقع وذلك لمن دواعي الحفاظ على الهوية ومن لا ماضي له لا حاضر له كما عهدنا , فبالتراث نرتقي وهذه عبارات اعجبتني ولامست افكاري قد كتبها ادريس محمد صقر جرادات في كتابة الصلح العشائري وحل النزاعات في فلسطين وقد نقلتها هنا لتعم الفائدة المرجوة باذنه تعالى:
1.التراث ذاكرة الامة وتقييمها لذاتها وهي في الصفحات المرمز لها بحرف ص.
2. يجب ان تساهم الدراسات التراثية في صيانة الهوية الحضارية لان الدراسات الاستشراقية واكبت موجة التوسع الاستعماري لتثبيت مفهوم تحضير شعب الشرق . الرمز ق.
3.الدراسات التراثية جزء عضوي من استراتيجية التحرر الوطني والتنمية الاجتماعية ص62.
4.الثقافة الشعبية تعبر عن الاحاسيس والانفعالات وتوثيق عرى الشعب بصدق وعفوية ص89.
5.العادات الاستهلاكية المستوردة تمتص المداخيل بكاملها وتدمر الانتاج الزراعي ص142.
6.غربلة التراث وانتقاء الصالح المفيد يساهم في عملية التنمية الاقتصادية ص 157.
7. الدراسة العلمية للتراث الشعبي تساند عملية التغير الاجتماعي.ص175.
ويفيد احمد ابو خوصة في كتابه موسوعة قبائل بئر السبع انه قد يكون كثيرا ما وقفت بعض عناصر التراث من عادات وتقاليد وامثلة عقبه امام الانحلال الخلقي والافكار المستوردة من الشرق والغرب بل كانت واقية للامة من التحلل الخلقي وحافزا لمجابهة التحديات فكلمة"عيب" مثلا تحافظ على الشرف والكرم والشهامة وحب الوطن.
اذاً لا بد من اعادة قراءة التراث هذا الذي ليس بمقدورنا التخلص منه واعادة تفسير نصوصه كانطلاقه من الماضي الذي انتجه ونما ليشكل مستقبلا حاضرا سيكون بعدها هذا المستقبل ماضيا ايضا فيجب اخضاع التراث لمادة البحث الدائمة دون زعزعة القواعد الايمانية العقائدية. فبدونا شعب تائة يبحث عن سيرة ذاتية , واملي ان تكون هذه الدراسة كجرعة من ظلال الصحراء تساهم في بناء نوها من هذه السيرة .
هذا هو التراث الذي فز المستشرقون لدراسته في الشرق قبل سنوات في محاولة منهم لاكتشاف العمق التاريخي لشعب العرب.... ولك ان تتخيل كم استفادوا من هذه الدراسات المليئة بتجارب وذخائر العرب التراثيه .
ولكي لا نكون كما انشدوا :
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ = والماء فوق ظهورها محمول
لا بد ولمستقبل مشرق ان نطل بأشراقة فجرية على ثقافة الصحراء , وذلك بمنظومة من الاهداف تساند وتواكب عملية التطوير والتقدم , منظومة تحفظ لنا الانتماء الى منبع اصالة البادية , دون الانسلاخ من ثقافتنا العريقة , التي تتجللى بجمالياتها في نواحي الصحراء , ثقافة جعلت ابناء الغرب يفرون من بحبوحتهم الخضراء ويتوغلون في الصحراء فيما عرف بالاستشراق بحثا عن كنوز العرب الضائعة والمتنائرة علة قلة في اروقة الصحراء , من نخوة وكرم واباء وشهامة فسطروا من ذلك معاني عديدة كأوبنهايم وداوتي ودونالد باول كول ومارسيل كوربوشوك , هؤلاء الرحالة الاجانب الذين تتبعوا خطى بدو البدو وعايشوا البدوي الاخير غيرة على ثقافة الصحراء من الضياع فسجلوا ودونوا ملاحظاتهم بغض النظر عن مصداقيتها , ملاحظات قد رسمت وحفظت لنا سطور تراثية تشكل " حضارة " البادية , فواجبا علينا ونحن ابناء هذا الوطن التشبث بتراثنا وثقافتنا كتاريخ وحاضر ومستقبل نفتخر به , لا ان نتوارى خجلا عند ذكره امام ابناء عمنا .
قد تقوقعت اوساطنا الاكاديمية في درك وحضيض بعيد , فهم عبارة عن كومة متقعرة جوفاء غليظة جافة لابتعادها عن تراثها واسلوبها وعدم تفهمها ووعيها وادراكها لعظم المسؤلية تجاه قضية شعبهم وبني جنسهم , ففضلوا حضارة واساليب الغير على اسمى معاني الانسانية المتمثلة في حياة الصحراء الفطرية . وأني لاعتقد اعتقادا جازما بأن البحث في الادب والتاريخ والثقافة البدوية وبالتالي توثيق وتدوين هذا الامور قديمها وحديثها ليس بمعزلا عن قضايانا المعاصرة , ولا ينبغي ان يكون كذلك , بل ان اي دراسة لا تكون متصلة بهذه القضايا , اي صلة كانت , انما تحكم على نفسها بالموت , فاذا لا بد من مواكبة قضايانا المعاصرة في الدفاع عن الارض والحقوق بأحياء وبعث مجد الاجداد بالتذكير بأخلاقهم وسجاياهم وقيمهم النبيلة , لنعش احرار كرماء اعزاء وليتصل ماضينا التليد بحاضرنا الطارف .
ان ظروفنا الحالية من تضييع الحقوق وامتهان كرامتنا واحتلال ارضنا وانتهاك مقدساتنا لتحتم علينا العودة لتراثنا وحمل ذاك الوعي التاريخي الخاص بنا , ونتخلص من الفكرة القائلة بأننا منبوذين وشعب لا جذور له , فالتاريخ قديمة وحاضرة له حكايات وحكايات مع البدو , هؤلاء الذين عمرهم من عمر وديان صحراءهم وجبالها , كانوا المحور الاساس في اي حقبة تاريخية مرت بالمنطقة .
فهيا بنا الى رحلة البحث عن الذات والمصير , فنتوغل في دروب الذاكرة ونستنسق الحجر , ونغوص في مجاهل الغموض والسكون للصحراء , وذلك بحثا عن ارثنا البشري المشتت في ارجاء هذه الصحراء التي خلق الاجداد من جدبها الحياة ومن غبارها الجمال , من هنا من هذه الصحراء المعطاء نشأت حضارتنا التي اسهمت اسهاما لا ينكره الا جاهل في اثراء الحضارة العالمية وذلك من تحت الخيام ومن على ظهور العيس , شكلوا لوحات ومشاهد رسمت عبر التاريخ لها اريج يفوح في عبق هذه البلاد , بلاد احتوت على مخزون هائل من التراث , مخزون يحوي ثقافة وتاريخ وادب جعل العرب الاولين ترسل ابناءها اليه لتعلم الفروسية والفصاحة والبلاغة والبيان , وجعل الاخيرين من عرب وعجم يتجهوا الى موطنه كميدان خصب للبحث والتنقيب والتدوين .
فهذه وأيم الله صرخة لشبابنا المهووس في مجاهل العصبية والنكران , ومدارك الفساد , ان هلموا الى امنا الصحراء يا اهل الابل والرمل والطعوس , هلموا الى صحراء ابية شامخة كالنخل صلدة , تستنشق فيها هواءا نقيا , وتلتمس في صباحها معنى قوله تعالى ((واشرقت الارض بنور ربها )) وفي مساءها تلفحك بخشوع وسكون وليل بهيم .
ورغم ذوبان البداوة بمعناها الاول , فلتعيشوا بقلوبكم الفنتازيا الصحراوية , نعم انهم ظلمونا ايما ظلم بتوطيننا واصابوا هيكلنا ذو البنية الثقافية الحياتية في صميمه لهدف خفي , فهذا امر بيت لنا بليل , الانسلاخ من الثقافة والتنازل عن طبيعتنا وهويتنا الازلية , فيتحكمون في رقابنا كيف شاءوا عنذئذ , فمن جديد هيا لاستكشاف افاق البادية الاولى , وانطلقوا كما انطلقت قوافل ابلهم بين الاطلال والاوابد .
* مدخل:
أنه وفي تطوّر المنهجيات الواضحة في الدراسات الشعبية وتعامل تلك الدراسات بشمولية مع الآداب الشفاهية, أصبح لزاماً علينا كأبناء شعب أصلاني يتواتر أدبه شفاهياً من جيل لجيل, تدوين هذا الأدب والبحث عن مفاهيم العلاقة والفروق والجذور القائمة فيه خاصة أنه أدب يعتمد على الذاكرة وما يطلق عليه البدو "السواليف" تلك التي أحدثت تحولات في طبيعة الأدب وسياقاته الإبداعية لارتكاز أهل اللغة عليها في النهل من مصطلحاتها ومفرداتها, كونها بدائية إلى حدّ ما تترجم الوظائف الاجتماعية القديمة لأهلها. أنه لغزارة وتنوّع النتاج الأدبي للبدو عموماً سواء كان ذلك من أشعار أو أمثال أو قصص, تشكّل لنا مصدر تاريخي ووثائق اثنوغرافية تُعَدّ خلفية تاريخية تعكس لنا جوانب المعيشة المتعددّة في مجتمعهم هذا بعض إخضاعه لتحاليل منهجية في اللغة والأدب والتاريخ وتحاليل اجتماعية نفسيّة واكتشاف ما به من ذخائر تُعد ذات أبعاد فنيّة وجماليّة تحمل وظائف أيدلوجية واجتماعية وسياسية تُعد قوة فاعلة في أي مجتمع تقليدي.
أنه لا بُدّ لمن يحاول كشف أسرار التاريخ الجأهلي القديم اليوم من جولات ميدانيّة في بيئة تتشابه إلى حد بعيد مع البيئة الجاهليّة أعني البادية. فان تشابه المناخ في الموروث الشعبي من سلوك وطباع وثقافة والمحيط الاجتماعي ما هي إلاّ من أساسيات الحياة الجاهليّة عل سبيل المثال قصص الصحراء بكيفيّتها ونوعيّتها التي زالت تتداور بين شيبان بادية النقب لو تمكنا من دراستها كصورة حيّة عن الأدب والتاريخ الجأهلي لاستطعنا اكتشاف العديد من المسائل الحيويّة في تواتر الأدب الشفاهي وكيفيّة تداوله وحفظه وروايته كقصص تراثية تقليدية حملت وظائف اجتماعية ولعبت ادوار سياسية قديماً.
أن أدب الشعوب التقليدية بمفهومه العام ليس بوليد لحظة أو فترة زمنيّة قصيرة, وربّما لا يأتي عن قصد وهدف, بل هو تحصيل حاصل لتراكمات عديدة تمخّض عنها نتيجة الظروف السائدة بكلّ جوانبها سواء السياسية منها أو الاجتماعية والاقتصادية. وقد أتى هذا الأدب كتجسيد لثلاثي الإنسان والمكان والزمان وردّات فعله تجاه هذه الأمور.وهو ليس بالضرورة صادراً عن شخص مثقف أكاديمي يكتب مقالات هنا وهناك أو مختص ما يحاول إيصال فكرته بقدر ما هو تشكيل لظاهرة اجتماعية يشترك فيها الجميع صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً ليشكلوا فيما بعد أدبهم وثقافتهم الخاصة المميزة التي أتَتْ بالطبع كترجمة لأساليبهم وعاداتهم في الحياة, هذا الأدب الذي استعمل كأداة مساهمة بشكل فعّال في استنباط تاريخ ذلك الشعب وكما هو الحال في دراستي هذه التي حاولت جاهداً استخراج بعض مكونات تاريخ البدو في النقب ولو كسطور عريضة لا شكّ أنها ستساعد في اكتشاف تاريخنا المغيّب قصداً أو سهواً هذا الأدب الذي يكونه بتفاصيله اليومية الوجهاء والقضاة والشيوخ وذربي اللسان والنساء هذا الأدب الذي يعكس لنا التاريخ الاجتماعي القديم للبدو ويصلنا بأخبار حياتهم يتجسّد في لحظات يومية وطقوس غاية في البساطة يحملها البدو دون وعي على الرغم من تكرارها من قُبيل لغتهم وأحاديثهم العادية وأعمالهم اليومية وسواليفهم العادية.
*أن أدب النقب الحالي هو نتاج مفعم بالتطورات الآتية كنتيجة لمعاصرته لثلاثة أجيال وهي:
- جيل البداوة الأوّل الذين عاشوا حياة الظعن والحل, ومما يحمله هذا الجيل من أدب تراثي فلكلوري ما زلنا نسمع صداه على السنة شيبان النقب من خلال محادثاتهم وسردهم التاريخي والمعيشي لذاك الزمان.
- جيل ما بعد دخول إسرائيل تحديداً في سنوات الستين والسبعين من القرن العشرين وما حدث من توطين البدو وجلب أُسُس الحضارة لهم من مساكن ثابتة وشق شوارع واقتناء السيارات وما يصاحب ذلك من هجر لوسائل النقل التقليدية عند البدو كالخيل والابل, هذا التوطين الذي احدث قفزات هائلة في الأدب البدوي بما يحمله من معتقدات فقد كانوا يعتبرون العمل بالبناء والزراعة أمراً معيباً ويأنفون منه نراهم تدريجيّاً ينخرطون في الأعمال العمرانيّة ويتحوّلوا عن أفكارهم القديمة. في هذا الجيل ترنّح الأدب المقصود ما بين الحضارة والبداوة. إلاّ أن وتيرته القوية ما زالت متماسكة وذلك لعدم بُعد الزمن وطول المسافة.
- الجيل المعاصر وما شهده من تحوّلات اجتماعية على كافة الأصعدة وهنا أصبح أدب البداوة القديم "شوارد" نلتقطها من هنا وهناك بجُهد جهيد خاصة في القرى غير المعترف بها إذ ما زلنا نجد بها صداه للحياة البدوية القديمة من تكافل اجتماعي وروح تقليدية.
أن عيب الأدب الاجتماعي هو عدم مناعته المتناهية تجاه ثقافات أُخرى, الأمر الذي نلحظه عند بدو النقب في الزمن المعاصر إذ حصلت بعد الثغرات في هذا الأدب, أزاحت بذلك الحسّ المعنويّ القديم لأدب بدو النقب إذ فقدت المفردة الشعبية رونقها الخاص بحضور الأدب العبري الذي لم يستطع مع ما وصل إليهِ من تسرب مفردات عديدة للغة العربية البدوية أن يطمس ويقضي على شواهد الماضي وروح الانتماء للعربية, بحيث ما زلنا نشاهد الأسماء العربية للقبائل وانتسابها القديم, بالإضافة إلى اللغة المحكيّة القريبة إلى حدّ بعيد من لهجة نجد وتهامة والحجاز منابع العرب الأُولى, كما وتفيد الروايات القديمة بان القبائل كانت تسمّى بابن فلان وبالتالي بني فلان, الأمر الذي ما زلنا نلاحظ صداه حتى الآن لدى العديد من العائلات في النقب, كقولهم ابن عيّاد, ابن بري, ابن سلامه... وبالعودة إلى الموروث الشفهي من حكايات وأشعار نجد أن هذا التعبير يطغى على باقي التعابير فبالكاد نجد تعبير أبو فلان أو بو فلان أو ال فلان, وفي اتجاه آخر نلحظ كثرة استعمال ياء النسب وهي مشددة مكسور ما قبلها كقولهم ترباني, عزامي, حنجوري... كذلك استعمالهم لصيغة معيّنة شاملة من قُبيل قولهم عرب أبو فلان – قوم أبو فلان... من هذه المنطلقات نستشف ذلك الرابط القويّ بين عرب النقب وعرب الحجاز والجزيرة على الاقل في القرون السادسة عشرة إلى الثامنة عشرة, قبل هجرة قبائل يمنيّة قحطانيّة وعراقيّة إلى النقب بحيث أصبحنا نلحظ تطوّر ما في اللهجة وتعابير الانتماء لنصل اليوم إلى درجة تقليد لثقافة الانتماء العراقيّة واليمنيّة على وجه التحديد وتقليد لثقافة الانتماء لبلدان الهلال الخصيب بشكل متسع, ولا يخفى عليكم ما يملكه الهلال الخصيب من أعراق عديدة وبالتالي ثقافات متنوّعة.
ثمّة واقع يمكن استنتاجه من التجربة طويلة المدى لأدب البداوة يقول بان هذا الأدب لا يتأثر بتلك السهولة وانه عصي على التطوّر ومنغلق تجاه ثقافات أُخرى, وطالما حاول ابنها الهروب منها والإستغناء عن لغة الصحراء وأدبها بأساليب وتعابير جديدة, فتجبره هذه الصحراء بالعودة لها لأنّها بالطبع شكّلته فطريّاً منذ البداية, وهي ليست بالمعين المتجدّد الذي يجلب الحضارة العمرانية المطلوبة على المدى الطويل فإذا هي من تلائم الشخص لهواها وليس العكس, كحالة اللهجة البدوية التي ما زالت في استمراريّة قويّة بزخّها الدائم لتعابير حيويّة لا غنى عنها. هذه الأمور أدرَكَها بدوي النقب وشكّل مع تلك الصحراء تقاليده وأدبه الخاص. مع بعض الاستثناءات التي لا تشكّل خطراً لمدىً طويل على الثقافة والأدب البدوي في النقب.
والآن تعالوا بنا للغوص في أعماق هذا الأدب وقد التقطت منه إشارات معيّنة تطغى على الحياة البدوية قديماً وما زالت, هذه الإشارات التي سأدرسها قلباً وقالباً من جذورها الجاهليّة ومدى ترابط وتشابك تلك الإشارات كونها تشكل ثقافة البدو هنا مع ثقافة أهل الجزيرة العربية في القدم خصوصاً الفترة الجاهليّة التي صدرت موجات هجرة إلى أنحاء المعمورة, هذه الموجات التي حملت معها موروثها الخاص وترسّب في اذهان أجيالهم التالية, فنحن امام محاولة لاستكشاف العمق التاريخي لبدو النقب وجذوره البعيدة ومصادرها.
**الاشتراك الأدبي والثقافي بين النقب والجزيرة العربية
كانت الحجاز ونجد هي المواطن الأُولى للبدو أيّاً كانوا, هذه المناطق التي نبع منها أساطين الشعر العربي, بل أنها مركز بدايات نشوء الثقافة العربية باعتقاداتها ومبادئها وسلوكها, هذه الثقافة العربية التي صدّرت ظروف معيشتها مع المهاجرين منها, والذين بالطبع كان منهم أهل النقب لما نلحظه من امتدادات ولو ذهنية ونفسية تجاه أهل الجزيرة العربية, والثقافتان للنقب والجزيرة تشتركان بأمور كثيرة ومتداخلة منها:
- الروابط التاريخية: اعتبرت صحراء النقب موطن لقبائل أتَتْ من الجزيرة العربية على مدى قرون طويلة, كونها تلائم المكان الذي أتَتْ منه هذه القبائل في معيشتها وحياتها بالإضافة إلى كونها طريق تجاري واثري منذ العصور القديمة, بل أنها شكّلت مراكز حيويّة لدول عظمى قامت هنا كالأنباط والبيزنطيين والعرب والأتراك.
تصل شيبان النقب انساب قبائلها إلى الجزيرة العربية والى منطقة الحجاز بشكل خاص (نلمس هنا نوعاً من اثار الهجرة في الفتوحات الإسلاميّة) فبليّ من الحجاز على سواحل البحر الأحمر, وكذلك العزازمه والترابين أيضاً الذين يدّعون أنهم حجازيون من تُربة شرقي مكة, لا شكّ أن هناك موجات هجرة موغلة في القدم لقبائل عربية أتَتْ إلى صحراء النقب لا سيّما زمن الفتوحات الإسلاميّة وهناك عشائر نقباويه عديده تعتقد بان انسابها تمت بصله الى الصحابه الكرام كالسعادنه والسواركه والحناجره والعقبي والولايده وقلازين الجبارات وحكوك البريقي , وفي اعتقادي ان هذه الادعاءات لم تنبع من فراغ بل له مردودها التاريخي الصحيح. والروايات تُفيد أن عمرو بن العاص اتخذ بئر السبع مقراً له لفترة زمنيّة معيّنة, الأمر الذي يدلّنا على أن هناك عرب حجازيون قد شكّلوا لهم تواجد نوعي هنا وإلاّ لما كانت القائد عمر بن العاص ليختار هذا المكان مقرّاً له... ونحن لا ننسى الامارة البدوية التي قامت في الرملة لقبيلة طيء وأمراءها آل الجراح , ومعلوم ان بدو النقب كانت لهم اتصالات مع تلك المنطقه ,بل استوطن بعضهم فيها مع مرور الوقت.

* كاتب وباحث.. النقب

www.deyaralnagab.com