دراسات في الثقافة البدوية في النقب!! "9"
بقلم : زهير ابن عياد ... 15.06.2010
النجوم*
النجوم تداخلت في حياة بدوي النقب السالف تداخلا عظيما , تداخل ما زلنا نسمع صداه يردد في اعتقادات الشيوخ وإيمانهم بالنجوم والنوء, وهو عند الجاهلين سقوط النجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه , وهو نجم آخر يقابله من ساعته في المشرق وبعضهم يجعل النوء هو السقوط ((برهان الدين دلو381)) . فاعتقدوا أن لها تأثيرا في مجرى الحياة خاصة في الخصب والمحل ... وكان البدوي يستدل بها ليلا في متاهات الصحراء . وتقويمه للسنة على أساس طلوع النجوم أيضا فمثلا سهيل دليلا على انقضاء القيظ والحر ... وكذلك كانوا يخاطبونها إذا وقف احدهم على طلل بالي.
اعتقادات ما هي إلا ترسب لتلك التقاليد الجاهلية وما يعتقدون في تساقط النجوم أو ظهورها وكتب التاريخ تحدثت كثيرا على اعتقادات الجاهليين في النجوم " للاستزادة انظر برهان الدين دلو و د. جواد علي تاريخ العرب قبل الاسلام".
فبدو النقب ما زالوا يعتقدون أن في تساقط النجوم إشارة إلى وقوع حادث ما أو إذا سقط نجم وأنت تنظر إليه فان ما في نفسك قد يتحقق , وآمن البدو كذلك حتى اليوم بأن أمراض ما بعد الشتاء سببها النجوم وكثيرا ما سمعت بعض النساء تقول في حالة تفشي الأمراض وقتئذ خاصة الدشبة " هيذي هية في الناس , غيوب نجم" أي أن هذه الأمراض سببها غيوب هذا النجم , وما هذا الاعتقاد إلا اعتقاد القدامى في الثريا من أن لها اثر في صحة الرجل ووقوع الأمراض وفي اعتقادهم ان أوبأ أيام السنة ما بين مغيبها إلى طلوعها " وقال طبيب العرب ... اضمنوا لي ما بين مغيب الثريا إلى طلوعها اضمن لكم سائر السنة " وقيل ما طلعت ولا نأت إلا بعاهه في الناس والابل" ((برهان الدين دلو ص 381 )) .
وقديما نسبوا الظواهر الجوية إلى النجوم كما يقول ذو الرمة :
أصاب الأرض منقمس الثريا _ بساحية واتبعها طلالا .
ولهذا الأمر نجد صدى واسع لدى الشيبان من أن النجوم لها تأثير في الطالع خاصة المطر واليكم بعض ما سمعته من جدي حرفيا جمعه ابن عياد يقول:
1_حدث جدي أحدهم متحاورين في قلة الأمطار" الناس اللي كانوا يقولوا أن هناك نجمة تظهر في السماء وما دامت لا يكون مطر .
2_قال أن القمر إذا كان مقرون بنجمتين تكون سنة محل .
3_قال لأحدهم مره, وقد كان مريضا هذا من غيوب النجم .
4_قال مرة ما يشبه المثل يدل على تجذر إيمانهم بالنوء "إذا فات ناقتك نو السماكين جانب وارعى روس الرعايف وتحرى نو ثاني".
كما قلت ما هذه التضاعيف التي ترسبات جاهليه وفي سؤال الحجاج ليلى الأخيليه , لماذا أتيتني فقالت (أخلاف النجوم ,وقلة الغيوم ,وكلب البرد , وشدة الجهد ).
**السهيل والثريا
من الكواكب الثابتة التي اشتهرت في عُرف أبناء النقب في سالفات الأزمان وكان يتحلقون ليلاً حول نارهم مترقبينها , دلني على ذلك سؤال جدي الدائم لي هل طلعت أم لا ؟ لضعف نظره , وكأنها عادة قديمة في مراقبة هذه الكواكب والنظر في تأثيراتها , والثريا تظهر في شهر حزيران منبئة ببداية الحر وكذلك ترى في شهر شباط , وسهيل والثريا عرفها الجاهليون واهتدوا بهما في مسالك الصحراء ولاحظوا تأثيراتهما في الحر والقر والبرد والشتاء, وبدو النقب سلكوا هذا الطريق وكثيرا ما نلاحظ في أشعارهم وحكاياتهم ذكر لتلك الكواكب خاصة سهيل الذي قالوا في شأنه إذا طلع سهيل لا تامن السيل وان ولج سهيل لا تأمن السيل لو عقاب الليل .
والبدو عموما لا يحبذوا سهيل ويعتبروا طالعه طالع شؤم , وكما في اعتقادات القدامى أيضا فيعتبروا هجومه على الثريا نذيرا لسنة محل وجدب , وما هذه الاعتقادات إلا ترسبات جاهلية لأفكارهم العقائدية من أن سهيل كان رجلا ظلوما من اليمن يأخذ العشر من التجار فنسخه الله كوكبا سهيل هذا الذي عرفه الجاهليون رجولا ظلوما وعرفه بدو النقب أيضا كاسم علم للرجال وقرنوه بنبرة الفخر فيقول احدهم "ربعي لو ودهم "ارادوا" سهيل لجابوه" وذلك لبعده.
و السر من اقتران الثريا والسهيل في الحكايات العربية والبدوية الدائم هو اعتقاد الجاهليون أن سهيل قد خطب الثريا فأبت فطاردها وهربت منه , والعرب تقف مع المظلوم دائما فاعتبرت الثريا رمز الخير والخصب ويقول عمر بن أبي ربيعة القرشي:
أيها المنكح الثريا سهيلا _ عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استهلت _ وسهيل إذا ما استهل يمان
إن هذه التضاعيف الأسطورية نلحظها ولو بصورة ذهنية أخرى عند عرب النقب فنراهم يطلقوا اسم الثريا على بناتهم الجميلات ويشبهوا طلة الجميلات في شعرهم بطلة الثريا ؛ إذاً هي رمز الجمال عند البدو وقديما اعتقدوا أن الثريا امرأة تتزين للقمر ويقول شاعر معاصر:
وقمت ارقبها من القدم للراس _ كنها والله الثريا بعيد منالها
تزينت للقمر بعقود من الماس _ خطبها بسياق ما يخطر على بالها
ومما عرفوا كذلك( بدو النقب) نجمة الصبح والظاهر من وصفهم أن تكون تالي الليل . وهناك نجمتين يظهرن في السماء من جهة الشمال الغربي , إذا كانتا قريبات من بعض فان السنة تكون سنة محل على اعتقاد عربان العرب , هذا الاعتقاد ما هو إلا صورة لطبق الأصل عن تصورات الجاهليين حول نجم الدبران وغيره والدبران هذا قالوا فيه:"انكد من تالي النجم " وقال ساجعهم انه إذا طلع الدبران توقدت الحزان وكرهت النيران وأستعرت الونان ويبست الغدران . والحزان هي الحزون من الأرض وكل ذلك صور للحر الشديد.
وهناك نجمة تسمى أم ذيل تظهر في أحايين متفاوتة وينظر لها البدو بعين الشؤم لأنها حسب ظنهم تدل على القحط أو المصائب او موت عظيم.
وعرفوا نجم سعد السعود وتفاءلوا به والمثل يقول إذا طلع سعد السعود كره في الشمس القعود وفي نوئه تخضر الأرض وتصوت الطيور وتصيب الإبل مرعاها.
واعتقدوا بسقوط النجم وانك إذا نظرته في لحظته فان ما تتمناه وقتها سيتحقق, واعتقدوا انه إذا كان مع القمر نجمتين فإنها ستكون سنة محل,والشيئ بالشيئ يذكر فقد حدثوا انهم كانوا يصلبوا الملح خارج البيت فأذا ساح يعتقدوا بذلك دليلا على الخصوبه .
وخلاصة القول"ومهما يكن من أمر فإنهم اسقطوا على العالم العلوي عالمهم الأرضي ومشاغلهم - شانهم في ذلك شان جميع الشعوب تقريبا - فإذاً الكواكب تنتظم في السماء على نحو يعكس علاقاتهم الاجتماعية من قرابة وزواج كما يصور وجها من وجوه حياتهم الاقتصادية القائمة على البداوة والترحال" ...((موسوعة اساطير العرب د.محمد عجينه))
* فصول مختارة من البحث
www.deyaralnagab.com
|