logo
الشعب الليبي سيهزم العقيد وأولاده!!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 09.03.2011

المشهد العظيم الذي تنقله الفضائيّات من ليبيا واضح تماما: شعب ثائر يزحف محررا أرض وطنه، في مواجهة العقيد القذافي وأبنائه.
بدأ الشعب الليبي ثورته رافعا نفس شعارات الشعبين الشقيقين الجارين، التونسي والمصري: سلمية سلمية..الشعب يريد إسقاط النظام.
لكن العقيد المدمن على الحكم منذ 42 عاما، وكما اعتاد أن يردد مستخفا بعقول سامعيه، أعاد اسطوانته المبتذلة المملة: أنا لست حاكما..لست ملكا ولا أميرا، فكيف أستقيل؟!
طموح العقيد كان دائما أكبر من حكم ليبيا، فهو يرى بأن الشعب الليبي (صغير) عليه، وعلى (عبقريته) القيادية الملهمة.
يشبه العقيد شخصية الدكتاتور في رواية (السيّد الرئيس) للروائي ميغيل آنخل أستورياس، وتحديدا في مقطع من حوار يكشف عقلية (الدكتاتور)، ودهاء أحد أفراد بطانته المقربين الذين يضخمون لديه الإحساس بالعظمة، كما هو شأن البطانة المحيطة بالعقيد.
وسارع ذو الوجه الملائكي يشرح موقفه:
- لقد فكرت أن اذهب إلى المستشفى مع الرجل الجريح، ولكني قلت لنفسي: إنهم سيعتنون به على نحو أفضل إذا أنا أحضرت أمرا من السيّد الرئيس. ولمّا كنت متوجها لمقابلتكم، ولكي أنقل إليكم أيضا مرةً أُخرى هول ما أحس به من جرّاء المصرع الغادر لضابطنا (باراليس سونتري) ...
- سأصدر أوامري ...
- إن هذا هو ما ينتظر من رجل يقولون إنه ينبغي ألاّ يحكم هذا البلد.
- من يقول هذا؟!
- أنا يا سيدي الرئيس. فأنا أوّل من يؤمن أن رجلاً مثلكم ينبغي أن يحكم بلدا مثل فرنسا، أو سويسرا الحرّة، أو بلجيكا المجيدة، والدانمرك الرائعة، وإنما فرنسا، فرنسا فوق كل شيء. إنكم الشخص المثالي لقيادة أقدار مثل هذا الشعب العريق الذي أنجب (غامبيتا) و(فيكتور هيغو)!
ولاحت ابتسامة شبه خفية تحت شارب الرئيس، بينما كان ينظف نظارته بمنديل حريري أبيض، دون أن يحوّل عينيه عن وجه صديقه.
هذه الرواية كتبها (أستورياس) عن الديكتاتور (كابريرا) الذي حكم غواتيمالا 20 سنة..يعني أقل من نصف حكم القذّافي لليبيا، والذي انتهت حياته اغتيالاً!
كان (كابريرا) يمارس سلطته معتزلاً في قصره، مترفعا على الشعب الذي تنكّل أجهزته فيه، وتكتم صوته رعبا.
الدكتاتور(العربي) لا يتخلّى عن الحكم والتحكّم استجابة لصوت شعب نزل إلى الشارع وأعلن أنه لا يريده، وأنه سلميا يطالبه بتركه يقرر مصيره، ويبني دولة لها دستور، وبرلمان، ووزارة، وصحافة، ومحاكم يديرها قضاة يحكمون وفقا للقانون، ورئيس مدته في الحكم محددة بدورتين لا أكثر.
من رأى وسمع الخطاب الأول للعقيد، والذي اشتهر بـ: زنقة زنقة ..أيقن أن هذا الدكتاتور لن يترك الشعب الليبي إلاّ مكرها منصاعا لقوة تهزم ما يتوفر لديه من قوة يشرف عليها ويسيرها أبناؤه، وبعض أقاربه، ونفر من المنتفعين الذين نالوا نصيبهم من نهب ثروات الشعب الليبي.
عقلية الدكتاتور المستريب الشكّاك، رتبت الأوضاع في ليبيا، بحيث لا يقع انقلاب ضده يقتلعه من الحكم، لذا اضعف الجيش، وتخلص من (رفاق) السلاح، وبنى الكتائب الأمنية بقيادة أبنائه، ناهيك عن الأجهزة السريّة، وما يسمّى باللجان (الثورية) الغوغائية.
أدخل بعض المنافقين في عقل القذافي أن مصر حكمت يوما من فراعنة أصولهم ليبية، وخاصة الفرعون (ششنق)، وهذا ما يعطي له الحق في حكم مصر..فتوجه إلى مصر، وابتدأ بالمثقفين الذين حاضر بهم عن(الشيخ زبير)- يعني شكسبير - فأضحكهم وأبهجهم، ولم يستقطب أحدا منهم ليروّج لنظريته العالمية الثالثة، وكتابه الأخضر.
وكما هو شأن الدكتاتور(كابريرا) فإن العقيد رأى نفسه أكبر من ليبيا، ولذا عرض الوحدة على أكثر من قُطر عربي، مصر تارةً ، والسودان، تارةً ، وتونس تارةً ..ولكن أحلامه تكسرت، وفي ذروة يأسه من عدم تقدير(العرب) له انكفأ أفريقيا، وارتدى الملابس المزركشة، وقرّت نفسه مؤقتا بلقب( ملك ملوك ) أفريقيا، ناهيك عن (شراء) منصب القمّة الأفريقية..وهو ما لبّى بعض طموحاته الكبيرة، الأوسع من مساحة ليبيا..رغم تاريخها المجيد قديما وحديثا!
الشعب الليبي تحمل رحلة عذاب مروعة مع هذا الدكتاتور، ولأنه ليس اقل من شعبي تونس ومصر، فقد انفجر في ثورة استلهمت دروس ثورتي الشعبين، فمضى بثورته سلمية حضارية..ولكن هيهات أن يعترف الدكتاتور الممتلئ غرورا وادعاءً بحق الشعب الليبي في الثورة على (قيادته). كيف وهو المجد، وهو خالق ليبيا، ليبيا التي لم تكن قبله شيئا يذكر؟!
اتهم الثوّار الشباب بأنهم يتعاطون حبوب الهلوسة، وبأنهم ينفذون مخططات القاعدة، ثمّ شطح وفسّر ما يحدث بأن (عينا) أصابت الشعب الليبي الآمن المحسود من الأشقاء العرب!
ولكن الثوار واصلوا انتصاراتهم، ومن مدن الشرق انتقلت النيران غربا، وتأججت شآبيبها في طرابلس..وهنا أمر عقيد المجد بإحراق المتظاهرين الخارجين من المساجد..واستعان بأبنائه وكتائبهم التي ربيت وأعدت لهذا اليوم.
افتضح أمر الدكتاتور الذي يدعي أنه لا يحكم، فالعالم يشاهد المذابح، ففي عصر الفضائيات والفيس بوك، والإنترنت، والهواتف المحولة المزودة بالكاميرات، يمكن نقل كل شيء من أصغر وأبعد مكان في العالم، وعرضه أمام عيون الناس حيثما كانوا.
الكيان الفوضوي الذي بناه القذافي، لم يعد عصيا على الهدم بضربات الشعب الليبي الثائر، فأكاذيب القذافي وادعاؤه بأنه ليس حاكما لم تعد تنطلي على أحد، فهو المتحكم بكل صغيرة وكبيرة في ليبيا، ومعه أبناؤه، والعائلة المتحكمة تملك ريع النفط، وبين أيديها القوة التي ستستعملها عند اللزوم، فالعائلة تقسم الأرزاق للشعب الليبي، وعليه الطاعة والولاء!
الحرب (غير الأهلية) تدور بين الشعب الليبي و..بين عائلة القذافي، فلا خوف من حرب أهلية، فالقذافي لا يملك سوى الكتائب التي يقودها أبناؤه، ولذا لا نرى أي تحركات شعبية تناصر القذافي، وتهتف بحياته، وتنحاز لحكمه.
يتحصن القذافي في طرابلس، ويحاول أن يستعيد مصراتة والزاوية، ولكن قوات أبنائه تفشل رغم استخدام الطيران، والمدفعية الثقيلة، والصواريخ، وهو في (زنقته) ما زال يوهم نفسه بأنه محبوب الشعب، وأن شيئا لا يحدث في ليبيا، رغم أن بيوتا تحترق، وأجساد الشهداء مزقها رصاص الرشاشات الثقيلة، وألوف الجرحى يتساقطون وينقلون إلى مستشفيات غير مجهزة رغم ثروات ليبيا الهائلة التي بددها الدكتاتور، أو أودعها باسم شركات ومؤسسات مسيطر عليها، وتحرّك بأساليب ستكتشف عند انتصار الشعب الليبي.
يراهن القذافي في حالة تمكن من إطالة المعركة على تدخل خارجي بحيث تخلط الأوراق، وهو يوجه رسائل للغرب مخوفا من (القاعدة) وخطر وضع يدها على النفط الليبي، ومذكرا بأنه يقوم بدور وظيفي يحمي به أوربة من (الهجرة).
ينسى القذافي أن أمريكا عاجزة عن الخروج من ورطتها في (العراق) و(أفغانستان)، وأنها تدرك مدى كراهية الشعوب العربيّة لها.
ثوار ليبيا كرروا رفضهم لأي تدخل أجنبي - فهم ليسوا المعارضة العراقية العميلة - وأقصى ما يقبلون به هو منع تحليق طيران القذافي.
بانتصار ثورة الشعب الليبي لن يكون أمام الطغاة العرب سوى السقوط من فوق كراسيهم، مهما توفر لديهم من أسلحة، وهذا هو أحد دروس ثورة الشعب الليبي: بثورات سلمية..أو بالقمع والدم ستسقطون واحدا بعد الآخر ..ولكم عبرة في (معمر الزنقاوي) وأبنائه المستمسخين عنه!


www.deyaralnagab.com