logo
وين المليارات؟!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 16.03.2011

كم أوجعتنا تلك الأغنية الحارقة الكاوية (وين الملايين)، ومع ذلك جلدنا أرواحنا بها تأنيبا وزجرا ولوما، لشعورنا الفادح بالتقصير والتنبلة أمام شاشات التلفزيونات..والبكاء العاجز الذليل الذي يفاقم شعورنا بالمهانة والعجز.
كل واحد وحده كان يشعر بالعجز، فهو وحيد، وماذا يفعل الوحيدون وهم ضعفاء بفرقتهم وعزلتهم في بيوتهم، وخذلانهم لأهلهم الذين تحرقهم الطائرات على أرض فلسطين، في مدن الضفة والقطاع، وفي جنوب لبنان، و..لا ننسى العراق الذي أُحرق ودمّر واستبيح!
وين الملايين؟!
الشعب العربي وين؟!
الغضب العربي وين؟!
وين وين وين؟!
النزر اليسير من الغضب ينفجر ثمّ يخبو، في الشوارع، في المساجد، في الجامعات..والتي كلها موصدة بأبواب وأسوار، تترصد أدنى حركة تبدر عنها قوى( أمن) لا ( تؤمّن) الوطن، ولا تصون حدوده، فهي قوى لحفظ أنظمة..وهذه مهمتها ووظيفتها!
وين الملايين..وين الشارع؟! هل ماتت الجماهير؟ يُرّدُ على الأغنية والأسئلة الكاوية: كيف تتحرّك الملايين وليس لها قيادات، فالأحزاب ضعيفة لأنها ارتضت أن تكون في كنف السلطات الحاكمة المستبدة، والصحافة كذّابة عكروتة، والمحطات المحلية إذاعات وتلفزات وجدت للتزوير والتدليس..ولم تتعلم من بروز فضائيات تنطق بالحقيقة، ولا زحزحها انتشار الإنترنت، والفيس بوك، والخلويات، واليوتيوب.
وين الملايين؟!
لم يتم التنبه للغليان الداخلي، في نفوس الأفراد والجماعات في البلد الواحد، وفي كل بلاد العرب، فالطغاة مطمئنون!.
ولكن الملايين أفاقت، ويقظتها اكتسحت الشوارع في(تونس) و(مصر) و(اليمن) و(البحرين) و(ليبيا) و(عُمان) و..العراق الذي عبثوا به طائفيّا حتى يبقى الاحتلال الأمريكي، وتستمر عمليات نهب ثرواته من أولئك اللصوص الذين (عادوا) بحماية الدبابات وطائرات المارينز.
من نتائج الثورات المتتالية أن أغنية (وين الملايين) اندثرت، بعد أن أدّت دورها التحريضي التعذيبي..وما تسببت به من الخجل والوجع والألم لملايين العرب الذين أدمنوها.
سقط الطغاة واحدا بعد الآخر، وها هم يترنحون أفرادا وجماعةً، يلاحقهم احتقار الجماهير وشماتتها ولعناتها وسخريتها، ناهيك عن الفضائح التي تكللهم بالخزي هم وأسرهم، زوجات وأبناء وبنات.
قريبا سينكشف دور العشيقات، وستتفشى الخلافات التي تجر لمزيد من الفضائح لأسر شرشت في الحكم فأفسدت ونهبت وخرّبت، وادعت العفة والفضيلة وطهارة السيرة، فإذا بحاميها حراميها، فالقائد الأب عكروت، كذّاب، دجّال، سرّاق، مصاص دماء أكثر من دراكولا، فهو لا يفرّق بين الحلال والحرام، و..هو أفقر البلد، و..تكشفت ثروته والعائلة السيئة السلوك والسمعة عن مليارات!
هنا ننتقل من أغنية (وين الملايين) إلى: فالملايين نزلت للشوارع، وهي أسقطت أصناما، وها هي تخوض المعركة الدموية بالصدور العارية في (اليمن) و(البحرين) ..وبأسلحة متواضعة في مواجهة ترسانة نيرون ليبيا وأولاده الفاسدين القتلة.
نحن في بلاد العرب محكومون بأشخاص ينهبون ثروات البلاد، وينقلونها إلى بلاد الغرب، فتتحوّل إلى أرقام فلكية، لا تعود على الشعوب بالخير، بل إنها تزيد الأمور السيئة سوءا، لأن اللصوص يمعنون في اللصوصية، وهم يتغطون بالغرب المنافق المبسوط منهم والراضي عن كل ما يفعلون ما داموا يحفظون له (أمنه)، ويودعون المليارات في بنوكه فينعشون اقتصاده، ويحرمون الشعوب العربية من الخبز والكرامة والحرية، ويمعنون في نشر التخلف والتبعية في أقطار العرب الممزقة الموزعة بين حكام طغاة أبشع من المستعمرين الغزاة الذين هم بطبيعتهم أعداء(الخارج) ..والذين لهم وكلاء في (الداخل) ..داخل البيت العربي الممزّق المُفسد.
أسباب الفقر بدأت تتكشف في (تونس) و(مصر) والمسببون لم يعودوا مجهولين، فهم: الرئيسان والأسرتان والحاشيتان والأجهز(تان) ..وعلى ذلك قس في ما تبقى من بلاد العرب.
زعران، وبلطجية أجهزة، ووزراء داخلية، ورجال نهب يوصفون برجال أعمال يبيعون الأرض لبعضهم، ويحصلون على الملايين بتسهيلات بنكية، ينشئون مدنا يبيعونها دون أن يتكلفوا مليما، فيثرون بالمليارات من دم وأرض وبؤس الشعب ..ثمّ تحوّل المليارات إلى بنوك سويسرا وأمريكا وفرنسا وألمانيا ودبي وغيرها.
القذافي يدعي أنه ليس حاكما، وأنه لا يملك شيئا، وأولاده يعيدون ترويج تصريحاته: نحن نتحدى أن يُثبت أحد أن شيئا مسجل بأسمائنا!.
والمليارات تجمّد في أمريكا( 30) مليار دولار، في ألمانيا( 10) مليارات يورو، في بريطانيا (10) مليارات جنيه إسترليني، في النمسا(1مليار ومائتا مليون يورو)..وفي إيطاليا وسويسرا .. لم تحدد المبالغ، وكذا في (دبي) وغيرها من بنوك الخليج!
هُم ليسوا سُذجا ليسجلوها بأسمائهم، فثمّة شركات ومؤسسات..و..طرق خاصة لإيداع المليارات و..لكنها تؤول إليهم فقط، فهي ليست باسم الشعب الليبي، فلا رقابة على شيء في (نظام) الفوضى الجماهيري!
هل يخبر القذافي الشعب بحجم ممتلكاته المليارية في البنوك العالمية؟ هل يستشير الشعب الليبي في كيف يوظف أمواله ويستثمرها، وأين يودعها؟! أليس من حقه أن لا يودعها في البنوك التي أختارها القذافي وأولاده وأتباعه؟
لقد تبيّن أن القذافي يرشو الغرب..فبرلسكوني يبوس يده في مشهد رآه العالم..على طريقة المافيا. وبلير يبوس أنفه على طريقة (الشيوخ) في بلدان الخليج ..والقذافي مبسوط من هذا التبجيل الذي يطمئنه إلى أنه حظي أخيرا بالرضى، وهو ما يمنحه الحق في فعل كل شيء بالشعب الليبي، هو وأبناؤه الذين لا يعرف أحد ما هي وظائفهم ومهنهم سوى أنهم أبناء الشخص الذي لا يحكم، ولا يملك، و..لكنه يتحكم في بلد بأكمله شعبا وأرضا وثروات ومصيرا..يا للثائر الزاهد!
القذافي ليس ملكا، ولا رئيسا..وهو لا يملك..فيا ترى من أين لأولاده الملايين التي أنفقوها في الحفلات التي أحيتها لهم مطربات وفنانات أمريكيات وكنديات وإنكليزيات؟!
فخامة حاكم مصر راتبه 2000 جنيه، لكنه مدبّر وشاطر، وأولاده من مصروفهم الشخصي ادخرا ثروات افتضح النزر اليسير منها، في حين لا يعلم شعب مصرعن أرقامها الفلكية في بلاد(الفرنجة)، فأبناء الحكام العرب ينهبون من(بلاد آبائهم) و..يرسلون ما ينهبون ليكنزوه في بنوك البلاد الآمنة!
وين المليارات يا حلاّقة السيدات؟!
روح البوعزيزي وجسده المحترق أضاء الطريق للملاين لتندفع إلى الشوارع، من سيدي بوزيد حتى القاهرة مرورا بالمنامة وصنعاء وطرابلس..و..صارت بلاد العرب شعلة نار، فالمعركة بين ملايين تصحو وتنتفض ولصوص نهبوا المليارات وصادروا الحاضر، وأوشكوا أن يسدّوا طريق المستقبل، فاندفع ملايين الشباب والكهول والنساء لتخليصه من بين أنياب الطغاة.
انتهى زمن السخرية من ملايين أبناء الأمة العربية، فقد أزف وقت الحساب والعقاب لحكام تكالبوا على الحكم والنهب وبيع الأوطان والسمسرة على أقدس قضايا الأمة.
من جملة حقوقها التي تصر الملايين على استردادها: المليارات المنهوبة،وهي ستستعيدها بواسطة حكوماتها الوطنية،من بنوك الغرب والشرق، لتبني بها البلاد، وتعيد تشغيل المصانع، وتحرث وتزرع الأرض التي نهبت لتبنى عليها مدن اللهو والاصطياف.
وين المليارات التي ستعيد العافية لأجساد العمال والفلاحين، وستطوّر بها الدراسة الجامعية، وستبنى بها المدارس للتلاميذ المشردين في الشوارع، وتنهض بها مستشفيات تعيد الصحة المهدورة لأجيال امتصت عافيتها. وين المليارات أيها اللصوص؟!
نسأل ليس لأن اللصوص سيعيدونها عن طيب خاطر، ولكن لأننا كما أوجعنا أنفسنا بأغنية وين الملايين، فإننا نحض ونحرض من ستختارهم الملايين ليكونوا قادة لأوطان حُرّة سيدة، على استعادة مليارات ملايين العرب..وعليها الفوائد بتمامها وكمالها من بنوك الغرب الاستعماري العنصري المعتاد على نهب ثرواتنا، والذين لا يجب أن يفلت من ملاحقاتنا وفضحنا له.


www.deyaralnagab.com