logo
مسرور جداً.. وغاضب جداً !!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 23.03.2011

طوابير المصريين المتلهفين على التصويت بـ(نعم) أو(لا) على موّاد الدستور المعدلة، لثقتهم بأن صوت كل واحد منهم سيكون محترما، وأنه لا تزوير بعد اليوم، وأن التصويت واجب وطني..سرّني جدا، فمصر لم تبتعد يوما عن القلب والعقل والضمير، والأمة انتظرت عودتها بعد أن ضللها وتوهها وأفقدها دورها ووزنها نظام كامب ديفد برئيسيه: السادات ومبارك المزمن.
ملايين العرب تابعوا تدفق طوابير المصريين على مراكز الاقتراع، لأن هذه الخطوة الواسعة نحو مصر الجديدة تفتح أبواب الأمل والمستقبل للمصريين والعرب جميعا.
انتهى زمن الأصوات المزورة، والنتائج المفبركة مسبقا، وتحكم جهاز(أمن الدولة) بالترشح والانتخاب والنتائج، وهو الأمر الذي طالما تكرر في كل انتخابات بلاد العرب، فأجهزة الأمن هي من يقرر، والحاكم المطلق الصلاحية راض دائما، ومرضي عنه أمريكيّا ما دام يلبي ما يُطلب منه!
ساعات وقفت المصريات، ومنهن من كانت تحمل طفلها أو طفلتها في حضنها، حرصا على الإدلاء بصوتها رغم التعب البدني.
وقف المصريون كهولاً وشبابا تحت الشمس فرحين كأنهم في يوم عيد ..وما هو العيد الأحلى والأجمل من هذا اليوم الذي دفع ثمنه دما شباب مصر؟!
مصر تغذ السير إلى المستقبل، وهي بيقظتها تمنح الأمل لكل العرب، وفي مقدمتهم شعب فلسطين..وهذا مبعث السرور والتفاؤل لملايين العرب في كل أقطارهم.
انتخابات مصر المُبشرة جاءت بعد ساعات من مذبحة ساحة التغيير في صنعاء..ويا لها من مذبحة لا شبيه لها، فالقناصة ارتقوا الأسطح وبدأوا حفلة الصيد، فجندلوا عشرات من المحتشدين سلميا في الساحة قتلى وجرحى.
الدكتاتور وأجهزته ذبحوا الشعب اليمني، ووزعوا الموت على مدن اليمن، وانتشوا بساديتهم، وكأن الذين سقطوا مضرجين بدمائهم ليسوا يمنيين، وليسوا بشرا، والقتلة اقترفوا الجريمة مطمئنين أن العقاب لن يطالهم، فهم في دولة الاستبداد والدكتاتورية يحظون بالمكافآت والمناصب!
لا أخفي أنني بكيت وأنا أرغم نفسي على التحديق في مشهد الضحايا الذين سدد القتلة رصاص بنادقهم إلى صدورهم ورؤوسهم بتؤدة وعلى مهل مستمتعين بحفل صيد المواطنين اليمنيين المشتاقين للحرية، والرافضين للتوريث، والذين يريدون لرئيس الجمهورية أن يُنتخب لمدة زمنية محددو، فلا تمديد ولا تجديد ولا توريث، ولا جمهورية ملكية أبدية متوارثة.. ولكن الرئيس يواصل التشبث بالرئاسة رغم مرور 33 سنة على حكمه الجمهوري..ولا يستجيب لانحياز قادة الجيش للشعب الثائر، واستقالات أعضاء البرلمان والوزراء، ونصائح شيوخ العشائر بالتخلي عن الرئاسة وترك الشعب اليمني يقرر مصيره.
المحزن جدا، والباعث على الغضب جدا بعد مذبحة ساحة التغيير هو هجوم كتائب أبناء العقيد على بنغازي بالطائرات، وراجمات الغراد التي تطلق خمسين مقذوفا في الضربة الواحدة، ومدافع الدبابات، بهدف سحق مدينة الثورة عقابا لها على تمردها وخروجها على الطاعة!.
أهل بنغازي تمكنوا من استيعاب المفاجأة ودحروا قوات العقيد وأبنائه قبل أن يبدأ التدخل المقرر من مجلس الأمن، والمغطّى بدعوة الجامعة العربيّة التي لعبت دور(المُحلل)..وهذا دورها التاريخي الذي حكمت به منذ تأسيسها.
لا يمكن للعقل والقلب أن يطمئنا إلى أن صواريخ توماهوك وجدت لتحمل على أجنحتها بشائر الحرية والديمقراطية للشعوب المضطهدة والمستعبدة..وهل هناك ظلم وإجرام فوق ما حدث ويحدث في فلسطين والعراق ولبنان؟!.
لا يمكن للقلب والعقل أن يصدقا بأن ساركوزي مؤرّق ليل نهار بهاجس نقل مبادىء الثورة الفرنسية إلى ليبيا.
ولا يمكن للعقل والقلب أن يصدقا بأن أوباما والسيدة كلينتون شغوفان بحرية شعوب العرب إلى حد المبادرة لنجدة شعب ليبيا العربي، فهما يؤيدان زحوف قوات درع الجزيرة على البحرين لإنقاذ نظام الحكم المتهاوي..فأين شعارات الديمقراطية وحق الشعوب في الحرية؟!.
التدخل الأمريكي الفرنسي البريطاني في ليبيا محزن جدا، ولكن: من هو المسؤول عن هذا التدخل، ومن تسبب به؟!
العقيد ردّ على تظاهرات سلمية هتفت سلمية بالرصاص، فـ(مجد) ليبيا لا يرضى بأن تمّس( أُلوهيته)..وخاصة من القمل والفئران والجرذان..أي جماهير الشعب الليبي!.
الآن وسماء ليبيا مستباحة، والقذافي يتلقى ضربات الكروز والتوماهوك، وهي لم تصنع لتحمل رسائل الحرية والديمقراطية والمساواة، ولكن لتدمر من لا ترضى عنه أمريكا، أو لتبديل من انتهت مدّة صلاحيته:ماذا على العقيد أن يفعل؟
بيد العقيد أن يوقف تدخل أمريكا وفرنسا وبريطانيا، وأن ينقذ ليبيا وشعبها..بل وينقذ نفسه وأبناءه من النهاية المروعة.
يمكنه أن يعلن بأنه يوافق على مطالب الشعب الليبي بأن تكون ليبيا جمهورية لها رئيس ودستور وبرلمان ووزارة.. وحرية أحزاب، ومؤسسات مجتمع مدني..فلماذا لا يبادر خاصة وهو يدعي ليل نهار بأنه ليس حاكما، وأن الشعب الليبي يحكم نفسه بنفسه؟!
المدن الليبية التي تتحمل وحشية كتائب أبناء ألقذافي، ويخرج أهلها يوميا ليعلنوا أنهم يريدون الحرية، وأنهم سئموا من تحكم القذافي وأبنائه..دفعت ثمن الحرية شهداء وجرحى وبيوتا مهدمة .. فهل هناك استفتاء على حب الحرية أكثر من هذه التضحيات؟!
آن للعقيد أن يفكر، فتهديده للغرب لا يغيّر في نهايته، ولكن استعماله للعقل والحكمة هي سبيله لإنقاذ ليبيا من خراب ساقها إليه.
القذافي وعلي عبد الله صالح فجعا ملايين العرب بما فعلاه بشعبين عربيين عريقين، وهما سادران في غيهما، ولا يستجيبان لنداء العقل والضمير، فهما يتخذان مزيدا من القرارات التي تفاقم المأساة، والدم لا يردعهما، ولا الاستغاثات، فكأنما الشعبان رمتهما اقدارهما تحت رحمة حاكمين لا يعرف قلباهما الرحمة، فهما ينطلقان في كل أفعالهما وردود أفعالهما من عبادتهما لنفسيهما، ولذا يتصرفان على أن الشعبين ملكية خاصة، مصيرهما يرتبط بمصير كل واحد منهما، و..من أفراد أسرتيهما!
لا حشد بعض المواطنين المساكين حول باب العزيزية كدروع بشرية سينقذ العقيد، ولا التهديد بفتح أبوب الهجرة الأفريقية لأوربا، ولا التلويح بإغراق منطقة المتوسط في الحرب سيخرج العقيد من مأزقه، فهذه كلها تهديدات جوفاء ومضيعة للوقت.
يستطيع القذافي أن ينقذ ليبيا وشعبها وثروتها النفطية، ويدرأ عن ليبيا وشعبها مخاطر الأطماع الأمريكية والغربيّة، بأن يعلن بأنه يضحي بكل شيء من أجل ليبيا، وأنه يضع مصيره ومصير أبنائه بين يدي الشعب الليبي وثواره. فهل سيفعل..أم تراه سيواصل المقامرة بمصير ليبيا شعبا ووطنا وكأن شعاره: أنا ومن بعدي الطوفان..وهي نفس سياسة زميله وصنوه علي عبد الله صالح في اليمن!
رغم الحزن والغضب فإن الأمل بانتصار شعبي اليمن وليبيا لن يخبو، فالجماهير الثائرة في اليمن رفضت الرد بالسلاح على مذبحة ساحة التغيير وغيرها، والجماهير الليبية بعزيمتها على الأرض قادرة على إنقاذ ليبيا بالانتفاض في طرابلس وأخواتها وإنهاء حقبة العقيد وأبنائه وزبانيته، وتفويت الفرصة على التدخل غير النزيه لأمريكا وفرنسا وبريطانيا.
الفضل في تحرر الشعب الليبي سيبقى دائما بدم وتضحيات أبنائه، لا بطائرات وصواريخ الغرب الذي لن يغيّر طبيعته وأطماعه.
مسرور جدا، أسوة بملايين العرب، بما ينجزه شعبا مصر وتونس، حزين جدا للدم اليمني والليبي..وغاضب جدا من نوايا أمريكا وفرنسا وبريطانيا التي لا تخفى علينا نحن العرب.. ولست أفقد الأمل الذي تشبثنا به في أحلك الأوقات، فالعرب ينهضون و..أحسب أنهم لن يفرطوا بثوراتهم، ولن تنطلي عليهم أساليب التضليل الأمريكية والفرنسية والبريطانية المنافقة.
الحذر يا ثوار ليبيا، فخياركم ليس القذافي أو الحماية والوصاية ألأمريكيّة..ولكنها حرية ليبيا التي تنتزعونها بأيديكم ووحدتكم ووعيكم بالأطماع ببلدكم...


www.deyaralnagab.com