الثورات العربيه ما لها من مطالب وما عليها من استحقاقات لاحقه!!
بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 02.04.2011
مما لا شك فيه ان الثورات العربيه الجاريه في العالم العربي قد اصبحت قوه دافعه ومتدحرجه ولا يمكن باي حال من الاحوال وقفها كليا او جزئيا, حيث ان الثورات العربيه تمتد فعليا من المحيط الى الخليج ومن الشرق الى المغرب العربي, وهاهي تحط رحالها رويدا رويدا بعد تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن في سوريه اللتي يرشحها الكثيرون الى البركان الثوري القادم وبالتالي ماهو جاري في الوطن العربي هو اعادة العرب الى مركز الاحداث والتاريخ وذلك بعد ان غُيبُّوا قسرا على مدى عقود من الزمن وعقود من الدكتاتوريه.
من هنا لابد من التفريق بين مسار ثوره عربيه في هذا القطر العربي او ذاك تبعا لظروف كل ثوره ونمط الحكم والتركيبه الاجتماعيه والسياسيه في كل دوله عربيه على حدى ,فما جرى في تونس ومصر من ثوره شعبيه عارمه لم يجري بنفس الوتيره في اليمن وليبيا التي تحولت فيها الثوره الى ما يشبه الحرب الاهليه بسبب تعنت النظام ووحشيته وتشبثه بالحكم من جهه وبسبب تعمد القوى الغربيه اطالة الحرب وعدم حسم المعركه بين النظام والثوار من جهه ثانيه وبالتالي ماهو جاري في ليبيا هو ثوره مسلحه تواجه نظام دموي ما زال يسيطر جغرافيا على مناطق كثيره في ليبيا وعلى راسها العاصمه الليبيه طرابلس والامر الذي زاد وسيزيد الامر تعقيدا هو التدخل الغربي في الحاله الليبيه وهو التدخل اللذي سيطيل عمر الحرب في ليبيا.
الحاله اليمنيه لا تختلف كثيرا عن الحاله الليبيه من حيث دموية النظام وهمجيته وتصديه للمحتجين في صنعاء واليمن بشكل عام ومن حيث التركيبه القبليه في اليمن الذي يعاني شعبه الامرين من الفقر والعوز والقمع من قبل نظام استنفذ جميع اوراقه منذ زمن بعيد لكنه يتشبث بالحكم بدموية غير مسبوقه حيث اطلاق النار الكثيف على المعتصمين في صنعاء وقتل وجرح العشرات لابل المئات من اليمنيين بدم بارد, وما يجري وسيجري في سوريه لن يقل دموية تبعا لتشبث النظام بالحكم و استعداده لقمع الجماهير وقتلها كما جرى في درعا, ولكن من الواضح ان كرة النار ستتدحرج اجلا ام عاجلا من درعا الى اماكن اخرى في سوريه التي تعاني هي الاخرى من الدكتاتوريه الاسديه..
من الواضح ان الثورات العربيه ستستمر ولكنها لن تأخذ نفس النمط والشكل التونسي والمصري, ونعتقد ان قوة ما محليه وغربيه معنيه بتغيير مسار ومنحى الثورات العربيه لابل بابطاء نتائج هذه الثورات كماهو جاري في ليبيا واليمن, بمعنى اخر وبسيط: الثورات العربيه القادمه ستكون مختلفه في شكلها ومضمونها ولربما نتائجها وستسير بما تيسَّر وسيتيَّسر من ظروف سياسيه ولوجستيه وعسكريه...في تونس ومصر استلم الجيش السلطه,لكن في اليمن وليبيا تأخذ الامور منحى اخر بانقسام الجيش بين مؤيد ومعارض للنظام مما يزيد الامور تعقيدا في اتجاه النزاع المسلح بين نظام الحكم والثوار العرب وازدياد اعداد الضحايا والقتلى في صفوف الشعب ومايجري في ليبيا هو مثال على ارتفاع ضحايا القمع القذافي والنزاع المسلح بين الثوار والنظام وعدد الضحايا في ليبيا سيفوق كل تصور ولامقارنه بينه وبين عدد ضحايا وشهداء الثورتين التونسيه والمصريه.
من هنا لايبدو لي ان النمط الثوري التونسي والمصري هو الذي سيكون سائد عربيا في الحقبه القادمه لابل ستكون هناك انماط ثوريه جديده من بينها الكفاح المسلح وازدياد عنف ودموية الانظمه العربيه الايله للسقوط, لكن المؤكد ان الثورات العربيه ستستمر وبكل الاشكال والسيناريوات وما كان في مكانه ملقى على مدى عقود لم ولن يبقى مكانه وعجلة التاريخ العربي الجديد حلحَّلت الصدأ العتيق وبدأت تتحرك نحو االحريه والانعتاق ولن تتوقف مهما تعرضت الى قمع وقرصنه من قبل اجهزة الانظمه العربيه الحاكمه.
من الملاحظ في الوقت الراهن هو التحول السريع في الخطاب السياسي والثقافي واالاعلامي العربي الذي بدأ يجاري ويرافق الاحداث والتحولات الجذريه الجاريه في العالم العربي..انسجام الخطاب مع الواقع الجديد .. استحالة العوده الى الوراء بسبب نواطير الثوره وديناميكية الاحداث كماهو جاري في تونس ومصر التي صوتت مؤخرا على دستور جديد كنتيجه لثورة التحرير, واللافت للنظر في هذه الجزئيه هو مُجاراة الغرب وتأييده للتغيرات في العالم العربي وهو الغرب الامبريالي الذي دعم طويلا الدكتاتوريه في العالم العربي من جهه وعبث على مدى عقود بمقدرات وثروات وحريات الشعوب العربيه من جهه ثانيه وبالتالي ماهو جاري في العالم العربي هو ثورات اجبرت وستُجبر القاصي والداني بتغيير نظرته حول حقوق الشعوب العربيه وهي حقوق صارت مستحقه كنتيجه للثوره وليست كمنيه من النظام او الغرب... الثوره العربيه طرحت تصورات وتغيرات كثيره, لكن السؤال يبقى حول امكانية الشعوب استيعاب هذه التغيرات وتطويرها نحو الافضل ونحو العداله والامن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لجميع طبقات وشرائح الشعب.. الثوره لها ماعليها وعليها ما لها من استحقاقات لاحقه واستراتيجيات قادمه!!
يبدو لي ان الثورات العربيه الجاريه والتي جرت وستجري تحتاج الى افراز قيادات حقيقيه تقود المرحله القادمه بثقة اكثر من ماهو موجود من خليط قيادي ممزوج بين القديم والجديد والجيش والشعب كماجرى في تونس ومصر..كثير من الاحيان تجد من يشككون باهداف الثورات وقدرتها على التغيير ولكن الثوره هي عمليه ديناميكيه اهم مقوماتها الاستمراريه والقدره على استيعاب الواقع والمتغيرات السياسيه والاجتماعيه والعالميه ايضا.. الثوره وثوارها وقياداتها ستفشل فشلا ذريعا اذا لم يكن لها قياده سياسيه واقتصاديه مصممَّه ومخططه لاستراتيجيات اجتماعيه واقتصاديه تقود المجتمع الى الافضل وتثبت ان الثوره كانت مجديه وتستحق التضحيات اللتي قدمها الشعب سواء دما اوشهداء ادت بالمحصله الى اسقاط الانظمه البائده... التغيير هو اول مايجب ان يلمسه ويشعره الناس والا ستكون النتائج عكسيه... التضمر واللامبالاه الجماهيريه!!
نحن نعتقد ان على الثورات العربيه ان تأخذ كل شئ بالحسبان وعلى راسه البنيه الثقافيه و الاجتماعيه والعائليه والسلطويه والقبليه والطائفيه والاثنيه وغيرها الموجوده في الوطن العربي وهي جميعها عوامل قد تعيق او لا تستوعب الثورات والتغييرات الاجتماعيه والاقتصاديه... كثير من الشرائح الاجتماعيه مثلا تحارب التطور والحريه من منطلقات سلطويه وبنيويه اجتماعيه من منطلق ان التغيير يفقدها سلطتها الاجتماعيه...في هذه الحالات تكون سياسة المراحل وليست حرقها هي الكفيله بالتغيير!!
سياسة المراحل وعدم حرقها من الامور المهمه التي تترتب على الثورات وخاصة ان الجماهير العربيه تتلهف الى الحريه والتقدم والرخاء منذ زمن بعيد وتريد ان يحصل كل شئ بسرعه فائقه, وهذا طبعا امرمستحيل.. معادلة التلهف وتحقيق الحلم تعني جماهيريا وشعبيا ان عدم تحقيق الامال الشعبيه والمطالب سريعا يعني الفشل ,وعدم وجود استراتيجيه قوميه متكامله للتطور والتقدم في مرحلة ما بعد الثوره تعني وجود ثغره ينفذ منها المتسلقون والانتها زيون واعداء الثوره الذين سيروجون لعدم جدوى الثوره مما يخلق تناقضات وصراعات واضطرابات داخليه[كل الاشكال والانماط] تقود الى فشل الثورات وعدم تحقيقها لاستحقاقات ومطالب جماهيريه مما يؤدي الى تنافر النسيج الوطني والقومي بدلا من تناسقه وتقدمه في الاتجاه الصحيح...اتجاه التطوربكل اشكاله والرخاء الاجتماعي والاقتصادي..!!
على الثورات العربيه ان تأخذ بالحسبان ايضا التركيبه الطائفيه والقبليه والاثنيه في بعض الدول العربيه وان تحافظ على الوحده الوطنيه والعداله الاجتماعيه والا سنصل الى مراحل وحالات خطيره في العالم العربي كما جرى في السودان وهي حروب اهليه وتقسيم وفرقه وبالتالي وخاصة في اليمن وليبيا و دويلات الخليج هنالك خطر يتربص هذه الدول وهو الخطر الطائفي والقبلي وتداعياته على الوحده الوطنيه في زمن الثورات وما بعدها...
الثورات العربيه مختلفه وستختلف مستقبلا في الشكل والفحوى والظروف وادوات التنفيذ, وسيكون هناك حتما ثورات حمراء ولربما بيضاء لو تعقَّل المستبدين ورحلوا او تنحُوا دون اراقة دماء او اقل دمويه كما جرى في تونس ومصر, لكن للاسف النموذج الليبي واليمني الدموي هو شكل اخر لثورات عربيه ولربما سيكون نموذج وسط بين مسلح وسلمي في النضال ضد الطغاه... انماط الثورات!!
الثورات العربيه ستستمر بما لها من مطالب جماهيريه وما عليها من استحقاقات لاحقه, ولكن الاكيد والمؤكد ان الثورات وعجلات التغيير قد سارت وقطعت مشوارا لا عودة فيه...قد تتعثر الثوره في هذا البلد العربي او ذاك كماهو جاري في ليبيا, لكنها في النهايه ستبلغ اهدافها ضمن معطيات تاريخيه وميدانيه غير هذه السائده او اكثر نضوجا...ليبياواليمن وسوريا على الجرار..كلها دول عربيه مرشحه للثورات والتغيير وحتى النظام السعودي في الجزيره العربيه لن يكون بمنأى عن الثوره اجلا ام عاجلا...المطالب الجماهيريه راسخه ومُلحه والتغيير قادم لا محاله...تحيه للثوار والثورات العربيه المجيده!!
www.deyaralnagab.com
|