logo
الفساد الفلسطيني: هروب إلى الأمام!!

بقلم : نقولا ناصر* ... 07.08.2010

لا يجادل اثنان بأن السلطة، أي سلطة، مفسدة، فكيف إذا كانت هذه مثل السلطة الفلسطينية مجرد حكم ذاتي تحت الاحتلال وليس سلطة كاملة السيادة، وكيف إذا كانت هذه السلطة قد تحولت بحكم الأمر الواقع من مجرد خطوة "انتقالية مرحلية" باتجاه دولة، كما كان وما زال أصحابها يأملون وبالتالي يسوغون قبولهم بها، إلى مجرد حلقة في النظام الأمني للاحتلال يعززها المانحون بأموالهم ودعمهم السياسي والأمني ... وبالإفساد والفساد.
مؤخرا، أعلن الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" في رام الله عن تخصيص جائزة لمكافأة المبلغين عن الفساد، كما كان يفعل منذ عام 2006، لكن طبعا دون أي ضمانات بحماية "المبلغين". وبغض النظر عن التناقض الكامن في حقيقة أن الائتلاف يرأسه عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، هي د. حنان عشرواي، مما يشكك في استقلاليته، وفي حقيقة أن الائتلاف يرفع تقريره السنوي إلى رئاسة المنظمة وحكومتها التي ترعى مناسبة نشر التقرير - - كون المتهم بالفساد لا يجوز أن يكون حكما فيه - - فإن المراقب يتساءل عما إذا كان "أمان" معنيا كذلك برصد الفساد أو الإفساد "الإعلامي" غير المادي، مثل بيع حكومة رام الله للشعب وهم بناء مؤسسات لدولة فلسطينية تحت الاحتلال، بينما يقول وزير اقتصادها د. حسن أبو لبدة إن الاقتصاد الفلسطيني في ظل السلطة هو "اقتصاد مانحين بامتياز"، وإن أموال المانحين هي "أوكسجين" هذا الاقتصاد، وإن مؤتمري بيت لحم الاقتصاديين عامي 2008 و 2009 لم يجذبا أي مستثمرين وإن القليل من مشاريعهما قد "رأى النور"، مما يعني أن تكاليف المؤتمرين قد ذهبت هدرا ("معا" الإذاعية الأحد الماضي).
وفي السياق ذاته، اشتط رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني ومديره التنفيذي، د. محمد مصطفى، في تسويق عملية السلام الفاشلة حد القول إن الاقتصاد الفلسطيني يمكنه أن ينمو بمعدل (20%) سنويا إذا كان هناك "سلام مع إسرائيل"، ليرد على "تفاؤله" غير الواقعي مدير الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد جورج دبليو. بوش، مايكل سينغ، بقوله إن ذلك "غير مرجح" وإنه مجرد "هدف يعبر عن طموح" (بلومبيرغ 5/8/2010).
وإذا كان ائتلاف "أمان" غير معني بهذا النوع من الفساد الإعلامي، فإنه قد يكون معنيا بالتحقق في ما أعلنه وزير المالية الأردني الأسبق، عادل القضاة، أثناء محاكمة فساد أردنية ساخنة، بأن صندوق الاستثمار الفلسطيني عين ابنه أشرف، "وابني ليس بحاجة حتى للعمل"، براتب "أساسي" يتجاوز خمسة آلاف دولار شهريا عدا الحوافز والعلاوات بينما خبرته ست سنوات في أحد بنوك الولايات المتحدة بعد تخرجه من جامعاتها !
إن التناقض بين عضوية كبير المفاوضين السابق في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد قريع، وبين تصريحه بأنه "يستحيل الاتفاق مع الإسرائيليين، فخلال 19 عاما من التفاوض معهم .. لم يغلقوا ملفا واحدا" (الشرق الأوسط 4/8/2010)، جدير بمساءلة "أمان" عن أسباب استمرار عضويته في اللجنة، لكن تصريحه يذكر بأن منظمة التحرير وحكوماتها لم تغلق بدورها ملفا واحدا من ملفات الفساد طوال سبعة عشر عاما من عمر سلطة الحكم الذاتي.
أما إصدار مذكرات توقيف للانتربول الدولي بحق عدد من "الهاربين"، كما أعلن النائب العام المستشار أحمد المغني، فإنه لم يقد حتى الآن إلى إعادة أي منهم، بينما كان الحكم القابل للاستئناف بالسجن لمدة عامين وغرامة (100) ألف دينار أردني على المتهم الرئيسي في قضية الفساد في هيئة البترول - - التي زاد إجمالي قيمة الاختلاسات فيها، حسب لائحة الاتهام، على مئة مليون دولار أميركي - - أقرب إلى ذر الرماد في العيون لاحتواء الغضب الشعبي على الفساد والفاسدين والمفسدين، نظرا لأن الفساد في هيئة البترول كان محورا أساسيا في حيثيات استقالة محمود عباس عام 2004 من منصبه كأول رئيس وزراء فلسطيني، وهو منصب استحدث تحت الضغط الأميركي – الإسرائيلي بحجة الإصلاح والقضاء على الفساد، حيث قدر عباس آنذاك قيمة الفساد في الهيئة بستة وسبعين مليون دولار "سنويا" منذ عام 1996.
في 26 حزيران / يونيو الماضي أصدر عباس "قانون مكافحة الفساد"، وأنشئت هيئة مكافحة الفساد وعين رئيس "هيئة الكسب غير المشروع"، التي حلت الهيئة الجديدة محلها، رفيق النتشة رئيسا لها، ويعتبر النتشة أن الفساد سبق أن أطاح برئاسته للمجلس التشريعي لأنه فتح ملفات الفساد، وهو يقول إنه تسلم (54) ملف فساد يجري التحقيق فيها الآن، لكن ليس من المعروف، بعد أصبح صاحب القرار في قضايا الفساد، أنه قد فتح هو نفسه أيا من ملفات الفساد التي سبق له إثارتها. إنه يبدو جادا وقد حاول أن يثبت جديته بمثال ضربه عندما أعلن بأن توصيات اللجنة المؤلفة في قضية رفيق الحسيني قد اعتمدت ونفذت "خلال يومين". وربما لا يوجد تعليق على مهمته القديمة – الجديدة أفضل من الرسالة العلنية التي بعثها القيادي في حركة "فتح"، إبراهيم أبو النجا، في الأول من الشهر الماضي إلى النتشة:
ألمح أبو النجا إلى العديد من أنواع الفساد: "ماذا تعني كلمة الفساد ؟ هل هي فساد سياسي ؟ أم تفاوضي ؟ أم أمني ؟ أم وظيفي ؟ أم أخلاقي ؟ أم اجتماعي ؟ أم تنظيمي ؟ أم مالي ؟ أم سلوكي ؟ أم إداري ؟ وإذا بقينا نعدد أم قد نصل الى ألف أم". وبدا أبو النجا متشككا في جدوى الهيئة الجديدة وهو يتساءل عن هيئة الكسب غير المشروع السابقة التي "صدر مرسوم سابق بها عام 2005"، مضيفا:

"فالأشخاص ماثلون للعيان وليس صعباً التعرف عليهم من خلال القفزات في الثراء الفاحش غير المستند إلى دخل وظيفي أو تركة كبيرة ورثت لهم، ولن يصلوا إليها لولا تبوؤهم مواقع ومراكز أجادوا استغلالها ضاربين بعرض الحائط كل المحرمات ومتحدين وبسبق إصرار عالم المحاسبة والكشف عنهم" (المادة 20 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد)، ولأن هؤلاء "متنفذون ولن تستطيع أي جهة أن تجرؤ على مساءلتهم" فقد اتهم أبو النجا قيادة المنظمة والسلطة بالهروب منهم إلى الأمام، إذ كان " لابد من الهروب إلى الأمام بانتقاء اسم جديد للهيئة لتصبح هيئة مكافحة الفساد"، قبل أن يختتم بالسؤال: "هل ستتناولون كهيئة ما حدث في المؤتمر العام السادس (لحركة فتح)، وما اجترح من أساليب وآليات ضارة جدّاً وغير مسبوقة في أي مؤتمر لحزب أو منظمة أو حركة ؟"، .. مما يذكر بمذكرة "'حراس حركة فتح" حول السؤال نفسه.
لقد كانت مكافحة الفساد محور البرنامج الذي رشح عباس نفسه على أساسه للرئاسة عام 2005. لكن الفساد لم يحاسب بعد، لا بل إنه يزداد سمنة بازدياد أموال المانحين التي كان يغرف الفساد منها.
إن إنجازات الإصلاح الإداري في مؤسسات السلطة الذي طالما اتخذ ذريعة للانقلاب على الرئيس الراحل ياسر عرفات، أو للحد من سلطاته التي عادت جميعها للرئاسة بعد رحيله، تجلت بصورة كاريكاتيرية الأسبوع الماضي عندما أخذت الضابطة الجمركية بيدها سلطة القضاء ووزارة الداخلية والشرطة لتقتحم عددا من محطات التلفاز والإذاعة المحلية وتصادر معداتها وتعتدي على بعض الإعلاميين فيها بأمر وزارة الاتصالات، فوزير الاتصالات يعلن أنه "لم يعرف" ويقول إن "هناك خللا في الوزارة"، ووزارة الداخلية "تستغرب" ما حدث، ورئيس الوزراء د. سلام فياض لم يكن يعرف كذلك، والجميع يعدون بالتحقيق ومحاسبة المسؤولين، وهو الوعد نفسه المكرر الممجوج بشأن مكافحة الفساد، وهو وعد لم يعد يصدقه أحد.


www.deyaralnagab.com