فلسطين في مخيم اليرموك!!
بقلم : صبري حجير ... 10.06.2011
حدثَ ، يومَ ، السادس من حزيران ، في مخيم اليرموك ، ما يمكن أن يقال فيه " أمراً جللاً " حيثُ انحرفت مسيرة تشييع الشهداء الفلسطينيين عن مسارها الطبيعي ، ودخلت في منزلقات خطرة أصابت أو كادت تصيب بحدَةٍ السمعة الوطنية للشعب الفلسطيني المناضل !
وكان قد سقطَ عدد كبير من الشباب الفلسطيني شهداءً على جبهة الجولان السوري المحتل ، في الخامس من حزيران ، برصاص الجيش الإسرائيلي الذي أطلقَ ا الرصاص الحيّ على المتظاهرين الفلسطينيين والسوريين ممّن نجحَوا في الوصول الى هناك ، ليعلنوا أمام العالم ، وأمام عيون المحتلين الصهاينة عن رفضهم لنتائج النكسة العربية التي وقعت في الخامس من حزيران عام 1967 . تلكَ النكسة التي أدت الى احتلال الجولان السوري ، والضفة الغربية بما فيها القدس ، وسيناء على الجبهة المصرية . النكسة العربية رغمَ ما تنطوي عليه من آلام تُعيد ذكرى المقاومة الفلسطينية المسلحة التي نهضت إثر الإنهزام العربي ، وسجلت انتصارات مشهودة على العدو الإسرائيلي ، وتحكمت في نشوء النظام الفلسطيني المقاوم ، حيثُ استطاعت المقاومة الفلسطينية حينها أن تملأ الفراغ الأمني والسياسي الذي أطبقَ على الواقع العربي فجأةً إثرَ النكسة عام 1967 ، عندما استثمرت تلك اللحظة التاريخية ، تماماً كما يستثمر الآن الشباب الفلسطيني اللحظة الوطنية السائدة ، ويقتحمون جبهة حق العودة بالطرق التعبيرية السلمية ، فهذا التعبير الشعبي الفلسطيني والسوري هو حق إنساني تكفله المواثيق والقوانين والشرائع الدولية ، والمؤسسات الإنسانية ، وهيئات ومؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة ، التي يبدو أنها لا تصحو من سباتها إلا اذا أيقظتها الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل والقوى الغربية ! لقد أنار الشباب الفلسطيني مشاعل العودة الى فلسطين في الذكرى الثالثة والستين للنكبة الفلسطينية على جبهة الجولان ، ومارون الرأس في جنوب لبنان ، ووضعوا الكيان الإسرائيلي برمتهِ أمام السؤال التاريخي : ما هو مصير اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من وطنهم عام 1948 ؟ ومتى يعودون ؟ .
قُدِرَ للشباب الفلسطيني في الذكرى 63 للنكبة أن يحدد ملامح النضال الجماهيري في مستقبل الأيام ، ويفرض تعبيراته الجديدة على الساحة النضالية الفلسطينية ، فقد أعاد القضية الوطنية الفلسطينية الى سياقها الحقيقي في تبني قضية العودة ، التي حاول البعض استخدامها في تحسين شروطه وموقعه في المحادثات والعلاقات مع العدو الصهيوني .
هذه هي اللحظة التاريخية التي يحاول الشباب الفلسطيني استثمارها ، في ظلّ مناخ ثوري تحقق بفضل انتصار الثورتين الشعبيتين في مصرَ وتونس ، وفي ظروف متوترة ودقيقة تعبرهما سورية العربية . وهنا قد يتساءل البعض : لماذا تمّ إغلاق جبهة الجولان كلّ هذه السنين أمام الفلسطينيين ؟ ولماذا الآن تُفتح هذه الجبهة ؟ وهناك مَن يتهم النظام السوري بأنه يوظف التحرك الجماهيري الفلسطيني في معركته ضدّ الحركات المناوئة له في الداخل السوري ، وفي مواجهته للولايات المتحدة واسرائيل والغرب الأوروبي والدول والقوى العميلة في المنطقة . وفقاً للحقائق السياسية التي كانت سائدة في الواقع العربي ، يمكن القول : أنه ماكان باستطاعة سورية أن تفتح جبهتها المحتلة ، في ظرف عربي متردٍ ، بل متهاوٍ ومنقسم ، تتقاذفه المصالح القطرية الضيقة ، وتعبثُ به الإستراتيجيات والأحلاف الدولية ، وخصوصاً في غياب مصر العربية عن ساحة الصراع العربي الإسرائلي ، وفي ظروف دولية منحازة تماماً لاسرائيل . كانت سورية دائما تخوض معاركها الوطنية والقومية برفقة مصر العروبة ، ولا تستطيع بمفردها أن تحسم معركة فاصلة مع الدولة الصهيونية التي هي جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية الأمنية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية .
عندما تحررت مصر من أسرة مبارك القوى المتسلطة على السلطة والثروة القومية ، والمتحالفة مع اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ، وانتصرت ثورة الشعب المصري ، بدأت القوى الدولية ، وبعض الدول العربية والفئات الداخلية المتضررة من الثورة ، تضع العقبات والمعيقات أمام التحولات الثورية للشعب المصري ، وتستخدم معه استراتيجية المحاصرة والمناكفة والتفقير ، وتعمد على إشغاله الدائم في القضايا الداخلية ، وتحاول تفتيت لحمته القومية ، خدمة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي ، لأن قوة مصر العروبة مرتبط بقوة سورية العربية والعكس صحيح ، ووفقاً لهذه الجدلية الراسخة تحاول القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، في سباقٍ مع الزمن ، إضعاف الدولتين العربيتين ، وبنفس الوقت الولوج بشكل سافر في الإجهاد على كل دولة منهما على حدة ، وذلك بافتعال ألون من المشاكل والأزمات ، ويساعدهم في هذا الهدف دول عربية خليجية تدور في حدود البوتقة الأمريكية .
من جانب آخر ، ليسَ من ضير أن يستفيد النظام السوري من الحالة الوطنية الناهضة لدى الشباب الفلسطيني ، وأن تستفيد الحركة الجماهيرية الفلسطينية في فتح الطريق الى الجولان ، وطرح قضية العودة باسلوب جديد وبفعاليات وطنية أكثر إبداعاً ممّا سبق ، طالما أن هذا التقاطع في المصالح الوطنية موجه ضدّ العدو الصهيوني الذي يحتل الجولان وفلسطين ، ولا يعترف بحق العودة للشعب الفلسطيني ، وكذلك موجه للذين يضعون قضية العودة في السطور الأخيرة لأجنداتهم ،ويعمدون على إبقائها مع القضايا المؤجلة ، ويستخدموها لتحقيق أغراض إجرائية وثانوية في سياق الإتفاقيات المنقوصة .
ما حدث في مخيم اليرموك يدخل في حيزين اثنين ؛ أحدهما محاولة إجهاض الحراك الشبابي الفلسطيني ، وحرف مساره الوطني باتجاهات عبثية ، بعيدة كلّ البعد عن فعالية الإبداع الوطني ، ومحاولة شقِّ البنية السياسية للفلسطينيين في المخيم ، وإبعادهم عن فصائلهم الوطنية ، وبذلك لم نتفاجأ ببعض الأقلام والمواقع الإعلامية المحسوبة على (دحلان ) المقيم في رام الله ، في اشعال الفتنة ، والتحريض ضدّ الفصائل الفلسطينية التي تساند وتدعم هذا الحراك الشبابي الفلسطيني .
أمّا الحيز الثاني فإنه يأتي في سياق محاولة بعض المندسين المناوئين للنظام السوري لجرّ الشارع الفلسطيني ، وبالتحديد مخيم اليرموك أكبر المخيمات الفلسطينية في دول اللجوء ، ووضع الفلسطينيين في مجريات الحملة المعادية للنظام وللشعب السوري ، الذي وقف شبابه مع الشباب الفلسطيني في الجولان صفاً واحداً ، والذي يدعم القضية الفلسطينية ويساند قواها وفصائلها الوطنية .
لقد جعل الشباب الفلسطيني من ذكرى النكبة ، ومن ذكرى النكسة ، حافزاً للفعل الوطني ، ولم يبقيهما مناسبتين عابرتين يحيهما كل عام ، ويعيد ذكراهما ، وأكدَ على انصهار السياج الإسرائيلي الذي بات منكشفا ًأمام الممارسة الفعلية لحق العودة الى فلسطين ، وهو الحق الذي سوف تجسده جماهير اللاجئين الفلسطينيين بإبداع للفعل الوطني المثابر .
كاتب فلسطيني مقيم في السويد
www.deyaralnagab.com
|