logo
'حرّية حرّية' أخطر من ' الشعب يريد'.!!

بقلم : سهيل كيوان  ... 21.04.2011

ما سبق وسمعناه في ليبيا ومصر وتونس واليمن والبحرين يتكرر في سورية ولكن بطبعة رديئة وغير منقحة، 'تمرد سلفي مسلح' عجبكم هالحكي...وكأن تهمة 'المؤامرة الخارجية' للشعب لا تكفيه.
انتهى العمل بقانون الطوارئ بأمر من الرئيس، ولكنك تسمع في الوقت ذاته في نشرة أخبار من 'إذاعة القدس على طريق تحرير الأرض والإنسان من دمشق' وبقرار من وزارة الداخلية السورية إن التظاهر ممنوع لأي سبب كان، وفي اللحظة ذاتها ترى على الشاشة صورة ثابتة لعضو سابق في مجلس الشعب يتحدث عبر الهاتف لإحدى الفضائيات ويقول...إن التظاهر حق يكفله الدستور أصلاً، ولا يوجد ما يمنع التظاهر ما دام أنه في نطاق القانون. ويبدو أن النظام عندما يضع في دستوره بنداً يسمح بالتظاهر يقصد تظاهرات التعبير عن الحب والفرح بالنظام والقيادة التاريخية الملهمة، وينسى أو أنه لا يتوقع في يوم من الأيام أن يكون سيئاً لدرجة أن يتظاهر الناس بهتاف 'حريّة حريّة' في بلد يحكمه نظام هو أبو أبو أبو الحرّية!
وهكذا بعد حديث كثير عن حرية التظاهر التي يضمنها الدستور يقولون إنه يجب التمييز بين متظاهر ومتظاهر، يعني هناك متظاهر آدمي وابن ناس ومحترم وليس لنا ضده أي شيء، وهذا ليس مثل الذين يستفزون قوى الأمن والناس الآمنين بهتاف 'حرّية حرّية'!
السؤال الذي يتبادر للذهن ما هو السيىء بكلمة 'حريّة حريّة' في بلد تتعثر فيه بكلمة حرية كيفما سمعت أو شاهدت أكثر من أي كلمة أخرى، مثل حرية الشعوب في تقرير مصيرها، وحرية فلسطين وتحرير الأسرى، وتحرير الأرض المغتصبة، وأحرار العالم، وأحرار الجولان، وتحرير الأمة العربية من الهيمنة الإمبريالية.
هذه الحرية التي دفع الشعب السوري العظيم عشرات آلاف الشهداء من أجلها كيف تحولت إلى كلمة تشبه الشتيمة ومستفزة للنظام.
لا يحتاج الأمر إلى فكر رياضي متقدم لنعرف أن من يرفع علم سورية ويهتف 'حرّية حرّية' كأنما هتف بالشعارات المناهضة جميعاً، فقد صاح مطالباً بما هو مفقود.
ولكن ما الذي يحجب الحرية عن المواطن في بلد يعتبر الحرية أحد أهم شعاراته وطموحاته كما رأينا في 'باب الحارة' مثلاً، حتى المرأة تشهر مسدساً وتقوم بدور بطولي من أجل الحرية، إذاً فالحرية هي المطلوبة، والإنسان لا يصيح(خبز خبز) إلا إذا كان جائعاً، عجبت لمن لا يجد الحرية في بلده كي لا يخرج شاهراً صوته لكاميرات الهاتف النقال.
يبدو أن أجهزة الأمن السورية تمر في حالة ارتباك وعدم تنسيق.
البعض يدعو إلى السماح للناس بالتعبير كي ينفسّوا غضبهم عبر مسيرات ومظاهرات وعدم التعرض لهم إلا في الحالات القصوى مثل التخريب، وهناك اتجاه يقول إن قمع الاحتجاجات في بدايتها أحسن عاقبة وأقل ضرراً حتى وإن كانت 'سلمية سلمية' على طريقة السابقين من الأخوة العرب، فمن يهتف 'سلمية سلمية' اليوم إنما يقصد خداع النظام ليأخذه على حين غرّة، وقد رأينا 'سلمية سلمية' أين أوصلت مبارك وزين العابدين بن علي، ولهذا ممنوع السماح للاحتجاجات أن تأخذ صبغة 'سلمية سلمية'، ويجب العمل على جعلها 'عدائية عدائية'.
الوضع في سورية خطير جداً، وحسب المصادر الرسمية فإن قوى الأمن في دولة الأمن عاجزة عن حماية أمن المواطنين وأمن رجال الأمن من المسلحين والمندسين المنتشرين في كل مكان حتى في جهاز الأمن نفسه، وهذا أخطر بكثير مما لو اعترفت السلطات بأن قواها الأمنية هي التي تقتل الناس، لأن المواطن حينئذ سيطمئن بأنه قتل بيد النظام وليس بيد خفية تعيث في البلاد خراباً وفساداً من بعده. الرواية الرسمية السورية تؤدي إلى ضعضعة ثقة رجال الأمن بأنفسهم فهي تظهرهم عاجزين عن مواجهة (المندسّين) من جهة ومن جهة أخرى تضعهم في حالة قلق من إمكانية محاكمتهم في يوم ما من قبل النظام نفسه الذي طلب منهم تنفيذ هذه العمليات، فقد يأخذ قضية إنكار دورهم بجدية وليس فقط أمام الإعلام ويقدمهم كبش فداء، ثم أنه قد يأتي يوم ويحاكمون من قبل المندسّين أنفسهم.
عجيب كيف لدولة أن تفرّط بسمعة أمنها المصون بهذه البساطة وهي التي حكمت الناس بقوانين الطوارئ باسمه لعقود طويلة.
بهذه المناسبة لا أريد أن أزاود على أحد من الفنانين السوريين وخصوصا أبطال مسلسل باب الحارة، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فالمعارضة في سورية أو الظهور ضد النظام ليس كالوقوف أمام الكاميرا في مسلسل درامي، إنها مغامرة قد تنتهي على يد أحد نشطاء المندسّين!
بعض المعلقين السوريين يقولون إن الملايين تمارس حياتها الطبيعية ولا تشترك في الاحتجاجات وإن النظام قادر إذا أراد على تجنيد ملايين المتظاهرين..وهذا صحيح.
ولكن يخطئ من يعتقد أن خروج خمسة آلاف متظاهر في أي مدينة في سورية هو عدد قليل، فهؤلاء يحملون أرواحهم على راحاتهم، فإذا خرج عشرة آلاف فهذا يعني أن هناك ملايين الخائفين والمترددين الذين يؤيدونهم ولكنهم مازالوا يعتقدون أن النظام قادر على سحق الانتفاضة، وهناك مئات آلاف ينتظرون على الجدار ليقفزوا في اللحظة التي يشعرون بها أن ميزان القوى يسير في صالح المنتفضين، وهناك من يخشون بالفعل وبحق أن يحوّلها النظام إلى نهر من الدماء تحت شعار محاربة المتمردين السلفيين حتى لو كانوا ديمقراطيين واشتراكيين ولهذا يؤثر الإصلاحات كما يفصلها النظام وبالسرعة التي يريد على حرب داخلية لن تبقي ولن تذر.
ومن هذا المنطلق فإن النظام في سورية يتحمل مسؤولية تاريخية بعدم إدخال البلاد إلى دائرة عنف قد تؤدي إلى الدمار والخراب الشامل وعليه بالعمل الفوري على المبادرة للتفاهم مع الشعب على إعادة صياغة الدستور بحيث يكفل تداول السلطة في أجواء من الحرية الحقيقية التي تعني حرية تنظيم الأحزاب والمنافسة فيما بينها وتحديد فترة الرئاسة والشفافية ومحاسبة الفاسدين وتلبية المطالب الأخرى لعل وعسى يتم منع الانفجار الدموي الكبير.
الجماهير شمّت رائحة الحرية، ولا عودة إلى المربع الأول وسورية اليوم ليست نفسها قبل شهرين، صحيح أن هناك حاسدين وأصحاب عيون ضيقة كما قال المغني علي الديك..صاحب أغنية(طلع الصباح ولك علوش). ولكن الحسد وضيق العين يا(علوش) ليس على طبق طعام أو على سيارة ذات موديل أعلى، نعم من حق الشعب السوري وشعوبنا العربية كلها أن تحسد الشعوب التي تنتخب رئيساً فيخدمها وينقلها خطوات عملاقة إلى المستقبل كما فعل البرازيلي (لولا دي سيلفا) الذي يودعه شعبه هذه الأيام بعد ثماني سنوات من الحكم بالزهور والقبلات لأنه غير قادر على الترشح مرة أخرى حسب الدستور رغم نجاحاته المذهلة، نعم هذا يسبب الحسد يا(علوش) وحتى الضغينة بل والحقد على أنظمة تفقر شعوبها وتنهبها وتذلها وعندما تتنهد محتجة توجه لها تهمة الخيانة والتآمر وترويع الآمنين، والمقصود بالآمنين طبعاً هم النظام ورجاله...


www.deyaralnagab.com