انصحوا بالمقلوب كي يتحقق المطلوب!!
بقلم : د.فيصل القاسم ... 01.05.2011
نظراً لأن بعض الأنظمة العربية الحاكمة تبدي تحسساً هستيرياً من الضغوط والمطالب الخارجية المتعلقة بالإصلاح والتغيير والتطوير في العالم العربي بحجة الحفاظ على "السيادة الوطنية"، ومن شأنها أن تفعل العكس عادة كي تغيظ الناصحين، أرى أنه يتوجب على الخارج من الآن فصاعداً، إذا كان فعلاً صادقاً في انتشالنا من براثن التخلف والاستبداد والديكتاتورية، أن يغير لهجته ومطالبه من الدول العربية، لا لشيء إلا لأن بعض أنظمتنا على ما يبدو تطبق الأمور بالمقلوب نكاية بالنصائح الخارجية. فبدلاً من أن يقول الخارج لحكوماتنا عليكم إصلاح نظامكم السياسي والاقتصادي وتحريرهما من الفساد والمحسوبية والاحتكار القبلي والعشائري والطائفي والعائلي يجدر بالناصحين أن يطلبوا من أنظمتنا العربية العكس تماماً لأن الأخيرة، كما تزعم، ترفض "الإملاءات الخارجية المشبوهة" وتفضل أن تفعل عكسها "بدافع" حماية "القرار الوطني المستقل".
نريد من العالم أن يقول لحكوماتنا: "إياكِ أن تتخلي عن نظام الحزب الواحد والقائد الواحد والاقتصاد الواحد! إياكِ أن تسمحي لأي جماعة أو حزب آخر أن يشاركك في العمل السياسي أو اتخاذ القرارات! إياكِ أن تسمحي بتعدد الأحزاب وحرية التعبير والتنظيم! إياكِ أن تفككي أحزاب المعارضة الشكلية التي تمتلكينها وتزايد عليك في همروجة الوطنية والفذلكات الثورجية! إياكِ أن تتخلي عن مجالس الشورى والبرلمانات الكوميدية! إياكِ أن تسمحي بتشكيل نقابات حرة تعبر عن المجتمع المدني بكافة أطيافه ومكوناته! إياكِ أن ترخي قبضتك التي تمسك بخناق كل الهيئات والمنظمات الشعبية التي تمتلكينها وتديرونها كما يحلو لك! لا تتنازلي حتى عن التحكم بمصلحة الصرف الصحي! إياكِ والخصخصة الاقتصادية فإنها تسحب البساط من تحت قدميك، وتجعلك بلا سلطة، وعندها لن يكون بإمكانك أن تحكمي على طريقة: جوّع كلبك يتبعك! إياكِ أن تتخلي عن احتكار الأرض وما عليها! امض في غيك الشمولي والله يرعاكِ!"
"إياكِ أن ترفعي أحذية أجهزتك الأمنية عن رقاب العباد والبلاد! إياكِ أن تقتلي كلابك البوليسية المدربة على نهش أجساد المعارضين وتفريق المتظاهرين وتخويف المساجين! إياكِ أن تزيلي القوانين الاستثنائية التي تكبل حركة الشعوب والأوطان وتجعلها تتخلف عن ركب الحضارة! إياكِ أن تسمحي لأي من رعيتك المستسلمة بأن يفتح دكاناً لبيع الساردين والأكواب البلاستيكية والبيجامات النسائية إلا بعد الحصول على ألف إذن وإذن! إياكِ أن تقضي على الروتين القاتل الذي يفتك بالناس ويجعلهم عبيداً أذلاء على باب هذا الموظف الحقير أو ذاك!"
"إياكِ أن تتقربي من الشعوب وتصالحيها! إياكِ أن تـفرجي عن المساجين السياسيين، وأن تفصحي عن مكان المفقودين! إياكِ أن تسمحي بعودة المهجّرين والمنفيين!"
"إياكِ أن تسمحي بوسائل إعلام حرة! إياكِ أن تسمحي للشعب بأن يعبر عن رأيه حتى في أسعار الخضار والفواكه كالتفاح والهندباء والبصل الأبيض! إياكِ أن تسمحي للمثقفين أن يقولوا رأيهم في أي موضوع! لا تترددي أن تقذفي بهم خلف القضبان، حتى لو كانوا من خيرة العربان! إياكِ أن تتخلي عن شعاراتك وأفكارك البائدة!"
"إياكِ أن تعيني الشخص المناسب في المكان المناسب! إياكِ أن تتخلي عن شعار الولاء قبل الكفاءة! إياكِ أن تقربي أصحاب الكفاءات إليك! أبقهم دائماً إما مهمشين في الداخل أو مهاجرين في الخارج!"
"إياكِ أن توزعي الثروة بشكل عادل بل أبقها في أيدي الأزلام والمقربين! إياكِ أن تزيلي الاحتقان الداخلي وتفرّجي عن هموم الشعب الاقتصادية والمعاشية! إياكِ أن تهتمي بقضايا الشعوب اليومية كالمشافي ومياه الشرب النظيفة والطرقات الخالية من الحفر والمطبات! إياكِ أن تبني مدارس محترمة وجامعات مستقلة! إياكِ أن تخفضي الأسعار وتقللي من الضرائب! إياكِ أن تحاربي الفساد والمفسدين!"
"إياكِ ثم إياكِ أن تلبي أياً من مطالب الناس العادلة! إياك أن تنزلي عند رغباتهم! جوّعيهم دائماً كي يكونوا تحت إمرتك كالكلاب المطيعة والقطط الوديعة! حاربيهم بلقمة عيشهم وحليب أطفالهم! اجعليهم دائماً خائفين منك كما نصح ماكيفيلي سيده في كتاب "الأمير"! نكـلي بهم ليل نهار كي يتعلموا الأدب والخضوع التام وأن السلطة حق!
"إياكِ أن تتخلي عن أساليب فقء العيون، وقضم الأذن، ونزع الأظافر وقطع الأصابع، وقص الأيدي والأرجل بالمنشار الكهربائي، وكسر عظام الجسد، وسكب ماء النار على الجلد، ووضع الملح على الجراح الملتهبة، والصلب على الخازوق وجرجرة الجسد بعربة صحراوية فوق أحجار الصوان المتناثرة، وصندوق الفلقة والعض والنهش بأنياب الكلاب السلوقية الجائعة المسعورة، والكرسي الكهربائي، وغرفة الغاز السام، والحقن بالهواء والوباء، والجلوس على فوهة أكبر زجاجة عرفهتا مصانع المشروبات!"
لا ترأفي بحال العباد والعبيد! عامليهم دائماً على أنهم أعداء جديرون بكل أنواع الأسلحة الفتاكة ووسائل التعذيب الحديثة التي تستوردينها من "عواصم الحضارة" كلندن وباريس وواشنطن! لا تسمحي لهم بمجرد الشكوى حتى من ارتفاع سعر الطماطم أو الفجل! لا تتوقفي عن مراقبة شعبك ليل نهار! راقبيه على طريقة الأخ الأكبر في رواية "مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل، ولا تترددي في التجسس عليه حتى وهو يقضي حاجته في دورات المياه! أرهبيه بصور الزعيم في كل مكان حتى يصبح مثل ظله يلاحقه حيثما ذهب على الطريقة الأورويلية!"
إن مشكلة الأنظمة العربية مع الخارج تذكرني بمشكلة "أبو جنزير"، و"أبو جنزير" هذا عاش في إحدى القرى، وكان شخصاً كريماً للغاية مع مختار القرية وبقية وجوهها وأعيانها، فكان يعطيهم كل ما يطلبونه منه بسخاء عز نظيره، لكنه كان يجن من الغضب وتثور ثائرته عندما يحاول أحدهم التدخل لمنعه من ضرب أولاده ضرباً مبرحاً والتنكيل بهم شر تنكيل، لقد كان "أبو جنزير" يقول: "اطلبوا مني ما تشاؤون، لكن إياكم أن تمنعوني من التصرف بالأولاد كما يحلو لي حتى لو حولت حياتهم إلى جحيم مقيم، وجعلت أجسادهم تقطر دمراً من شدة الجـلد والرفس". وهكذا أمر معظم حكوماتنا العربية صاحبة الكرم الحاتمي والتسامح المفرط مع الغير وذات القبضة الحديدة القاتلة مع شعوبها، فهي مستعدة لأن تتنازل للآخرين عن الأرض وما عليها مقابل ألا يـفسدوا عليها هوايتها المفضلة ألا وهي قمع الشعوب وتضييق الخناق على رقابها، كل التنازلات المتنوعة للأمريكيين وغيرهم لا تضر بالسيادة والقرار الوطني المستقل والأمن القومي، أما أن تتسامح مع شعبك وتتوقف عن التعامل معه كالأنعام فهذا أخطر انتهاك للسيادة!!
نرجو أخيراً فقط أن يحصر العالم الخارجي جهوده على الضغط على أنظمتنا العربية "بالعكس" (من باب الفكاهة طبعاً) كي تلتزم بالتحذيرات والإملاءات المذكورة أعلاه لعل وعسى أن تفعل نقيضها نكاية بـ"المغرضين والمتآمرين"، طالما أنها تتذرع بالسيادة الوطنية، وتزعم أنها أدرى بشعاب الأوطان، باختصار على أمريكا وغيرها أن يضغطوا على حكوماتنا بالمقلوب كي يتحقق المطلوب على مبدأ " الحق الكذاب لورا الباب"! "وعيش يا كديش ليطلع الحشيش"!
www.deyaralnagab.com
|